loading

الضفة تغلي ومفردات المشهد السوري تطفو على السطح!!

هيئة التحرير

“داعش، جماعات مسلحة، إرهاب، سلطة دايتون، خونة، تنسيق امني مع الاحتلال”، مفرادات تتراشق وسط تبادل زخات الرصاص، في شمال الضفة الغربية، قد تشعل حريق يشبه الحرب السورية التي كان في بدايتها يتبادل طرفيها ذات الاتهامات، كمقدمة لاقتتال قد يكون سقوط النظام فيها شرارة لحريق أكبر، وليس خاتمة لـ13 عاما من حمام الدم.

وبين سلطة فلسطينية تلوذ بوحدة الشرعية في السلاح والتمثيل الوطني وانفاذ القوانين، وشبان يتمسكون بحقهم الوطني في مقاومة الاحتلال وفق الشرعية الوطنية، وبالدفاع عن النفس ومقاومة الاحتلال وفق القوانين الدولية، فان المشهد يصعب اختصاره باشتباكات مسلّحة في الرابع من الشهر الجاري، على خلفية اعتقال الأجهزة الأمنية لنشطاء من  كتيبة مخيم جنين، ومصادرة أموال كانت مخصصة لدعم المخيم بحسب الكتيبة، لترد الاخيرة بالاستيلاء على مركبتين حكوميتين، تبعها اعتقالات أخرى واقتحامات للمخيم، وصولًا إلى ارتقاء ارتقاء 3 شهداء (طفل، وعامل، ومقاوم) وإصابة آخرين.

المشهد ازداد خطورة عندما استهدف أفراد الأجهزة برصاصتين في الصدر من مسافة الصفر ربحي محمد الشلبي (19 عامًا)، وإصابة ابن عمه وهما يركبان دراجتهما ويتجهان إلى عملهما، بتاريخ 9/12/2024، لتسارع السلطة الى اتهام ما سمتها “مجموعة خارجة عن القانون” بقتل الشلبي، وأن تلك المجموعة تجاوزت ذلك الى استخدام عبوات ناسفة، وزرع ألغام في الشوارع وقرب المدارس والمستشفيات.

ازداد الغضب والاحتقان بعد ذلك، عندما نشر مقطع فيديو يظهر قتل الشاب وهو اعزل، لتصدر السلطة عقبها بيان آخر جاء فيه:  “ان السلطة الفلسطينية تتحمل المسؤولية الكاملة عن استشهاد الشلبي وأنها ملتزمة بالقانون”، وبدلًا من أن تكون تلك الحادثة وقفة للتعقل بين الطرفين، ازدادت نار الفتنة إضرامًا حتى اكتوى بنارها اليوم 14/12/2024، الطفل محمد عماد العامر (13 عاما) وهو ابن للواء في جهاز الأمن الوقائي، قال في تصريح له: “صرخت على عساكر السلطة بأنهم بجوار بيت لواء خلال دخولهم إلى مخيم جنين، ولكن قناص من أجهزة السلطة أطلق النار على طفلي محمد وقتله أمام باب البيت”.

فيما أعلن يوم أمس أيضا عن استشهاد يزيد جعايصة أحد قادة “كتيبة جنين” وهو مطلوب للاحتلال منذ سنوات، خلال اشتباكات بين مقاومين وقوات السلطة الفلسطينية خلال محاولتها التقدم نحو المخيم جنين من ثلاثة محاور ما أوقع أربع إصابات من الأطفال والنساء، بينها حالات خطيرة، واصابة 6 عساكر.

السلطة عازمة على المضي وتصف خصومها بـ”الداعشيين”

السلطة أصدرت بيانات وتصريحات عدة منذ 10 أيام، أبرزها كان للناطق الرسمي لقوى الأمن العميد أنور رجب، قال فيه للوكالة الرسمية: “إن الأجهزة الأمنية في جنين حققت نجاحات كبيرة، لحفظ النظام ضد الخارجين على القانون، وبإعطاب عشرات عبوات مفخخة التي كان يزرعها خارجون على القانون في شوارع مدينة جنين، إضافة لنجاحهم في اعتقال عدد آخر، والسيطرة على مركبة مفخخة حاول بعض المسلحين الخارجين على القانون إخراجها من المخيم باتجاه المدينة لتفجيرها، في محاولة منهم لإيقاع إصابات في صفوف أفراد الأجهزة الأمنية”.

وتابع رجب: “إن هذه المجموعات لا تمثل الوطن، وهي تعمل بشكل غير وطني وخارج أخلاقنا ونضالنا التاريخي والوطني، وتقف خلفها قوى تهدف لزعزعة الاستقرار الفلسطيني والسلم الأهلي، وفئات تستثمر فيها لضرب سيادة القانون والامن ككل، ويدركون طبيعة من يشغلهم، ومن هم وكيف يشغلونهم في هذا الاتجاه، للأسف نواجه فئة باعت نفسها لصالح امتيازات دنيوية رخيصة، يقومون بأفعال داعشية، لا تمثل الشعب الفلسطيني.”

وأضاف: “ان قوى الأمن لديها قرار واضح لا هوادة فيه ولا مهادنة، لاجتثاث هذه الفئات الخارجة على القانون، وأفعالها الإجرامية، والتنغيص على المواطنين، خاصة في المخيم الذي اختطف بالترهيب والسلاح، وسنستمر كمؤسسة بفرض الأمن والحفاظ على حياة وحقوق المواطنين”.

فيما قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى: “مخيم جنين وباقي المخيمات رمز عزتنا يجب أن نحافظ عليه، ويؤسفنا أن ما وصلت اليه الأمور وأن نستخدم الأمن لبسط النظام لكن هناك من يريد أن يُخرِّب ولا نقبل أن نرى تدمير بلادنا بعيوننا ونصمت.. كفى مراضاة وواسطات”.

ولا يعرف إن كانت كلمة مصطفى ردًا على المبادرة المجتمعية الوطنية التي أعلنت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم الفلسطيني”، مساء السبت، عن بدئها بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني، “لوقف ما سمتها الأحداث المؤسفة التي تشكل خطراً حقيقياً على السلم الأهلي، وبضرورة تغليب لغة الحوار كوسيلة لحل الخلافات، واحتواء الأوضاع الراهنة عبر وقف كافة مظاهر التصعيد بشكل فوري، وضمان استقرار المجتمع الفلسطيني.

“الكتيبة” ترد

وفي تصريحات له، أكد قائد كتيبة جنين نور البيطاوي، أن السلطة الفلسطينية تبذل جهوداً مستمرة لإنهاء حالة المقاومة في مدينة ومخيم جنين وأن الكتيبة تلقت العديد من المبادرات بهدف احتواء التوترات، إلا أن الجهود قوبلت بالرفض بسبب إصرار السلطة على نزع سلاح المقاومة وإنهائها، بحسب قوله.

ونوه البيطاوي إلى أن السلطة ردت على كل المبادرات لاحتواء الأزمة بأن الهدف ليس استعادة مركبات حكومية، بل إن الهدف هو إنهاء المقاومة وشيطنتها وتشويه صورتها، مضيفًا: “نحن شعب يناضل للحرية، ومستعدون للتضحية بأرواحنا وعلى الجميع أن يقارن بين من يقاوم الاحتلال وبين أولئك الذين يوجهون أسلحتهم ضد أبناء الشعب الفلسطيني”. 

وفيما يتعلق بالاتهامات المتكررة ضد كتيبة جنين بتلقي دعم مالي من إيران، قال البيطاوي: “إن كانوا يدّعون أن أموالنا إيرانية، فماذا عن أموالهم التي تأتي من الولايات المتحدة؟ دعمنا للمقاومة ليس مرهوناً بأموال أو مصالح، بل هو واجب وطني وديني تجاه شعبنا”، مؤكداً أن المقاومة ستستمر، سواء بوجود السلطة أو غيابها.

