تقرير صحيفة هآرتس الذي يكشف عن تفاصيل صغيرة من حجم جريمة كبيرة وحرب إبادة جماعية في قطاع غزة ضد الشعب الفلسطيني جاء ليعزز فقط الرواية التي تروي تفاصل حرب الإبادة الجماعية التي أسفرت حتى اليوم عن استشهاد أكثر من (45) ألف شهيد، وعشرات آلاف المفقودين، وتدمير كل مكونات الحياة في قطاع غزة.
نقاط التقاطع بين روايات ضباط وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي والتي اعتمدت عليها هآرتس في تقريرها، أن كل جندي وضابط في قطاع شكل جيش بذاته يعمل ما يشاء من عمليات قتل وتشريد وتخريب دون أية إطار عملياتي أو أوامر عسكرية، وكل فلسطيني في قطاع غزة هو “مخرب” مصيره يجب أن يكون الموت شيخاً كان أم طفلاً أم امرأة، وضباط وقادة الفرق والألوية والكتائب في الجيش الإسرائيلي كانوا يتنافسوا بينهم في قتل الفلسطينيين، ويتركون جثامينهم لتنهشها الكلاب.
وجاء في تقرير هآرتس العبرية: هذا الخط غير مرسوم على أية خريطة، وغير مسجل في أوامر رسمية، وإن تم سؤال ضابط من الجيش الإسرائيلي سيردون إنه غير موجود، قائد الفرقة 252 في الجيش الإسرائيلي قال لهآرتس:” في قلب قطاع غزة وللشمال من ممر نتساريم، هناك شيء يعرف بين القوات الإسرائيلية ب “خط الجثث”، بعد إطلاق النار الجثث لا تجمع فوراً، ثم تأتي الكلاب وتأكلها، في غزة باتوا يدركون أن عليهم الهروب من كل مكان يوجد فيه مجموعة كلاب”.
ممر نتساريم عرضه 7 كم، يبدأ من كيبوتس بائيري وينتهي بخط البحر الذي احتلته القوات الإسرائيلية، المنطقة خالية من السكان، والمباني دمرت لصالح توسعة الممر ولإقامة مباني عسكرية، دخول الفلسطينيين إلى المنطقة ممنوع، ضابط كبير في الفرقة الإسرائيلية 252 يقول:” هذا غسيل كلمات من الجيش الإسرائيلي، عملياً قائد الفرقة حدد المنطقة كمنطقة قتل، من يدخل إليه تطلق عليه النار”.
ضابط من الفرقة 252 أنهى خدمته العسكرية مؤخراً في غزة تحدث عن “حط الجثث”: “بالنسبة لقوات الفرقة منطقة القتل هي مدى فوهة بندقية القناص”، وهنا لا يدور الحديث فقط عن المكان الذي تتم فيه عملية القتل، بل هوية من يقتلون، “نحن نقتل هناك مواطنين مصنفين كمخربين، وإعلان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي عن القتلى من الفلسطينيين لكل فرقة ولواء وكتيبة حول القتل لمنافسة بين القوات، إن كان اللواء 99 قتل 150 شخصاً، الذي يليه يقتل 200”.
وتابعت هآرتس: المشاعر بعد القتل التعسفي، والسهولة التي يتحول فيها الشخص لمخرب بعد قتله، طرحت في لقاءات هآرتس مع جنود وضباط خدموا في قطاع غزة، ضابط رفيع خرج مؤخراً من الخدمة في إحدى معسكرات ممر نتساريم قال: “القول بأننا الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، هذا يعني إبعاد المسؤولية عن الجنود الذين يعرفون بالضبط ماذا نفعل هناك”.
وتابع الضابط الإسرائيلي حديثه:” هذا ليس من أجل إرضاء أو الاستماع لجنودنا، بل من أجل تجاهل أننا موجودين في منطقة ومنذ أكثر من عام لا يوجد فيها قوانين، وحياة البشر لا تساوي شيء، بالتالي نحن الضباط والجنود نشارك في هذه الأعمال المروعة التي تجري في قطاع غزة”.
ذات الضابط العسكري الإسرائيلي الذي ارتدى الزي العسكري في السابع من أكتوبر وذهب لحرب “اعتبرها عادلة” حسب تعبيره علق على ما يجري في الحرب على قطاع غزة:” مهم أن تكون الصورة التي يحصل عليها المواطن كاملة، حان الوقت ليرى الإسرائيليين كيف ترى الحرب، وما هي الأعمال الخطرة التي يقوم بها الضباط والجنود الإسرائيليين داخل قطاع غزة، وأية مظاهر وصور غير إنسانية نشاهد هناك”.
