ايمان فقها
في منتصف مخيم نور شمس الواقع شرق طولكرم، يقف الحاج أبو محمد الجبالي متأملًا آثار الدمار الذي حلّ بمنزله المكون من ثلاثة طوابق، تلمح بين تجاعيد وجهه حرقة قلبه، تراه يتأمل المنازل المدمرة بشكل كامل تارة، وتارة ينظر لثنايا منزله، فَلم تُبقِ رصاصات الاحتلال الإسرائيلي من ممتلكاته شيئًا دون أن تعيث بها خرابًا.
الجبالي يؤكد بمرارة أنه حاول إصلاح نوافذ المنزل ثلاثة مرات مّا كلفه في كلّ مرة ثلاثة آلاف شيكل، حتى لم يعد منزله مؤهلًا للسكن، ليقوم باستئجار منزل في مدينة طولكرم لعائلته المكونة من تسعة أفراد بتكلفة بلغت ألف شيكل شهريًا، فيما لا يسمح وضعه المادي بِدفع هذا المبلغ بعد التعطل عن العمل، مبينًا أنه يحتاج لعشرة آلاف شيكل كي يصلح منزله وخزانات المياه المتضررة
وَقرب منزل الحاج أبو محمد، أسَست عائلة الشاب براء الدعمة محلًا لبيع المواد الغذائية منذ 30 عامًا وثلاث مخازن، تعرّض المحل التجاري لإطلاق الرصاص الكثيف، وتفجير أبوابه، وإطلاق شظايا الرصاص التي سببت إتلاف المواد داخله، حيث يبين أنه منذ بداية الاقتحامات، وهم يتعرضون للأذى بشكل مستمر سواء داخل محلهم التجاري، أو من خلال التدمير الكامل لكافة المخازن لديهم، أو تدمير سور بيتهم، ما كلفهم خسارة بلغت 130 ألف شيكل.
ويستدرك الدعمة: “يتعمد الاحتلال تفجير الأبواب، وإلحاق ضرر كبير بالمواد الغذائية الموجودة من خلال إطلاق الرصاص صوبها، ما يعيث خرابًا بها وتصبح غير قابلة للبيع فنعمل على إتلافها، ما يكلفنا ضررًا ماديًا كبيرًا”، واصفًا الوضع الاقتصادي داخل المخيم بالصعب جدًا.
وعلى الشارع الرئيسيّ في مخيم نور شمس، يعمل الشاب العشرينيّ أحمد علي داخل مخبز ومعجنات حيفا، والتي لم تسلم من اعتداءات الاحتلال، إذ تضررت الماكينات والآلات وخلّفت خسارة تقدر بعشرة آلاف شيكل حسب قوله، مؤكداً أنه ونظرًا لانخفاض الطلب على المعجنات، تقلص عدد العاملين للنصف، وانخفضت المبيعات لديهم لألف شيكل يومياً بعد أن كانت تقدَر بتسعة آلاف شيكل يوميًا
(80 مليون) دولار خسائر المخيم!
في كلّ زاوية من زوايا المخيم، وحيثما يقع بصرك تجد أكوامًا من الدمار، فقد طال اعتداء الاحتلال بجرافاته وآلياته كلّ ما في طريقه، من “أشجار، ومنازل، ومحال تجارية، ومؤسسات، ومركبات، وشبكات الصرف الصحي، والبنية التحتية”، فيما اتخذ من عشرات المنازل ثكنات عسكرية له وعاث دمارًا داخلها، ولم تسلم من النهب والسرقة.
رئيس لجنة خدمات مخيم نور شمس نهاد الشاويش وصف الوضع الاقتصادي بالمخيم بالصعب جدًا نتيجة “الدمار، والتعطل عن العمل، وفقدان المنازل، وهدم المحال التجارية”، مبينًا أن الاحتلال لم يترك مكانًا في المخيم إلا وَعَمِلَ على تدميره، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار، مخلفًا خسارات باهظة الثمن تصل ل (80) مليون دولار حتى اللحظة مع تردي الوضع الاقتصادي.
وبيّن الشاويش، أنّ تدمير شبكات الصرف الصحي في المخيم، أثّر على الوضع الصحي للمواطنين خاصة كبار السن، إضافة لعرقلة حركتهم وتنقلهم سواء داخل العيادات الصحية أو بين الحارات الأخرى، موجهًا مناشدته للمؤسسات الحقوقية والداعمة للتوجه للمخيم الذي بات منكوبًا للمساعدة قدر الإمكان في إصلاح ما يمكن من منازل ومحال تجارية، أو تقديم المساعدة للمواطنين جراء الخسارة الباهظة لممتلكاتهم، مبينًا أن الحكومة الفلسطينية استأجرت (300) منزل للمواطنين الذين فقدوا منازلهم بشكل كليّ لمدة (3) أشهر.
ووفق تقرير أصدرته لجنة خدمات مخيم نور شمس، فقد دمّر جيش الاحتلال 170 منزلاً بشكلٍ كليّ، و1750 منزلًا بشكل جزئي أي قرابة نصف منازل المخيم، وشملت أضرارها هدم أسوارها، وتدمير محتوياتها ومرافقها، أو إشعال النار داخلها بسبب الشظايا، ما أضحت غير مؤهلة للسكن، بينما يتعمد الاحتلال إلحاق الضرر من خلال تفجير الأبواب حتى لو كانت مفتوحة أمامه.
ووفقًا للتقرير فإن جرافات الاحتلال هدمت مبنى نادي مخيم نور شمس، حتى أصبح آيلًا للسقوط، وخلّف خسارة تقدر بمليون ونصف شيكل، إلى جانب هدم قاعة أفراح في حارة المنشية تحتوي على روضة أطفال، وتقدّر خسارتها بمليون ومئة ألف شيكل، فيما عاثت خرابًا بشكل جزئي في مقتنيات لجنة خدمات المخيم من خلال تدمير أجهزة الحواسيب والمكاتب، ما سبب خسارة تقدّر ما بين (15 ألف- 20 ألف) شيكل.
كما وَعاث الاحتلال دمارًا في (220) محل تجاري، منها ما دمره كليًا كالمحلات الواقعة في الساحة الرئيسية للمخيم، إضافة للمحلات الواقعة على شارع نابلس أمام مخيم نور شمس، وأخرى تضررت بِشكل جزئي من خلال هدم جدرانها، وإتلاف المواد الغذائية الموجودة من خلال إطلاق الرصاص الكثيف داخلها، إلى جانب إزالة يافطاتها الإعلانية.
وَلم تسلم المركبات في المخيم من الدمار، إذ سجلت اللجنة تضرّر (200) سيارة منها ما دمره الاحتلال كليًا من خلال مداهمتها بالجرافات، أو جزئيًا من خلال تكسير أبوابها، ونوافذها، ومحركاتها، فيما تتراوح كلفة إصلاحها ما بين (3 آلاف – 11 ألف) شيكل.
كما وتضررت البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي في المخيم بشكل كبير، إذ سجلت دمارًا في الطرقات بلغ (3 مليون) شيكل، أما خسائر شبكات الصرف الصحي فبلغت (2 مليون) شيكل، إذ يتعمد الاحتلال في كلّ اقتحام تدمير الطرقات ليمنع المواطنين من التنقل بين حارات المخيم، إضافة لتسجيل اللجنة عمليات سرقة الاحتلال وَنَهبِه لمقتنيات المواطنين من داخل منازلهم ومحالهم التجارية، مثل أجهزة الحواسيب، والمصاغ الذهبية، والنقود، والمعدات.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” بين أنه في الاقتحام الأخير للمخيم في التاسع من تموز المنصرم، تسببت جرافات الاحتلال بأضرار فادحة بالبنية التحتية الأساسية داخل المخيم وحوله، حيث دُمِرَ 1,600 متر تقريبًا من شبكات الصرف الصحي والمياه، إضافة لانقطاع إمدادات المياه والكهرباء والخدمات الأساسية.
وَخَلُص تقييم قادته الأمم المتحدة في العاشر من تموز الماضي إلى أن أضرارًا جسيمةً أصابت 24 مبنًا من المباني السكنية وباتت غير صالحة للسكن، ما أدى إلى تهجير ما لا يقل عن (36) أسرة تضم (149) فردًا، إضافة لإصابة العشرات من المباني التي يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم، والمحلات التجارية بأضرار متوسطة إلى فادحة.
ووفق “أوتشا”، فإن الاحتلال هدم في الفترة ما بين السابع من أكتوبر والخامس عشر من تموز 1,179 مبنى من المباني الفلسطينية أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها في شتّى أرجاء الضفة الغربية، 40% منها مأهولة، ما أدى لتهجير 2,756 شخصًا من بينهم 1,113 طفلًا، وقد هُجّر نصفهم من منازلهم التي دُمِرت أثناء الاقتحامات، وخاصة في مدينتي جنين وطولكرم والمخيمات المحيطة بهما.
(30%) من المنشآت أغلقت!
رئيس غرفة تجارة وصناعة طولكرم منير الدحلة، بين أن الاقتحام الأخير لمخيم نور شمس، سبب دمارًا كليًا وجزئيًا ل 170 محل تجاري، بتكلفة بلغت مليوني دولار، حيث يعيل كل محل منها ما بين (4-5) عائلات، ومن هذه المحال ما تمّ إعادة تدميره مرة أخرى بعد إصلاحه.
وشدد الدحلة على أن الوضع الاقتصادي سيء جدًا، فلم تشهد محافظة طولكرم هذا الدمار منذ سنوات طوال، فالجرافات العسكرية عاثت خرابًا بالشارع الرئيسي لمخيم نور شمس، وصل لعمق 1.5م تحت الأرض، حيث يعتبر شريان طولكرم الرئيسي، ما أدى لعزوف المتسوقين عن الدخول لطولكرم.
وأفاد بأن نسبة مبيعات التجار في طولكرم انخفضت ل (20-30%)، وهي نسبة لا تتعدى توفير المواد الأساسية للمحال التجارية وتكلفة التشغيل، ما أدى لإغلاق (30%) من المنشآت في طولكرم بشكل كامل، مناشدًا الجهات المسؤولة للوقوف عند مسؤولياتها ووضع خطط اقتصادية لتعزيز صمود المواطنين والتجار، وتقديم المساعدات للمتضررين.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد سكان مخيم نور شمس حتى منتصف العام 2023 نحو 7083 لاجئًا، تعود أصولهم إلى القرى الواقعة في محيط مدينة حيفا.