محمد عبد الله
في الطريق الواصل بين مدينتي نابلس ورام الله، وتحديدًا المقطع الذي يمتد من مفترق “عيون الحرامية” وحتى قرية مخماس شرق رام الله، تعمل عشرات من آليات الاحتلال الإسرائيلي على تجريف أراضي المواطنين على جانبي شارع “60” الالتفافي، الذي يقطع وسط الضفة الغربية من أقصى شمالها حتى أقصى جنوبها.
قبل ذلك بشهرين، وفي صباح لم يختلف كثيرًا عن سابقيه، وبينما كان رئيس مجلس قروي عين يبرود، عوني شعيب، على رأس عمله، وصلته عبر “الفاكس” أنباء غير متوقعة: إخطارات من الاحتلال بتوسعة شارع 60 الذي يمر من أراضي قريته.
لم يكن هناك أي إخطار رسمي سُلِّم للمواطنين أو تواصل من أي جهة إسرائيلية بشكل مباشر، فقط أوراق أُلقيت على جانب أحد الطرق الفرعية، عثر عليها سكان من بلدة دير دبوان المجاورة، ثم أُرسلت من بلدية دير دبوان إلى مجلس قروي عين يبرود.
هكذا، وببساطة، اكتشف الأهالي أن أراضيهم على وشك أن تُجرف من جديد، وليس فحسب أراضي عين يبرود، وإنما سلواد، وبيتين، وبرقة، ومخماس، ودير دبوان، ومدينة البيرة كذلك.
لم تصل إلينا إخطارات رسمية
رئيس مجلس قروي عين يبرود، عوني شعيب، قال إن سلطات الاحتلال لم تُبلغهم بنيّتها توسعة شارع 60 الذي يمر من أراضي القرية، وإنما قامت بإلقاء الإخطارات على جانب أحد الشوارع، فعثر عليها أشخاص من بلدة دير دبوان القريبة، ومن ثم وصلت إليهم.
وتابع شعيب في تعقيب لموقع “بالغراف”، أن المجلس أبلغ أصحاب الأراضي بهذه الإخطارات ونية الاحتلال مصادرة مساحات من أراضيهم لأغراض عسكرية لتوسعة شارع 60، من أجل تقديم اعتراضات قانونية، لكن المهلة كانت قد انتهت، وفي النهاية، هو أمر عسكري لن يتراجع عنه الاحتلال بأي حال.
وأفاد شعيب أن توسعة الطريق سوف تؤدي إلى تجريف مساحات من أراضي البلدة، علمًا أن هذه الأراضي تقع في المنطقة المصنفة “ج”، وقد جرى مصادرتها منذ سنوات، ولا يتمكن الأهالي من الوصول إليها، لكن هذه التوسعة ستؤدي إلى إقامة منطقة أمنية بعمق 100-150 مترًا، يُمنع الأهالي من البناء أو الفلاحة فيها.
وقال شعيب إن مساحة عين يبرود تبلغ 11,600 دونم، وتُصادر مستوطنة عوفرا منها نحو 6,000 دونم، أي أكثر من نصف مساحة القرية، علمًا أن المخطط الهيكلي المسموح لهم بالبناء فيه لا يتجاوز 2,000 دونم، فيما بقية المناطق مصادرة أو مهددة بالمصادرة، وبالتالي فإن التوسعة الجديدة لشارع “60” ستزيد من تعقيد الأوضاع، وتنتهك المزيد من أراضي القرية.
عملية التجريف تطال 283 دونمًا
بدوره، أفاد رئيس دائرة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داوود، أن هذه الأراضي التي يُجرى العمل فيها مصادرة بموجب ثلاثة أوامر استملاك قديمة تعود لسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إضافة إلى مقطع صغير تمّت مصادرته في عام 2024، وتبلغ مساحة هذه الأراضي التي سيتم تجريفها نحو 283 دونمًا، وتمتد من قرية مخماس حتى منطقة عيون الحرامية شرق رام الله.