جنود وضباط من الخدمة النظامية قالوا هم أيضاً لهآرتس بعد شهادات قوات الاحتياط: قوة غير محدودة أعطيت للضباط في الجيش الإسرائيلي، عندما كون قوة الجيش الإسرائيلي منتشرة على عدة ساحات، ومنها خارج الحدود، حصل قادة الفرق على صلاحيات غير مسبوقة قياساً بالماضي، على سبيل المثال، في السابق كان القصف من الجو أو تدمير مباني عديدة الطوابق بحاجة لموافقة رئيس الأركان، اليوم بيد ضباط في الميدان، قائد الفرقة لديه صلاحيات غير محددة من القوة في مناطق القتال.
ضابط آخر رفيع في الوحدة 252 في الجيش الإسرائيلي:” ضابط إسرائيلي اليوم يمكنه تفعيل هجوم بسرب من الطائرات المسيرة، وقائد فرقة يمكنه البت في احتلال مدينة”، ضباط وجنود آخرين قالوا في ذات السياق: قوات الجيش الإسرائيلي تتعامل في قطاع غزة كمليشيا مسلحة بدون قوانين، على الأقل تلك المكتوبة في أوامر الجيش الإسرائيلي.
الحالة الفوضوية وضعت قادة وضباط الفرقة فرقة 252 أمام معضلات أخلاقية قاسية، جندي قديم في الفرقة قال عن التعليمات التي تلقاها: “التعليمات كانت المحافظة على المنطقة نظيفة، كل شخص يعبر الجسر ويصل للممر كان نصيبه رصاصة في الرأس، جنود كانوا في وردية حراسة، شاهدوا شخص يأتي من الجنوب، قفزنا وكأن الأمر يتعلق باقتحام لعشرات المخربين، صعدنا لنقطة المراقبة، واثخناه بالرصاص، أتحدث عن عشرات الطلقات، ربما أكثر، وأطلقنا النار على الجثة بدون مبرر، كان من حولي أناس، أطلقوا النار بدون مبرر وضحكوا”.
وتابع حديثه: الحدث لم ينتهي بعد، “ذهبنا للجثة الغارقة بالدماء والتقطنا لها الصور وأخذنا الهاتف، كان فتى يبلغ من العمر 16 عاماً”، وحسب أقوال الجندي، وصل للمكان ضابط استخبارات، جمع معلومات، بعد ساعات أبلغ الجنود أن من قتلوه ليس ناشط في حماس، وهو شخص عادي، في المساء جاء الضابط المسؤول، أثني على الجنود وقال كل الاحترام لقتلكم مخرب، وإنه يصلي من أجل أن نقتل 10 يوم غدٍ قال الجندي، وتابع الجندي مرة أخرى:” عندما لفت النظر أحدنا، وقال إنه لم يكن مسلح، وإنه مجرد مواطن عادي، كلهم صرخوا عليه، والضابط المسؤول قال، كل من يتجاوز الخط هو إرهابي، لا يوجد تسهيلات، ولا يوجد مدنين، كلهم مخربين، هذا استفزني، لهذا تركت البيت، وذهب للمبيت في بيت مع الفئران”.
روايات عديدة من جنود إسرائيليين، اعتبار كل المدنيين في قطاع غزة كمخربين مسألة تتكرر مرة تلو الأخرى، ضابط صاحب منصب مهم في الوحدة 252 تذكر يوم أعلن فيه الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أن جنود الفرقة قتلوا أكثر من 200 مخرب، “كل الأحداث التي كان فيها قتلى، وكان من الممكن الوصول إليها، الإجراء كان تصوير الجثة والتفاصيل الموجودة عليها، والتفاصيل ترسل للاستخبارات للتأكد من أن القتيل مخرب، أو للتأكيد أن الشخص قتل على يد الجيش الإسرائيلي، من أصل 200 قتيل أخذوا للفحص، 10 فقط تبين أنهم نشطاء حماس، ولم يزعج أحد الإعلان عن مقتل مئات المخربين”.
وتابعت هآرتس نقل روايات الجنود من الوحدة 252: الضحايا يتغيرون، ولكن من الروايات التي وصلت هآرتس هناك خيط يربط يشير لتشابه كبير، الرواية التالية على سبيل المثال، وبكلمات جندي آخر خدم في غزة: “أعلنوا عن وجود مخربين، صعدت إلى التلة، دبابة خرجت نحوهم، كانوا أربعة أشخاص غير مسلحين وساروا على الأقدام، لم يبدو كمخربين، رصدناهم عبر المسيرة، الدبابة تقدمت نحوهم وبدأت تطلق النار، وأطلقنا عليهم نيران الرشاشات، مئات الطلقات، ثلاثة قتلوا والرابع جرح