بشار عودة
في ليلةٍ حالكة، محفورة في ذاكرته كأشد الليالي قسوة، فقدَ الشاب شادي أبو حامد عائلته بأكملها تحت نيران القصف الإسرائيلي ليجد نفسه وحيدًا، يواجه ألم الفقد دون أمٍّ أو أب، دون زوجة أو أبناء، دون إخوة، بلا أي أحد يشاركه هذه الفاجعة.
في 22 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023، ومع اشتداد القصف على مخيم البريج وسط قطاع غزة، لم يكن أمام شادي وعائلته سوى البحث عن ملاذٍ آمن، فانتقلوا إلى مخيم المغازي، على أمل إيجاد مأوى بعيدًا عن خطر القصف أملاً في النجاة، لكن في غزة، حتى الأمان أصبح حلمًا مستحيلًا.
بعد يومين فقط، استفاق شادي على أصوات القصف العنيف الذي استهدف المنزل الذي لجأوا إليه، ولم تمر سوى لحظات حتى تحولت الحياة إلى رمادٍ وأنقاض، واختفت عائلته بالكامل تحت الركام.
يستعيد شادي تلك الليلة السوداء بصوت يملؤه الحزن والألم:”في البداية كنت مغيّبًا بسبب الإصابة في رقبتي، ثم استيقظت في منتصف الليل بالمستشفى. سمعت أصواتًا حولي، لكني لم أكن مستوعبًا لما حدث. رأيت الأطباء يتحركون بسرعة، ثم وقعت عيناي على أعمامي وأقاربي يبكون. عندها فقط، شعرت أن شيئًا ما قد حدث.. لكن لم أكن أعرف حجمه بعد”.
ولكن حين أدرك الحقيقة، كان الألم يفوق الوصف فيقول”أن تستيقظ لتكتشف أن عائلتك لم تعد موجودة… أن تكون بين أحبّتك في لحظة، ثم يختفون فجأة… هذا شعور لا يمكن لأحد أن يفهمه إلا من ذاق مرارة فقدان الأهل.”
في تفاصيل اليوم الذي قُصف فيه المنزل، يقول شادي بصوت خافت لـ”بالغراف”: “كنت جالسًا في الطابق الرابع، وفجأة شعرت أنني سقطت على ظهري ثم انقطع كل شيء، فقدت الوعي تمامًا. لم أعد أذكر أي شيء حتى استعدت جزءًا من ذاكرتي بعد أسبوع، عندما بدأت أتذكر لحظة إنقاذي من تحت الأنقاض وانتشال جثامين أفراد أسرتي.”
كان وداع عائلته أكثر لحظة مزقت روحه. فلم يكن قادرًا حتى على النهوض، حيث كانت إصابته بكسر الحوض تمنعه من الجلوس أو التحرك.
يتحدث عن تلك اللحظة التي لن ينساها ما دام حيًا قائلًا “لم أكن قادرًا على الجلوس على كرسي متحرك بسبب كسوري، فتم جري في السرير إلى ساحة المستشفى لأودعهم قبل دفنهم. لم أستطع وداع الجميع، لكنهم رفعوا لي والدي وابن أخي الصغير، الذي كان يبلغ من العمر 29 يومًا فقط. لم أستطع حتى أن أودّع باقي أفراد عائلتي”.
قبل هذه المأساة، يشير أبو حامد إلى أن شهر رمضان كان يعني له الفرح والدفء العائلي، حيث كان يزيّن البيت بالفوانيس والزينة، ويحتفل مع عائلته، ويتبادل معهم الأحاديث والضحكات. لكن بعد استشهادهم، جاء رمضان مختلفًا… جاء باردًا، صامتًا، يفتقد لكل معاني الفرح.
يجلس شادي وحده، يتذكر موائد الإفطار التي كانت تجمعه بعائلته، يتخيل صوت ضحكاتهم التي اختفت للأبد حيث يقول “في السابق، كنا نحتفل بكل تفصيلة صغيرة… كنا نعلّق الزينة، نجتمع حول مائدة واحدة، نصلي التراويح معًا. أما الآن، فقد رحل الجميع… لم يبقَ إلا الصمت والذكريات.”