وأضاف داوود في تعقيب خاص لموقع “بالغراف”، أن هذه التوسعة سيلحق بها امتداد ومنطقة أمنية حول الشارع يمنع البناء فيها وإقامة المنشآت على عمق 150 مترًا، وهو ما يؤدي إلى عزل الفلسطينيين ومحاصرة البناء.
تجسيد لمنظومة الأبارتهايد
وتابع داوود، أن هذا النوع من الشوارع يأتي ضمن أوامر استملاك تُبرّر بأنها لخدمة الجمهورين الفلسطيني والإسرائيلي، بحسب ما يروّج له الاحتلال، ووفق ما ينص عليه القانون الدولي. لكن دولة الاحتلال، فيما يتعلق بهذا النوع من الشوارع، تُبقي الوصول إليها خاضعًا لمزاجها، بحيث تُبقيها مفتوحة أمام المستوطنين وتغلقها متى شاءت في وجه الفلسطينيين، وهو ما يجسّد إحدى صور نظام الأبارتهايد ضد الفلسطينيين.
وأردف داوود، أن دولة الاحتلال حولت هذا النوع من الشوارع إلى آلية من آليات المراقبة على الفلسطينيين لإخضاعهم، وذلك من خلال كاميرات المراقبة ومنظومة الحواجز المنتشرة في كل أنحاء الضفة الغربية، وبالتالي تحولت من بنية تحتية يفترض أن تخدم الجميع، إلى أداة للسيطرة والعقاب الجماعي.
الهدف هو تحسين جودة الخدمات للمستوطنين
من جانبه، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، محمد أبو علان، إن خدمات البنية التحتية في المستوطنات، بشكل خاص، وفي الضفة الغربية بشكل عام، تُعد جزءًا من سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ويُنفذها سموتريتش من خلال قسم إدارة الاستيطان الذي أسّسه داخل وزارة الجيش.
وأضاف أبو علان في تعقيب لموقع “بالغراف”، أن سياسات الحكومة الحالية تقوم على أن الخدمات التي يتلقاها المستوطن في الضفة الغربية، يجب ألا تقل عن جودة الخدمات المقدمة للإسرائيليين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا هو الهدف الرئيسي: تحسين جودة الخدمات وجعلها مماثلة لما هو داخل الخط الأخضر.
وأكد أبو علان أن الهدف من ذلك هو تشجيع الاستيطان في الضفة الغربية، وضمان ألا يشعر المستوطن بأنه مواطن من الدرجة الثانية.
مشاريع متوازية نحو الضم الفعلي
يرى أبو علان أن توسعة الشوارع تسير بالتوازي مع توسعة المستوطنات، وتحسين خدمات الاتصالات، إلى جانب ثورة قانونية داخل الكنيست تهدف إلى فرض القوانين المطبّقة داخل دولة الاحتلال على المستوطنين في الضفة الغربية. وبالتالي، يمكن اعتبار هذه الإجراءات خطوة جديدة نحو الضم الفعلي دون إعلان رسمي.
وقال أبو علان إن هناك مساع إسرائيلية لضمان السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية، وخاصة مناطق “ج”، مقابل حصر الفلسطينيين في أصغر رقعة جغرافية ممكنة، مع السماح للمستوطنين بالسيطرة على أكبر مساحة ممكنة.
بالتالي، فإن وضع القوانين، والتوسعة، والبوابات، والإغلاقات، والحواجز، هي سياسة إسرائيلية ممنهجة – بحسب أبو علان – بالإضافة إلى استخدام المستوطنين وأعمال العنف كأداة إضافية لتهجير الفلسطينيين، من خلال البؤر الاستيطانية الرعوية.
ونوّه أبو علان إلى أنه ومنذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى نهاية عام 2023، تم الإعلان عن نحو 23 ألف دونم كـ”أراضي دولة”، بينما في العامين الأخيرين فقط تم الإعلان عن نفس المساحة تقريبًا، ما يعطي مؤشرًا واضحًا إلى توجهات هذه الحكومة، التي تسير باتجاه الضم الفعلي.