هيئة التحرير
بخطى ثابته رسختها نضالات والدها الأسير في الذهنية الفلسطينية، اعتلت سميرة زكريا الزبيدي منصة تخريج الفوج السابع والأربعين من طلبة جامعة بيرزيت وسط الضفة الغربية المحتلة، لتستلم شهادة والدها الذي نال درجة الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة، عن أطروحته بعنوان الصياد والتنين، وسط تصفيق من مئات الطلاب الخريجين وذويهم.
شامخة كما والدها، باسمة كما ظل دائما في أصعب لحظاته، منتصرة كما عودها، وكما كان في تجاربه الطويلة، وفي انتصاره الأخير بالهروب مع رفاقه من سجن جلبوع في شهر أيلول من العام الماضي، رفعت صورته عالياً، كتب عليها الوفاء للحر، الصياد والتنين، القلم والبندقية طريق الحرية، عنوان رسالته التي نال درجة الماجستير عليها.
وقالت الزبيدي في حديث لـ بالغراف: ” مشاعر لا استطيع وصفها، فأنا سعيدة جداً وفخورة أكثر بانجازات أبي على الصعيدين الوطني والثقافي الأكاديمي، وأتمنى أن تكتمل فرحتنا بخروج والدي من سجون الاحتلال في صفقة قريبة، وأن نشهد هذه الجموع الكبيرة في احتفال تحرره ورفاقه من سجون الاحتلال الإسرائيلي”.
وقالت إن مشاعرها مختلطة جدا وسط الفرح الشديد بتخرج والدها من جامعة بيرزيت بهذه الطريقة العظيمة، وسط تصفيق كبير من كل أسرة الجامعة، وبين أن والدها لا يزال أسيرا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مشيدةً بجامعة بيرزيت إدارة وطلاب لاحتضانها والدها طالباً، ومشاركته تخرجه أسيرا”.
من جانبه قال عبد الرحمن الزبيدي شقيق الأسير زكريا أن العائلة التي حضرت اليوم حفل تخرج زكريا وفرحت به جدا تمني النفس بخروجه قريبا من سجون الاحتلال، ليكمل حياته وسط أسرته، ويكمل حياته التعليمية، وأن يساهم في خدمة مجتمعه الفلسطيني”.
الصياد والتنين
قدم الزبيدي في العام ٢٠١٨ أطروحته لرسالة الماجستير في جامعة بيرزيت تحت عنوان “الصياد والتنين”، وتناولت الرسالة ما يقارب 50 عاماً من ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي للمطلوبين الفلسطينيين، ولم يتسنَّ للزبيدي، إكمالها ومناقشتها بسبب اعتقاله أواخر فبراير/شباط ٢٠١٩.
تضم رسالة الزبيدي أربعة فصول، يوضح، في أولها، الإطار النظري الذي اعتمده للدراسة. ويعنون الثاني بـ “المطاردة وثقافة المواجهة”، مقدمًا فيه نماذج تاريخية عربية وعالمية. أما الثالث فيتحدث عن المطاردة في الثقافة الفلسطينية، بين الفكر والتجربة، مرورًا بالحقبة العثمانية والانتداب البريطاني وحتى الانتفاضة الأولى، وهي فصولٌ غلب عليها الطابع النظري والتاريخي. وأخيرًا الفصل الرابع، وهو موضوعنا، وعنوانه “تجربة الصيّاد والتنين في الساحة الفلسطينية بين المفهوم والواقع”، وهو في حقيقة الأمر سيرة ذاتية لزكريا الزبيدي نفسه في مواجهة الاحتلال الصهيوني، الذي يصفه بالصياد، فيما يطلق على نفسه اسم التنين.
العربي الجديد
ولد زكريا الزبيدي عام 1976 في مخيم جنين، كان من أبرز قادة كتائب شهداء الأقصى ابان انتفاضة الأقصى، تعرض للمطاردة لسنوات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، تعرض للاعتقال عدة مرات منذ أن كان قاصرا، وأصيب عدة مرات.
استشهدت والدته، وشقيقه طه ابان انتفاضة الأقصى.
تعرض لعدة محاولات اغتيال.
متزوج وله ابن وابنه.
عام 2016 انتخب عضوا للمجلس الثوري الفلسطيني.
عام 2019 وتحديدا في شهر شباط/ فبراير اعتقل هو والمحامي طارق برغوث من رام الله على خلفية مقاومة الاحتلال، وما يزال موقوفا حتى اليوم .
في السادس من سبتمبر 2021 تمكن هو وخمسة آخرون من رفاقه الأسرى من تحرير انفسهم من سجن جلبوع، إلى أن تم اعادة اعتقاله من قبل الاحتلال في تاريخ 11 سبتمبر 2021، وحتى اليوم يقبع في العزل الانفرادي في سجن “أيالون الرملة”
وكانت محكمة الاحتلال قد أصدرت حكما بحقه لمدة خمس سنوات على خلفية الهرب وكذلك رفاقه الذين تمكنوا من تحرير أنفسهم.
خلال أيار عام 2022 استشهد شقيقه داود الزبيدي بعد أن أطلق الاحتلال النار عليه، وبعد نقله لمستشفى رمبام الاسرائيلي للعلاج أعلن عن اعتقاله واستشهد فيها، ويواصل الاحتلال احتجاز جثمانه حتى اليوم.
وبدأت جامعة بيرزيت، اليوم الجمعة الأول من تموز 2022، احتفالاتها بتخريج الفوج السابع والأربعين من طلبتها من كليتي الحقوق والإدارة العامة والدراسات العليا، وذلك بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي د. محمود أبو مويس ممثلاً عن رئيس دولة فلسطين محمود عباس، ورئيس مجلس الأمناء د. حنا ناصر، ورئيس الجامعة د. بشارة دوماني وأعضاء مجلس الأمناء والجامعة والهيئة التدريسية وعدد من الشخصيات الفلسطينية، بالإضافة إلى الطلبة الخريجين وأهاليهم.
وفي كلمته، قال د. أبو مويس: “مساء جميل يزهو بكوكبة خريجين جُدد من نشامى وماجدات جامعة بيرزيت، حيث شرفني سيادة الرئيس أبو مازن حفظه الله بتمثيله في هذا الحفل الكريم، ولأنقل لكم تحياته ومباركته للخريجين وذويهم، كما أنقل تحيات ومباركة رئيس الوزراء د. محمد اشتية ومجلس الوزراء”.
وأضاف وزير التعليم العالي: “في كل احتفال ومناسبة يتبارى المتحدثون عن تاريخ وتطور ومنجزات هذه الجامعة العريقة، أما أنا فأقول دعوا بير زيت تتحدث عن نفسها؛ فبعدها الإقليمي والدولي يتحدث عنها، وكذلك تصنيفها وأبحاثها المتميزة المنتجة، وقصص نجاحها، فأيها الخريج أن تعنون شهادتك باسم جامعة بيرزيت فهذا يكفيك فخراً”.
وتابع أبو مويس: “لا يسعني في وسط هذا الصرح العظيم ومن قلب الجامعة إلا أن أقول مبارك لك يا سيادة الرئيس وأنت تقود المسيرة وسط الصعاب والتحديات، فاطمئن فجامعة بيرزيت نجمة مضيئة في سماء فلسطين، بتميزها الأكاديمي والبحثي وفي الريادة والإبداع والابتكار”، مضيفاً “مبارك لك يا دولة رئيس الوزراء، فالجامعة تسير على نهج الحداثة والعصرية والرقمنة التي تتفق ورؤيتك في مواكبة الثورة الصناعية الرابعة وحاجات سوق العمل، ونشيد بالواحة الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر في جامعة بيرزيت، وإن تعددت الآراء فالبوصلة واحدة، أنتِ يا فلسطين الدولة.. يا فلسطين السيادة والحرية وعاصمتك”.
من جهته هنأ د. دوماني الطلبة بتخرجهم وتحديداً وصولهم اليوم لهذه المنصة رغم تحديات التعليم عن بُعد بسبب جائحة كورونا، وانتهاكات الاحتلالِ الممنهجةِ بحقِهم وحقِنا، والأزمات الداخلية التي تمكنّا من تخطيها بروحِ جامعة بيرزيت.
وأضاف: “في العام 1972، أي قبل خمسين عاماً، وقف الدكتور حنا ناصر، رئيس كلية بيرزيت في حينه، على منصة تخريجِ الكليةِ ليعلنَ أن مجلسَ الأمناءِ اتخذ قراراً بتطويرِ كليةِ بيرزيت إلى أربعِ سنواتٍ جامعيةٍ كاملة، ليتخرجَ طلبةُ الكليةِ بشهادة بكالوريوس. إن هذه الرؤيةَ الطموحةَ في سبعينياتِ القرن الماضي والمبنيةَ على الإيمانِ الحقيقي بالعلاقة الوثيقة ما بين البناءِ والتطوير المؤسساتي من جهة والدربِ الشاقِّ نحو التحرر، وتعزيزِ دورِ التعليمِ في بلورةِ هويةِ الشعبِ الفلسطينيِ ومقاومتهِ من جهةٍ أخرى، جاءت لتبنيَ مهمتَنا الأساسيةَ في جامعة بيرزيت، ألا وهي الاستثمارُ التراكُمي بالأجيالِ المتعاقبةِ من شباب فلسطين.
وتحدث د. دوماني عن تميز جامعة بيرزيت قائلاً: “إن ما يميز جامعة بيرزيت هو قدرتُها على إعادةِ إنتاجِ نفسِها وبناءِ المعرفةِ التي تتناسبُ والمتغيراتِ المحيطة، إضافة لتقديمِ المعرفة والعلم ضمن تجربةَ الشاملةَ للطلبةِ في جامعةِ تفتخرُ بأنها حاضنةٌ للفكرِ والعملِ الوطنيِ الديمقراطيِ التعددي، وخلقَ البيئةِ الملائمةِ لهذه التجربةِ مهمةٌ في غايةِ الدقةِ والحساسية، خاصةً في ظلِ الظروفِ المعقدةِ التي تعصفُ بالمجتمعِ الفلسطيني.
وأكد د. دوماني في خطابه على هوية الجامعة المبنية على ثلاث ركائز: التميز الأكاديمي، الالتزام الوطني، والتشبيك مع المجتمع.
وكانت ممارسات الاحتلال وانتهاكاته تجاه التعليم في فلسطين حاضرة في حفل التخرج، حيث استلمت ابنة لطالبة الأسير زكريا الزبيدي، والمغيب في زنازين الاحتلال شهادة تخرج والدها بتخصص ماجستير الدراسات العربية المعاصرة، فيما لم تستطع الطالبة كلارا العوض من غزة استلام شهادتها في تخصص ماجستير الدراسات الدولية، بسبب حرمان الاحتلال وصولها للجامعة للمشاركة في حفل تخرجها.
هذا وقدمت الطالبة في دائرة القانون آية عويضة كلمة طلبة البكالوريوس فيما قدمت طالبة ماجستير اللغة العربية وآدابها عزة اللحلوح كلمة طلبة الدراسات العليا، وأكدتا خلال كلماتهن على التأثير الإيجابي لجامعة بيرزيت على طلبتها وشخصياتهم، وأشادتا بالدور الوطني والتنموي الكبير لجامعة بيرزيت وأساتذتها، حيث تقوم برفد المجتمع بخريجين مؤهلين للعمل في المؤسسات المختلفة لخدمة الوطن.
وتخللت الحفل فقرة فنية قدمها طلبة برنامج الموسيقى. وفي نهايته، تم توزيع الشهادات على الخريجين، وذلك بعد موافقتهم على الالتزام بعهد الخريجين الذي قرأه رئيس الجامعة.
يذكر أنه قد جرى اليوم تخريج 744 طالباً وطالبة، فيما ستواصل الجامعة وعلى مدار الأيام الثلاث القادمة احتفالاتها بتخريج ما مجموعه 3026 من طلبتها من مختلف التخصصات.