وكانت لجنة أهالي المعتقلين في سجون السلطة جددت استنكارها لحملة الاعتقالات التي تشنها السلطة المتصاعدة بشكل لافت مؤخرًا، حيث تعتقل السلطة -وفق بيانات حقوقية- أكثر من 150 مواطنًا فلسطينيًا، بينهم مقاومون ومطاردون من قِبل الاحتلال وطلبة جامعات وأسرى محررون ودعاة وكتاب وصحفيون، وترفض الأجهزة الإفراج عنهم، رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنهم أكثر من مرة.

حملة “حماية وطن” قد تمتد إلى محافظات أخرى ومقاومها يتوعدون

أغلق شبان محتجون، مساء السبت، عددًا من الشوارع في مدن وبلدات شمال الضفة الغربية احتجاجًا على العملية العسكرية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مدينة ومخيم جنين، فيما أعلنت كتيبتا طولكرم، وطمون في طوباس أنهما على استعداد للدخول على خط المواجهة إذا ما استمرت الحملة ضد جنين ومخيمها، ما يذكر باندلاع اشتباكات مع السلطة خلال الشهور الماضية في مناطق أخرى منها طولكرم ونابلس والخليل ما أثار مخاوف حول إمكانية تمدد الفوضى.

وقتلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر 2023، ما لا يقل عن 12 مواطنًا بينهم أطفال، حيث قُتل في ليلة واحدة خلال قمع المسيرات المحتجة على قصف الاحتلال للمستشفى المعمداني في غزة 3 مواطنين وهم: الطفلة رزان تركمان، ومحمود أبو لبن، ومحمد صوافطة، عندها اندلعت اشتباكات بين الأجهزة الأمنية ومواطنين طالت معظم محافظات الضفة من الشمال إلى الجنوب.

وكانت أجهزة السلطة قد أطلقت حملة تحمل اسم “حماية وطن”، بدأت بموجبها محاولة لاقتحام مخيم جنين، حيث علق الناطق باسم أمن السلطة أنور رجب، حول إمكانية توسيع الحملة في محافظات اخرى: “لدينا علم مسبق عن نية الجهات الداعمة لمجموعات الخارجين على القانون لتوسيع الحالة في مخيمات نور شمس وطولكرم وغيرها، لكن نحن ماضون في عملنا وما وجدناه من الدعم الشعبي غير المسبوق لأفراد المؤسسة الأمنية، من التفاف المواطنين حولنا لملاحقة هؤلاء الأشخاص، ومنع امتداد الحالة لنور شمس وطولكرم، كل ذلك سيسهل عملنا وسيؤدي لنجاحه قريبًا للسيطرة على هذه الحالة، وفرض الأمن والسيطرة والسيادة القانونية للمؤسسة الأمنية”.

وتخشى السلطة من تكرار سناريو غزة، إما بانقلاب عليها كما حدث في عام 2007 واستيلاء حركة حماس على الحكم هناك، أو من دخول الضفة في مواجهة واسعة مع الاحتلال كحال معركة “طوفان الأقصى”، وهو ما سيقضي على وجودها في كلتا الحالتين، وتصر السلطة على حسم المعركة لصالحها استجابة لمطالب دولية بإجراء إصلاحات وتغييرات تمكن السلطة من تسلم قطاع غزة، وأجرى عباس خلال الشهور الماضية تغييراً حكومياً، وعيَّن محافظين جدد، وأجرى تنقلات لقادة الأجهزة الأمنية، وفي السفارات الفلسطينية، وأصدر مرسوماً يحدد فيه مَن يتسلم منصبه في حال شغوره.

الأردن يحذر

تُراقب السلطات الأردنية على نطاق مكثف التطورات التي تجري عبر مواجهات في بعض محافظات الضفة، ويعتبر الاردن أن آخر ما تحتاجه الضفة اقتتال داخلي يعكر السلم الأهلي، ويُضعف السلطة ويضرب حاضنتها الشعبية، وهو ما قرع أجراس الإنذار في العاصمة عمان، بحسب ما أوردته صحيفة الرأي اليوم.

وحصلت إتصالات جانبية مع مسؤولين بارزين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية بحثًا عن المساعدة وتقديم الإستشارة والنصيحة، وإن الأردن وجه نصائح مباشرة أول أمس للرئيس عباس بمراقبة الوضع المنزلق والخطير في الضفة الغربية والدعوة لحوارات وإتصالات مع الأهالي والحواضن الشعبية، وتجنب أي توترات أمنية بين أجهزة السلطة وبين الأهالي.

وحتى في التقدير الأردني وصلت مخاطر الفوضى أو الإنفلات الأمني أو ما تسميه القيادة الأردنية بإنفلات الوضع القانوني في الضفة الغربية إلى مستويات تُنذر بعواقب ليست بسيطة، حيث تؤمن القيادات الأردنية، بحسب الصحيفة دائمًا، أن اليمين الإسرائيلي ساهم في تغذية تلك الإحتقانات الشعبية وأن قرارات حكومة إسرائيل الاقتصادية والبنكية والمعيشية والأمنية والعسكرية، تسعى إلى تفخيخ وتفجير الأجواء في الضفة الغربية لتبرير الإقتحام والدخول والتوسع في مصادرة الأراضي “الضم” بمعناه الأمني والعسكري.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع في الضفة الغربية خطير للغاية، وإن وزارة الخارجية الاردنية بدأت بإجراء إتصالات مع عدة دول عربية على أمل الاحتواء وتقديم المساعدة.

إسرائيل تحرض وتترصد

وحذرت جهات “أمنية” للاحتلال من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا ضمن وضع تعرّفه الأجهزة بأنه “تدحرج حجارة الدومينو”، حيث نقلت إذاعة جيش الاحتلال تفيد بأن تدهوراً محتملاً في الضفة قد يقود كذلك إلى انهيار السلطة، وأن “الشاباك” يراقب عن كثب الوضع، خصوصاً الاشتباكات الواسعة في شمال الضفة، وأنه يوجد تخوف من توسع وامتداد هذه المواجهات إلى مناطق أخرى في الضفة.

ونقل موقع صدى البلد المقرب من الأمن الفلسطيني، مساء الخميس، كشف القناة 12 العبرية، عن رسائل وجهها كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، لنُظرائهم في السلطة الفلسطينية بعد الأحداث الأخيرة في جنين، هددوا بأن إسرائيل ستتدخل بنفسها في حال لم تتحرك السلطة هناك، وأنها تُقدر بشكل كبير نشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلا أنها لا تراه كافيًا، وتخشى من أن تخرج الأمور عن السيطرة ولذلك هي تحاول الحفاظ على توازن ما بين التوقيت والتحديات.

حيث نقلت القناة عن مصدر أمني فلسطيني قوله: عباس قال لقادة الأجهزة الأمنية “لن تُغادروا جنين حتى تنهوا مهمتكم كاملة”.

وقال الباحث والأكاديمي في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي إبراهيم ربايعة، إنه من غير المعروف إلى أين ستؤول هذه الحملة، والتي ربما تحمل نتائج صعبة على الحالة الفلسطينية الهشة، ومع السياقات الإقليمية والدولية الملتهبة

وأضاف: “إن كانت قيادة السلطة ترى أن هناك فوضى أو إشكالات في شمال الضفة وتحديدًا مخيم جنين، فإن الحل الأمثل هو بالتسويات الاجتماعية والحلول المجتمعية، لأن الظروف الحالية تحتاج وبشدة إلى رص الصف الوطني”.

وأكد ربايعة أن إسرائيل أصلًا ستنفذ من هذه الخلافات لإذكاء الصراعات والانقسامات، وأن سيطرة السلطة بشكل مطلق هو أمر لن تسمح به إسرائيل أصلًا، لأنها تهدف إلى تقويض الكيانية السياسية للسلطة الفلسطينية، كتمثيل لاستحقاق فلسطيني بالاستقلال والدولة، وأن هذا المنطلق يجب أن يكون أساسه تعزيز السلم الأهلي وتفويت الفرصة على أية خلافات تُفاقم من الوضع الصعب أصلًا.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة