بشار عودة
في شوارع البلدة القديمة في مدينة قطاع غزة، شكّل “مطعم أبو زهير” أكثر من مجرد مكان لتناول الطعام، فكان نافذة تطل منها فلسطين على العالم، يجتمع فيه الناس من كل مكان، ليُصبح رمزًا للهوية والتراث الفلسطيني.
لكن وفي لحظة قاسية، قلبت الحرب الاسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 كل شيء رأسًا على عقب. فتحول ذلك المطعم الشهير إلى أنقاض بفعل القصف، وفقد أبو زهير بيته ومطعمه، بل والأغلى على قلبه، ابنه الذي استشهد في غارة إسرائيلية.
كان المشهد مأساويًا، كأن العالم كله شهد اغتيالًا لتراث عريق، وليس مجرد قصف لمطعم. لكن وحتى تحت وطأة هذا الألم، لم ينكسر أبو زهير. فبروح فلسطينية لا تعرف الاستسلام، قرر أن ينهض، ويبني من الدمار نافذة جديدة للأمل، وببساطة على الرصيف، حوّل خسارته إلى قصة تحدٍّ، تجمع حولها أصدقاءه ومجتمعه، لتصبح علامة على أن الصمود الفلسطيني لا يُقهر.
ويقول أبو زهير في حديث لـ”بالغراف”، إنه نهض من تحت الركام وقرر أن يجمع ما تبقى من مطعمه المحطَّم، وصنع من بقاياه بسطة صغيرة على رصيف شارع عمر المختار في مدينة غزة، مشيرًا إلى أنه في البداية كان تحديًا كبيرًا لنفسه ولمحيطه، متسائلًا: “كيف أعود بعد أن كنت معلمًا سياحيًا إلى صاحب بسطة؟”.
أبو زهير وجد القوة في دعم الأصدقاء والمحبين الذين التفوا حوله، مؤمنين برسالته. ولم يكن الدعم عاطفيًا فقط، بل جاء أيضًا من رجل الأعمال الفلسطيني بشار المصري، الذي اتصل به ليواسيه ويؤكد دعمه الكامل له ولأبناء شعبه لتخفيف المعاناة التي تقع عليهم في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر.
هذا الدعم منح أبو زهير الأمل لمواصلة رسالته، حتى مع شُحّ المواد الغذائية بسبب الحصار، ومع اشتداد الحرب والنزوح الإجباري جنوبًا، قرر أن يواصل تقديم يد العون لشعبه، فانضم إلى فريق من الطهاة المتطوعين في “مطابخ غزة العزة” في دير البلح، ضمن مبادرة شركة الاتصالات الفلسطينية “جوال”، لتقديم وجبات مجانية مما توفّر من مواد غذائية، وتوزيعها على النازحين في مخيمات النزوح.
تحولت محنة أبو زهير إلى رسالة أمل وصمود. من “أبو زهير عايش الألم”، أصبح “أبو زهير عايش الأمل”، فحين كان يقدم وجبات الطعام للنازحين، شعر بأنه يعيد بناء تراثه الإنساني، متجاوزًا كل العقبات من أجل شعبه ووطنه.
ووجه أبو زهير شكره لرجل الأعمال الفلسطيني بشار المصري على دعمه له منذ بداية الحرب، في المبادرات التي تحترم كرامة الإنسان، داعيا كافة رجال الأعمال والمؤسسات الدولية لإقامة مثل تلك المبادرات وتوفير وجبات بأعلى معايير الجودة، والتي تسعى للانتشار والتوسيع في جميع مناطق قطاع غزة.
مدير مطابخ ” غزة العزة” محمد موسى بين أنه في غزة تعمل أربعة مطابخ، يعمل إثنان منهم في الشمال واثنان في منطقة الوسطى والجنوب، مؤكدًا أنهم يقدمون ما بين ال40 ألف إلى 50 ألف وجبة يوميًا، مؤكدًا أن رؤية رجل الأعمال بشار المصري تكمن في التوسع.
ولفت إلى أنهم يعتمدون في عملهم على المنتجات المحلية، التي تعتبر بذات الوقت أبرز التحديات التي تواجههم سواء بنقصها أو بارتفاع أسعارها بشكل كبير، مشددًا على أنهم ورغم كل التحديات لم يتوقفوا عن خدمة المواطنين كما وعملوا على إيجاد بدائل لمواد الاشتعال أو أدوات الطبخ أو التغليف وذلك من خلال مساعدة مؤسسة روابي المسؤولة عن إدارة المطابخ، وذلك من خلال عقد العديد من الاتفاقيات مع عدة مؤسسات لدعم المطابخ بهدف زيادة عدد الوجبات.
وأضاف موسى أن هدفهم يكمن في المحافظة على كرامة وعزة الناس، وذلك من خلال دعم النازحين في المنازل بشكل أساسي فقبل الحرب كانت الأسرة الواحدة المكونة من 5 أفراد يعيشون في منزل تصل مساحته ل100 متر، ولكن اليوم بات يعيش في مثل هذا المنزل ما بين ال 40 إلى 50 فرد، دون أي مصدر دخل لهم، مشيرًا إلى أنهم استطاعوا الوصول إليهم وتقديم المساعدة لهم محافظين على كرامتهم ومن الوقوف في طوابير طويلة بلا نهاية.