loading

القطاع الصحي في غزة: لا علاج للسرطان ولا لغسيل كلى ولا قسطرة قلبية

ترجمة خاصة لـ بالغراف

تقرير مطول عن الواقع الصحي في قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية أعده ثلاثة صحفيين من صحيفة هآرتس العبرية، نير حسون وجاكي خوري وروان سلمان تحت عنوان:” لا يوجد علاج سرطان، ولا يوجد قسطرة ولا غسيل كلى وبدون كهرباء، المنظومة الصحية في قطاع غزة تنهار”.
وتابعت هآرتس في تقريرها: حتى يوم أمس 9-7-2025 قدمت عيادة وطواقم الصليب الأحمر الدولي في عيادة حي الزيتون في قطاع غزة العلاج لآلف المرضى، غالبيتهم نازحين وجدوا ملجأ في المنطقة، ولكن بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي أمر تهجير جديد، والقصف اقترب من العيادة، الصليب الأحمر الدولي أعلن عن إغلاقها.


إغلاق عيادة الصليب الأحمر خطوة في حالة الانكماش الدرامي في خدمات القطاع الصحي في قطاع غزة، من (36) مستشفى كانت عاملة في قطاع غزة قبل الحرب، (22) منها خرجت عن الخدمة وتُركت، إما بعد قصف إسرائيلي أو بعد أوامر من الجيش الإسرائيلي، إلى جانب الإضرار بالأطباء والطواقم الطبية، اليوم في غزة نصف عدد الأسرة للعلاج التي كانت قبل الحرب، و50% أقل في عدد غرف العمليات، الثلث من أجهزة التصوير الطبقي CT، ولا جهاز من أجهزة MRI التي كانت قبل الحرب.


الأربعاء 9-7-2025 أعلن الدكتور محمد أبو سلمية أن مستشفى الشفاء، المستشفى الأهم في قطاع غزة سيخرج عن الخدمة خلال ساعات، وقال الدكتور أبو سلمية:” أغلقنا قسم غسيل الكلى من أجل الحفاظ على العمل في العناية المركزة وغرف العمليات، لدينا (13) مريضاً في العناية المكثفة بحاجة لجهاز قلب – رئة قال الدكتور سلمية، (350) شخص يغسلون كلى ومجموعة من الأطفال يعيشون تحت الخطر بسبب نقص الكهرباء والأكسجين، وحال استمر هذا الواقع قال الدكتور أبو سلمية:” غرف العمليات في قطاع غزة ستتوقف عن العمل، ونقاط الأوكسجين ستتوقف هي الأخرى، ووحدات الدم ستتحول لغير صالحة للاستخدام، بمعنى أي مستشفى لن يكون بمقدوره أن يكون مستشفى”.


في المقابل طالب أبو سلمية بضرورة إدخال المحروقات بأسرع وقت ممكن لتشغيل محطات تحلية المياه، وطالب العالم بتوفير وحدات دم لقطاع غزة، :” النقص في المياه وصل ل 90%، لدينا أكثر من (1000) طفل يعانون من التهاب السحايا، وأكثر من (1000) امرأة حامل تعاني من التهابات، القطاع الصحي في قطاع غزة أمام ساعات حرجة، لا تتوفر لنا بدائل، ولا نعرف ماذا نعمل، إن توقفت مولدات الكهرباء سنكون أمام خطر حقيقي، كل تأخير في تزويدنا بالوقود يقودنا نحو الكارثة، نحذر من كارثة إنسانية خطرة، والجيش الإسرائيلي يواصل تقنين دخول المحروقات”.


وعن واقع المستشفيات المتبقية كتبت هآرتس: في ال(16) مستشفى العاملة في قطاع غزة بشكل كلي أو جزئي الصورة كارثية، الأطباء يصارعون من أجل حياة جرحى ومرضى في مباني مدمرة، بدون أجهزة وبدون أدوية، مع نقص في المياه النقية، وشبكة كهرباء في حالة انهيار، وجاء في بيان وزارة الصحة في قطاع غزة:” الحديث ليس عن أزمة طبية، بل عن انهيار قيمي في العالم الذي يقف متفرجاً”.


