loading

إيران وإسرائيل: كفة من ترجح؟!

محمد عبد الله

رغم أن الحرب الإسرائيلية على إيران لم تدم طويلاً، إلا أن صداها وتداعياتها امتدت إلى أبعد من ميدان المعركة. 

فالحرب التي وُصفت بأنها أخطر مواجهة مباشرة بين الطرفين، لم تكن مجرد جولة عسكرية، بل اختبارًا مركبًا لحسابات الربح والخسارة الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي. 

وبينما ادّعت إسرائيل تحقيق أهداف مهمة، تقول طهران إنها خرجت من المعركة أكثر تماسكًا، فما الذي تحقق فعلًا؟ ومن الطرف الذي خرج مثقلًا بالفاتورة؟

يؤكد المحلل السياسي نهاد أبو غوش أن الحرب لم تكن إسرائيلية صرفة، بل حملت في طياتها دعمًا أميركيًا وغربيًا واضحًا. 

ويشير في حوار مع “بالغراف”، إلى أن الولايات المتحدة لعبت دورًا “مخادعًا ومضللًا” تجاه طهران، عبر خلق مسرحيات سياسية حول المفاوضات على البرنامج النووي، أو خلافات وهمية مع حكومة نتنياهو، بينما كانت شريكة فعلية في العدوان، سواء عبر الدعم اللوجستي والتسليحي، أو من خلال تقاسم النتائج السياسية لاحقًا.

ويضيف أبو غوش، أن “العدوان الذي واجهت فيه إسرائيل إيران منفردة، بدعم غربي، أظهر أن إيران ما زالت تحتفظ بعناصر القوة والصمود، رغم الكلفة الكبيرة التي دفعتها. فلو انكسرت إيران، لانهارت المنطقة برمتها، لكن الصمود الإيراني قلب المعادلة”

ويرى أن تل أبيب بدت أكثر انكشافًا من أي وقت مضى، بعد أن ضرب قلبها بالصواريخ الإيرانية. وهو ما يكشف – بحسبه – هشاشة قدرة إسرائيل على الاستمرار في الحرب دون دعم أميركي مباشر، مؤكدًا أن إسرائيل “لا يمكنها الصمود طويلًا بمفردها”.

ويشدد أبو غوش على أن الرد الإيراني الأخير حمل درجة عالية من الكرامة الوطنية، رغم أن إيران دفعت ثمنًا باهظًا، خصوصًا في الداخل. لكنه يؤكد أن طهران بدأت فعليًا بترميم آثار الضربة منذ اليوم الثاني، مشيرًا إلى أن المشروع النووي لم يُكسر، لأن “رأس ماله موجود لدى الشعب والعلماء الإيرانيين، والقدرة على إنتاج المعرفة لم تتضرر”.

ويختم أبو غوش بالقول: “إيران تملك مقومات التعافي رغم الضغوط، شريطة الانفتاح على الداخل، وترميم الأمن والدفاعات الجوية، وتعزيز شبكة تحالفاتها”.

أما الخبير في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، فيرى أن إسرائيل استطاعت تحقيق بعض الأهداف، أبرزها تأخير المشروع النووي الإيراني، وربما إحداث ضرر في برنامج الصواريخ الباليستية، لكنه يشدد على أن النتائج غير محسومة، و”الضربات لم تحقق حسمًا في أي من الملفات الكبرى”.

ويضيف البرغوثي في حوار مع “بالغراف”، أن نتنياهو كان يهدف إلى القضاء على النظام الإيراني، عبر تدحرج التصعيد، لكنه فشل في ذلك. وحتى لو تم تصنيع قنبلة نووية قذرة لاحقًا، بمعنى لا تحدث انفجاراً وإنما تلوث إشعاعي، فهذا سيكون فشلًا ذريعًا لإسرائيل، لأنها لم تنجح في تدمير جوهر البرنامج النووي الإيراني.

ويؤكد أن القدرات الصاروخية الإيرانية بقيت فاعلة حتى آخر ساعة من الحرب، وهو ما يطرح تساؤلات عن فعالية الردع الإسرائيلي، رغم الدعم الأميركي. 

كما يرى البرغوثي أن إعلان ترامب المفاجئ عن نهاية الحرب شكّل صدمة لنتنياهو، الذي لا يستطيع الدخول في مواجهة مع حليفه الأكبر.

وحول الجانب الداخلي في إسرائيل، يكشف البرغوثي أن الكلفة الاقتصادية للحرب كانت هائلة، قائلًا: “الحرب كلّفت إسرائيل كثيرًا: من تعويضات الأضرار، والشلل الاقتصادي، إلى توقف الطيران، والتكاليف اليومية الهائلة للهجمات الجوية والطلعات العسكرية”.

ويضيف أن إسرائيل لم تكن قادرة على الاستمرار في الحرب أكثر من شهر واحد، لولا الدعم الأميركي، ويقول إن “ترامب أنقذ إسرائيل من حرب استنزاف طويلة، كما أنقذ نفسه من التورط الأميركي الكامل في حرب جديدة”.

أما على الجانب الإيراني، فيعترف البرغوثي بأن هناك إخفاقًا في منظومة الدفاع الجوي والاستخبارات، مشيرًا إلى أن “السماء الإيرانية كانت مكشوفة”، وأن “اغتيال شخص داخل منزله يُعد اختراقًا كبيرًا للمنظومة الأمنية الإيرانية”، وهو ما يستوجب مراجعة جذرية لدى طهران في الجوانب الدفاعية والعسكرية.

ويختم البرغوثي بقوله: “القلق الإسرائيلي مستمر، لأن إيران أثبتت أنها تملك قدرات لم تكشفها بعد. الصواريخ التي استُخدمت بشكل تدريجي، كانت كافية لإحداث أضرار كبيرة، وستُحسب في ميزان الردع طويل الأمد”.

وفي حصيلة أولية، لم تحقق الحرب كسرًا كاملاً لأي طرف. إسرائيل ربما استطاعت تعطيل بعض المشاريع الإيرانية، لكنها دفعت ثمنًا اقتصاديًا واستراتيجيًا كبيرًا، وخرجت بصورة أكثر هشاشة من ذي قبل. أما إيران، فبرغم الضربات العنيفة والخسائر، أثبتت أنها قادرة على امتصاص الهجوم والرد عليه، مع بقاء المشروع النووي قائمًا، والقدرات الصاروخية حاضرة.

لكن المعركة الأهم تبدأ الآن، في مرحلة “ما بعد الحرب”، حيث تتجه الأنظار إلى كيف ستُدير إيران تعافيها، وكيف ستواجه إسرائيل آثار الاستنزاف والانتقادات الداخلية.

فالحرب انتهت، لكن اختبار القوة، والصورة، والمستقبل.. لا يزال مفتوحًا على مصراعيه.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة