ترجمة محمد أبو علان/ خاص بالغراف
تقرير مطول لصحيفة هآرتس العبرية عما تعرض له الصحفيين من عمليات قتل مع سبق الإصرار والترصد في قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب، الجيش كعادته يبحث عن مبررات لتبرير جرائمه، ولكن شهادات الصحفيين، وتقارير المؤسسات الدولية منها لجنة حماية الصحفيين تؤكد أن عمليات القتل كانت بشكل مقصود، الصحفيون من غزة كانوا قناة المعلومات الوحيدة عن جرائم الاحتلال في غزة بعد منع الاحتلال الصحافة الدولية الدخول للقطاع، ومما جاء في تقرير هآرتس:
في ال 15 شهر الماضية قتل في قطاع غزة (160) صحفياً، مؤشر على أن الحرب على غزة أكثر حرب قاتلة للصحفيين منذ عشرات السنين، حسب الادعاء الإسرائيلي، الصحفيون قتلوا بسبب تواجدهم في المكان الخطأ، أو الشك بأنهم مسلحين، ولكن في المنظمات الدولية تعززت الشكوك بأن الجيش الإسرائيلي قتلهم عن قصد.
قبل أسبوعين نشر شريط فيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي يحمل فيه جموع من الناس حمّالة عليها رجل مسن، الشريط أظهر ما كان في المكان بعد قصف نفذه الجيش الإسرائيلي في منطقة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة الذي فر منه الناس الذين ظهروا في الصورة، الكاميرة اهتزت ثم عادت واستقرت، بعدها ظهر في المشهد الصحفي سعيد أبو نبهان، يعمل في وكالة الأنباء التركية “الأناضول”، وهو يسقط على الأرض، أحد الفارين من المكان اقترب منه ليرفعه، لكنه تراجع وفر مرّة أخرى من المكان، الصحفي نبهان مات متأثراً بجراحه في ذات اليوم، خلال تشيعيه ظهر على جثمانه بإشارة صحفيي غزة، سترة واقية لون أزرق مع كلمة PRESS، وشخص يرفع طفله ليقبله قبلة الوداع.
بعد ثلاثة أيام ، 13 يناير، صاروخ إسرائيلي أصاب مجموعة من الأشخاص في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، من بين المصابين الصحفي محمد رشيد التلمس، يعمل في وكالة الأنباء الفلسطينية “صفا”، وكما كان الأمر مع الصحفي نبهان، التلمس مات بعد ساعات من إصابته بجراح، قبلها بيوم أصيب الصحفي المستقل بشير أبو الشعر في هجوم للجيش الإسرائيلي بحي الدرج وسط غزة، وفي ذات الليلة قصف الجيش منزل مراسل قناة الميادين أيمن العمريتي، العمريتي وزوجته تمكنوا من الخروج من تحت الأنقاض دون إصابات، ولكن أطفالهم الثلاثة أصيبوا، في الحالات الثلاث التي ذكرت عن قصف الصحفيين رفض الجيش الإسرائيلي الإجابة عن هدف القصف في تلك اللحظات.
في ظل هذا الواقع، العمل الصحفي في قطاع غزة تحول لأكثر المهن خطورة في العالم، خلال ال 15 شهراً الماضية قتل في قطاع غزة (160)صحفياً حسب بيانات لجنة حماية الصحفيين Committee to Protect Journalists (CPJ).، معطيات حولت الحرب على غزة للحرب الأكثر قتلاً للصحفيين منذ عشرات السنيين، ومن باب المقارنة، في المرتبة الثانية تأتي حرب العراق، في سنة العام 2006، قتل فيها (56) صحفياً، وحسب لجنة حماية الصحفيين، في الشهور الثلاثة الأولى من الحرب على غزة قتل (77)صحفياً، وحسب معطيات لجنة حماية الصحفيين، منذ العام 1992 لا يوجد أحداث يمكن مقارنتها مع ما جرى في قطاع غزة بحق الصحفيين في هذا الحرب.
غالبية الصحفيين الذين قتلوا خلال الحرب على غزة قتلوا خلال قيامهم بعملهم الصحفي، وعندما كانوا في المكان غير الصحيح وفي التوقيت غير الصحيح، أو تم الشك من الجيش الإسرائيلي بأنهم مسلحين، ولكن الرأي لدى المؤسسات الدولية ولدى الفلسطينيين عملية قتل الصحفيين تتم بشكل مقصود، في بعض عمليات القتل للصحفيين ادعى الجيش الإسرائيلي أن العمل الصحفي كان غطاء على “عمل إرهابي”، وفي مرات أخرى نفى الجيش مقصده إصابة صحفيين، ومن تحقيق لجنة حماية الصحفيين، تسع حالات قتل صحفيين واضحة بشكل جلي أنها كانت عملية قتل مقصودة للصحفيين من قبل الجيش.
من بين الحالات التسعة كانت حالة مقتل الصحفي حمزة الدحدوح الذي كان يعمل في الجزيرة، والصحفي مصطفى ثريا الذي كان يعمل كصحفي مستقل مع وكالة الأنباء الفرنسية، وحسب تحقيق أورن زيف من موقع سيخا مكوميت، الاثنان شغلوا طائرة تصوير مما دفع الجيش الإسرائيلي للاعتقاد أنها طائرة لغايات عسكرية، وبعد مقتلهم ادعى الجيش الإسرائيلي أن الدحدوح ناشط في الجهاد الإسلامي، والثريا ناشط في حركة حماس، ادعاء جيش الاحتلال استند على وثائق ادعى العثور عليها في غزة، لكنه لم يكشف عن تلك الوثائق، الدحدوح هو ابن الصحفي المعروف وائل الدحدوح مراسل ومدير قناة الجزيرة في غزة، وفي أكتوبر 2023 قتلت زوجة الدحدوح وأطفاله أبناء 7 و 15 عاماً بقصف جوي إسرائيلي على مخيم النصيرات، وبعد أسبوعين أصيب وائل الدحدوح نفسه في قصف إسرائيلي في خانيونس.
ومن حالات قتل الصحفيين التي اعتبرتها لجنة حماية الصحفيين قتل مقصود، مقتل الصحفيان إسماعيل الغول ورامي الرفاعي، وهم من طواقم قناة الجزيرة، في 31 تموز صور الاثنان تقريراً صحفياً من أمام منزل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، يوماً بعد اغتياله في العاصمة الإيرانية طهران، قرروا ترك المكان بسبب قصف إسرائيلي على منطقة قريبة، بعد دخولهم للمركبة التي تحمل إشارة TV تعرضت المركبة لقصف جوي، وهنا ادعى الجيش الإسرائيلي أن الغول هو ناشط في الذراع العسكري لحركة حماس، وإنه كان يعمل على توثيق هجمات ضد جنود الجيش الإسرائيلي، الجزيرة قالت من جهتها، الجيش الإسرائيلي اعتقل الغول خلال اقتحام مستشفى الشفاء، واحتجزه لمدة 12 يوماً ومن ثم أفرج عنه، ما يعني أن ادعاء بأنه ناشط في كتائب القسام غير صحيح، ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على مقتل الصحفي الرفاعي.
الخمسة صحفيين الآخرين الذين قتلوا عن قصد حسب تحقيق لجنة حماية الصحفيين قتلوا معاً في قصف جوي إسرائيلي على مخيم النصيرات يوم 26 ديسمبر 2024، كلهم عاملون في قناة القدس اليوم المؤيدة لحركة الجهاد الإسلامي، الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك اعترفوا بالعملية فوراً، وتفاخروا بقتلهم مدعين أن أربعة منهم “إرهابيين”، يعملون في “مجال العمليات والدعاية القتالية”، في تقرير بثته ال BBC ، لم يكن بالإمكان تأكيد الادعاءات الإسرائيلية، أو الفلسطينية التي قالت أن لا علاقة لهم بمنظمة الجهاد الإسلامي، وصحيح أن قناة القدس اليوم مؤيدة للجهاد الإسلامي، لكنها ليست جزء من التنظيم، كما لا يتم نشر الإعلانات الرسمية للتنظيم عبر القناة.
شجعان وخائفون:
الصحفيون الفلسطينيون يحظون باحترام الصحفيين في مختلف أنحاء العالم، فهم القناة الوحيدة للمعلومات عن الحرب على قطاع غزة في ظل منع إسرائيل الصحافة الدولية من الدخول للقطاع، خاصة في ظل المخاطر الكبيرة التي يتعرضون لها خلال أداء عملهم، وكبقية سكان غزة يعانون من قلة الطعام ومن قلة المحروقات.
الصحفي البريطاني أوينز جونز قال خلال مظاهرة في لندن: ” الصحفيون الفلسطينيون في قطاع غزة هم الأكثر شجاعة في العالم، والأكثر شجاعة على وجه الأرض، يعرضون حياتهم للخطر وهم يدركون أن كل يوم وكل دقيقة قد تكون الأخيرة في حياتهم، ليس فقط لهم، بل لأطفالهم أيضاً”.
شجعان أم لا؟، هم نفسهم يعبرون عن المخاطر التي تتهددهم، قبل شهرين كتبت على الفيسبوك الصحفية أيمان الشنطي، وتعمل في راديو صوت الأقصى في غزة عن خوفها من الطائرات المسيرة الإسرائيلية: “صوت دورانها يكفي ليقول لك إنها هنا، أداة موت تتحرك من علينا، هي ليست طائرة هي تجسيد للخوف والمطاردة والرعب، عبثية الموت بدون وجه”، وفي 11 ديسمبر عادت بمنشور جديد:” معقول إننا على قيد الحياة، الله يرحم الشهداء”، بعد ساعات أصاب صاروخ إسرائيلي منزلها في حي الشيخ رضوان، الشنطي وزوجها وأطفالهما الثلاثة قتلوا، وحسب الغارديان البريطانية، ابنتها ابنة 13 عاماً كانت الناجية الوحيدة بعد أن أصيبت بجروح بالغة.
وتابعت هآرتس العبرية: صحفي فلسطيني آخر طلب عدم ذكر اسمه حرصاً على أمنه قال لهآرتس عن التحديات التي تواجه الصحفيين في عملهم في غزة:” الصعوبات مختلفة وعديدة، أول هذه التحديات، عندما يطلب مني تغطية منطقة تعرضت للقصف، تكون لدي مخاوف من أن تقصف مرة ثانية وأنا هناك، وحصلت في السابق قصف منطقة أكثر من مرة، وقتل صحفيين في عمليات القصف المتكررة”، وعن التحدي الثاني قال:” لا يوجد في قطاع غزة مركبات للتحرك بهم، لا خاصة ولا عمومي، أنا اتحرك من منطقة لأخرى على دراجة هوائية، حتى هذه الوسيلة باتت صعبة بسبب تدمير الشوارع، وجزء منها مغلقة بسبب الدمار، سرت مشياً على الأقدام للتغطية وهذا صعب”.
وتحدث ذات الصحفي عن الضغوطات المادية والنفسية التي يتعرض لها وبقية الصحفيين نتيجة الخوف من القتل أو الإصابة، وكذلك لعدم وجود عائلاتهم معهم، “وخلال تغطيتي للأحداث أفكر كل الوقت بعائلتي، ما شعورهم عندما سماع القصف؟، بعد قصف بيتي وعائلتي به قررت الانفصال عنهم للحفاظ على أمنهم، هذا كان من أصعب القرارات في حياتي، وبعدها بخمسة شهور لم أرى عائلتي، استمريت في تغطية ما يجري في الشمال والوسط وطلبت من عائلتي النزوح للجنوب”.
وختم الصحفي من غزة كلامه عن الصعوبات التي تواجه الصحفيين في غزة: غياب الأساسيات مثل الكهرباء والانترنت تخلق أمامه صعوبات في العمل، وليس بمقدوره نقل المواد التي صورها لوكالة الأنباء العامل فيها، ” كيف يمكن للصحفي أن يعمل بدون كهرباء وبدون انترنت؟، يسير الصحفيون مسافات كبيرة على الأقدام ولمباني مرتفعة على أمل الحصول على تغطية، وهذا يعرض حياتهم للخطر، والمسيرات الإسرائيلية قد ترى فيهم هدف للقصف، بعض الصحفيين استخدم SIM افتراضي للحصول على الانترنت، حتى هذا غير متاح دائماً”.