أطباء يشرحون العمل في ظروف غير إنسانية، في غرف الطوارئ المرضى والمصابين ينامون على الأرض، ويموتون بسبب النقص في الأدوية والمعدات، أقسام تحولت لساحات حرب، :” كل شيء ينهار أمام أعيننا” قال الدكتور فضل النعيم نائب مدير مستشفى الأهلي، :” جهاز التصوير الطبقي لا يعمل منذ ثلاثة أيام، ولا يوجد قطع غيار، التثبيتات العظمية للكسور على وشك النفاذ، لهذا نضطر لفكها ممن تحسن وضعهم لإنقاذ المرضى والمصابين القادمين، ما بين (30-40) شخص بحاجة لعمليات فورية يومياً، ولدينا هنا (المستشفى الأهلي) ثلاث غرف عمليات فقط، ولا أي منظومة صحية يمكنها مواجهة هذا الواقع، وبالتأكيد ليس في واقع التفجيرات، انقطاع التيار الكهربائي والنقص الحاد في المحروقات، كل يوم يمكننا العمل فيه يشكل معجزة”.


(52) جريحاً في الليلة:


المستشفيات في قطاع غزة كانت في قلب الحرب وعمليات التدمير منذ بدايتها، الجيش الإسرائيلي يدعي أنها كانت لها دور مهم في المنظومة العسكرية لحركة حماس، أنفاق حفرت أسفلها ونشطاء التنظيمات يلتقون فيها ويخططون منها، لهذا فقدت المستشفيات في غزة الحماية الممنوحة لها في القانون الدولي حسب ادعاء الجيش الإسرائيلي.


مُعدي التقرير في صحيفة هآرتس يدعون أن الجيش الإسرائيلي قدم أدلة على استخدام حركة حماس للمستشفيات، ولكن لم يقدم الجيش الإسرائيلي أدلة على أن كل المستشفيات أو غالبيتها كانت تستخدم لأغراض عسكرية، بالقرب من ثلاثة منها، الأوروبي والشفاء والرنتيسي تم العثور على أنفاق، وفي كراج المستشفى الأندونيسي وجدت مركبة فيها أثر دماء أسير إسرائيلي، وفي بعض المستشفيات تم العثور على أسلحة، في تحقيقات نشر من المعتقلات الإسرائيلية في العام 2023، اعترف مدير مستشفى كمال عدوان في حينه أحمد كحلوت بأنه صاحب موقع في حركة حماس، وادعى الجيش الإسرائيلي أن كثيرين من أفراد الطواقم الطبية كانوا لهم دور في نشاط حركة حماس.


وتابعت صحيفة هآرتس في تقريرها: تقارير دولية كثيرة نشرت في مختلف أنحاء العالم شككت في رواية الجيش الإسرائيلي حول مستشفيات غزة، وعشرات الأطباء الأجانب الذين تطوعوا في مستشفيات غزة وجزء منهم تحدث مع صحيفة هآرتس نفوا مشاهدتهم لأية مظاهر عسكرية في المستشفيات في قطاع غزة، على الرغم من ذلك قصف الجيش الإسرائيلي المستشفيات في غزة عشرات المرات، أطباء ومدراء مستشفيات قتلوا أو اعتقلوا، مثلهم المئات من الطواقم الطبية.
إلى جانب تخريب شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، الحصار على قطاع غزة وعمليات القتل الجماعي التي تتم وبشكل يومي يخلق حالة ضغط لا تحتمل على المستشفيات، ودفعت بالمنظومة الصحية في قطاع غزة لحافة الانهيار، إن لم تكن حالة انهيار فعلي.


المستشفيات في قطاع غزة غالبيتها هوجمت واحتلت أكثر من مرّة، في نوفمبر 2023 احتل الجيش الإسرائيلي مستشفى الشفاء، وعاد واحتلها من جديد في مارس 2024، في فبراير 2024 احتلت مستشفى ناصر، وعاود الجيش واقتحمها مرّة أخرى بعد عدة أسابيع، ومن ثم عاود أيضاً في شهر حزيران الأخير، ومستشفى كمال عدوان احتلت مرتان قبل أن يتم إخلاءه بشكل تام في ديسمبر الماضي.


إخلاء كمال عدوان الذي يعمل اليوم بشكل جزئي واعتقال مديره الدكتور حسام أبو صفية الذي تحول لرمز لإصرار الطواقم الطبية في قطاع غزة، والذي لازال معتقلاً في إسرائيل حتى اليوم، كانت نقطة التحول في عملية الهدم الممنهج للمنظومة الصحية في قطاع غزة، وقبله كانت مستشفيات أخرى أخليت، وأشهرها المستشفى التركي الذي احتله الجيش الإسرائيلي وقام بتفجيره لاحقاً، ولكن بعد إخلاء كمال عدوان ارتفعت وتيرة هدم المستشفيات.


في الشهور الأخيرة أخليت مستشفيات الأندونيسي والأوروبي والعودة، الدكتور مروان السلطان مدير المستشفى الأندونيسي كان الأخير ممن تركوها في شهر أيار، الأسبوع الماضي قتل بفعل إصابة مباشرة بصاروخ إسرائيلي لبيته في غرب غزة، تقريباً كل مستشفيات قطاع غزة تضررت بفعل القصف الإسرائيلي، في مستشفى ناصر أصيب مخزن الأدوية، في المستشفى الأندونيسي أصيب مبنى غسيل الكلى، وفي مستشفى الشفاء دمرت واجهة المبنى، قبل شهر أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها سجلت (679) هجوم إسرائيلي ضد مستشفيات ومراكز طبية في قطاع غزة.


الدكتور محمد صالحه مدير مستشفى العودة تحدث عن الحالات الصعبة من الإصابات التي كانت تصل المستشفى بمن فيها حالات لأطفال، وقال في هذا السياق:” لا أحد يعتاد مناظر الأطفال الأبرياء يقتلون أو يشوهون، الناس يموتون ليس لأننا لا نستطيع أن ننقذهم، بل لعدم توفر الحد الأدنى من الإمكانيات للقيام بذلك، ولأننا أيضاً منهكون”.


المــرضـى يمــوتون بــهدوء:
الإضرار بالمستشفيات وإغلاقها تضر بفرص الناس في البقاء على قيد الحياة، في العام 2022 كان في قطاع غزة (6659) عملية قسطرة قلبية، في العام 2024 كانت فقط (274) عملية، كلها كانت في المستشفى الأوروبي، إغلاقه في أيار الماضي قلل فرص مرضى القلب في قطاع غزة بالحياة، وكذلك أثر مقتل الدكتور السلطان من أطباء القلب القلائل فيها.


شريحة أخرى متضررة من المرضى وهم مرضى الكلى الذين يحتاجون لغسيل الكلى، وحسب معطيات وزارة الصحة في قطاع غزة، من بداية الحرب توفي 41% من مرضى غسيل الكلى، وهذه النسبة تشكل (450) مريض، كما تضرر مرضى الأورام أيضاً بعد تدمير المستشفى التركي الذي كان مختص في معالجة مرضى السرطان، المستشفى الأوروبي كان الوحيد تقريباً في قطاع غزة يتعامل مع موضوع الأورام، إغلاقه ترك آلاف مرضى السرطان بدون علاج، حسب وزارة الصحة، حتى اليوم مات (338) من مرضى الأورام كانوا ينتظرون العلاج.


عدد الأسرة في قطاع غزة وصل حد النصف، حيث بلغ العدد (1685)، غالبيتها توجد في الممرات، أو في المكاتب أو في خيم أقيمت في ساحات المستشفيات، “حولنا المكتبة لغرفة علاج، المكاتب تحولت لأقسام داخلية، ببساطة لم يتبقى مكان” قال الدكتور النعيم.


على صعيد المعدات الطبية، من أصل (17) جهاز CT في مستشفيات قطاع غزة تبقى (6) فقط، ولا يوجد أي جهاز MRI يعمل، وفقط (85) جهاز غسيل كلى عاملة، أقل من نصف العدد الذي كان موجوداً قبل الحرب على غزة، أكثر من (400) مريض غسيل كلى ماتوا لعدم تمكنهم من الوصول للحصول على العلاج، أو لم يكن لهم مكان للعلاج، جزء ممن يموتون في قطاع غزة ليس بسبب مباشر من الحرب، بل مرضى لم يحصلوا على العلاج أو الدواء، مثل مصابين بأمراض القلب والسكري وغسيل الكلى، كل هؤلاء يموتون بصمت.


في موضوع الأدوية ذكر التقرير أن 50% من الأدوية الحيوية غير متوفرة في المخزون، حسب المدير التنفيذي للتمريض في غزة باسم زقوت:” الأدوية الموجودة تكفي لأسبوعين فقط، هذا في ظل الظروف المثالية، هناك نقص في أدوية حيوية مثل الأنسولين، مميعات الدم، أدوية الأمراض العصبية وأمراض الجلد”، كما تحدث زقوت عن ارتفاع في حالات الإجهاض وسوء التغذية والوفيات.


رئيس قسم الأدوية في وزارة الصحة قال:” نقص الأدوية يؤدي لإلغاء عمليات، يكفي نقص دواء واحد لإلغاء عملية كاملة، كما تضطر الطواقم الطبية لإلغاء كل العمليات غير الفورية، المصابين يستمرون في الوصول، وبشكل خاص في شمال وجنوب قطاع غزة، ولا تتوفر السبل لعلاجهم، نحن أمام انهيار شامل للقطاع الطبي”.


الانهيار في القطاع الطبي وعدم القدرة على إدخال التطعيمات أديتا لتخفيض مستوى الحصانة لدى الأطفال، حتى بداية الحرب كانت نسبة التطعيمات في قطاع غزة 95%، مما حمى السكان من حالات موت من موجة أمراض في العام الأول من الحرب، إلا أن نسبة التطعيمات انخفضت الآن إلى 80%.


المؤشر الأخير في هذا السياق، مع تدمير القطاع الصحي وشبكة الصرف الصحي، وانتشار البعوض، رفع من انتشار الأمراض المعدية، مستشفى الرنتيسي على سبيل المثال يواجه انتشار التهاب السحايا بين الأطفال مؤخراً، والمئات يعالجون في ظروف ليست مناسبة، وحسب رئيس قسم الأطفال في المستشفى:” تدمير خدمات البنية التحتية وسوء التغذية ساعدوا على انتشار المرض، مرض يمكن أن يكون قاتلاً إن لم يتوفر العلاج المناسب”.


قضية مركزية يمكن أن تؤثر على كل المستشفيات وهي قضية نقص السولار، من بداية الحرب قطعت إسرائيل التيار الكهربائي عن المستشفيات، ومنذ ذلك الوقت وهي تعتمد على المولدات، والسولار لتشغليها يصل من الأمم المتحدة، إلا أن الجيش الإسرائيلي يفرض فيود على دخوله ونقله داخل قطاع غزة.


مشكلة إضافية تحدث عنها الدكتور النعيم، وهي أن كل مرافق التعقيم تعمل بالسولار، “مرافق التعقيم على حافة الانهيار، لا يوجد سولار ولا يوجد بديل، حتى ألواح الطاقة الشمسية دمرت، كل شيء مرتبط بنقطة السولار الأخيرة”.


الدكتور منير البرش مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة قال: الوضع الصحي سيشهد مزيد من التدهور في الأيام القادمة، “نحن موجودون في أكثر المراحل صعوبة من بداية الحرب، أحياناً كثيرة نضطر للعمل على عكس البروتكولات الصحية، والاخلاقيات المهنية، وبدون الحد الأدنى من النظافة، يحدث أننا ندخل مباني مدمرة ومحترقة للبحث عن الأدوات المستعملة، وإعادة تجهيزها لاستعمالها مرة أخرى، ومع تجدد الهجمات الإسرائيلية ازداد الوضع سوءً”.


مدير التمريض في مستشفى ناصر الدكتور محمد صقر حذر من توقف المستشفى عن العمل، تبقى لديهم (3000) لتر سولار، ولديهم (50) مريضاً موصولون بالأجهزة الطبية، وسيواجهون خطر الموت حال لم يكن كهرباء.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة