loading

تغليظ عقوبة الدخول دون تصريح..أبعاد كارثية تتخطى شكل القانون

هيئة التحرير

للوهلة الأولى يُهيئ للمتلقي أن إقرار مشروع القانون الإسرائيلي بتغليظ العقوبات على الفلسطينيين الذين يدخلون الأراضي المحتلة عام 48 دون تصاريح، هو شكل من أشكال ضبط قطاع العمالة أو إجراء عقابي على الفلسطينيين، إلا أن لهذا القانون أبعاد أشد خطورة تتخطى البُعد العقابي.

القانون الذي أُقر بقراءته الأولى في “الكنيست” يوم الأربعاء 19 آذار 2025، لا يهدف فقط إلى ضبط الدخول غير القانوني كما تدّعي إسرائيل، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الاحتلال والاستيطان، وخدمة لأهداف سياسية عبر ضرب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل بتجفيف أكبر رافد من روافد السوق المحلية، بل وحتى تهديد النسيج الإجتماعي الفلسطيني عبر نشر الفقر والبطالة وما لذلك من تبعات اجتماعية غاية في الخطورة.

القانون ينص على أن عقوبة من يدخل للأراضي المحتلة من دون تصريح 4 سنوات في السجن، على أن يكون الحد الأدنى عامًا واحدًا، وإذا تكرّرت “المخالفة” مرة ثانية، فيكون الحد الأدنى عامين، وفي المخالفة الثالثة يكون الحد الأدنى للعقوبة 3 سنوات.

ومع تجميد تصاريح العمل لأكثر من 80 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة، فقد كشف تقرير صادر عن بنك إسرائيل المركزي أن العمالة الفلسطينية التي لا تحمل تصاريح عمل داخل إسرائيل ازدادت في بنسبة كبيرة، تزامنًا مع ارتفاع نسب البطالة والفقر بين الفلسطينيين.

وهو ما أكده الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد، قائلا: “لم يسبق أن واجه العمال الفلسطينيون مثل هذا المنع الإسرائيلي في معظم الحروب والانتفاضات التي وقعت منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، علما بأن اتفاقية البناء (صفحة 37 و38) الموقعة بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي عام 2005 تؤكد أنه لا تمييز بين العمال الفلسطينيين والإسرائيليين”.

ووفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية أواخر عام 2024، ارتفعت نسبة البطالة في غزة لأكثر من 80%، فيما ارتفعت نسبة البطالة إلى 35% في الضفة الغربية، فيما أشار تقرير البنك الدولي إلى أن نسبة الفقر في غزة وصلت إلى 100%، مع تضخم تجاوز 250%، فيما ارتفعت نسبة الفقر في الضفة الغربية من 12% إلى 28% خلال نفس الفترة، مُرجعًا ارتفاع معدلات البطالة والفقر في الضفة إلى منع إسرائيل العمال الفلسطينيين من العودة إلى أماكن عملهم داخل أراضي عام 1948.

وأسفر منع دخول العمال عن خسائر اقتصادية فادحة بالاقتصاد الفلسطيني، حيث يترجم هذا المنع بحرمان السوق الفلسطينية من 4 مليارات دولار سنويًا في بلد بلغت فيه إجمالي الميزانية السنوية حوالي 6 مليارات دولار، إلا أن الأخطر يتمثل في التبعات الاجتماعية بتهديد النسيج الفلسطيني، حيث ينعكس الوضع الاقتصادي الصعب بزيادة معدلات الفقر والبطالة، وما يترافق معه من مشاكل اجتماعية وجرائم وحتى تشجيع على الهجرة في بلد مستهدف بالتهجير، أو البحث عن بدائل غير آمنة للعمل.

فيما يؤدي الفقر والعوز إلى استغلال الاحتلال للعمال عبر تحكمه الكامل بالعامل المحتاج من خلال تصاريح العمل، التي تستخدم أحيانًا كأداة ابتزاز سياسي وأمني، وضرب أي بيئة حاضنة لأي شكل من أشكال المقاومة ليُضاف إلى ذلك بُعدًا آخرًا هو قانوني تشريعي بترسيخ هذه الإجراءات ضمن منظومة قانونية، ذات طابع “شرعي داخلي، حتى لو كان يتعارض مع القانون الدولي الذي يمنع فرض قيود جماعية على السكان تحت الاحتلال.

في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى إظهار هذا القانون للعالم على انه جزء من “محاربة الهجرة غير الشرعية”، رغم أنه يستهدف شعبًا يعيش تحت الاحتلال، مدعية أنها تحارب “التسلل غير القانوني”، وهو خطاب قد يجد تأييدًا في بعض الدول الغربية التي تواجه قضايا مشابهة تتعلق بالهجرة، حيث تقدم الفلسطيني كـ “متسلل” أو “مخالف”، بدلًا من كونه جزءًا من الشعب صاحب الأرض.

ويشكل هذا القانون قاعدة لتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية والمحاكم الإسرائيلية لقمع الفلسطينيين بشكل “قانوني”، وحرمان الفلسطينيين من الوصول الى أقدس مقدساتهم في المسجد الأقصى، وتقليل الروابط الدينية والوطنية بين الفلسطينيين والعاصمة المحتلة، ما يخدم المخططات الإسرائيلية في تهويد المدينة وتفريغها من الوجود الفلسطيني، وهو ما يعني ضم الضفة استجابةً لضغوط الأحزاب المتطرفة الساعية لزيادة القمع. 

ولضمان أن تحاصر ربع مليون عامل وتقضي على فرصهم بالحياة، شرعت “الكنيست” لشرعنة قانون يحمل عنوان “المقيمين غير الشرعيين، نشطاء الإرهاب وأبناء عائلاتهم في إسرائيل”، يمنح المحاكم صلاحية مصادرة أية أموال يُعثر عليها مع العمال، باعتبارها أجورًا حصلوا عليها من العمل غير القانوني وفرض غرامات مالية تتراوح بين 10 آلاف و40 ألف شيكل.

ومع سحب الاحتلال لعشرات آلاف التصاريح فإن العمال الذين يعانون البطالة والفقر المدقع سيضطرون رغم كل العقوبات من الدخول بلا تصاريح لسد جوع أبنائهم، فإن العامل غير المُؤَمن (أي لا يوجد معه تأمين صحي) عند أي إصابة أو وفاة سيعني ضياع حقوقه وحقوق أسرته بالكامل، وسيكون أيضًا عرضة لابتزاز رب العمل الإسرائيلي بتشغيله بنصف أُجرته، أو قد يتعرض للاحتيال وتبليغ الشرطة، فضلًا عن اعتداءات إسرائيليين متطرفين.

ولجأ العمال لسبل تهريب للدخول معظمها قاتل حيث يتم نقل غالبيتهم بسيارات غير قانونية عبر طرق التفافية وعرة وقاتلة وبسرعات جنونية، وحمولة مضاعفة لتجاوز الحواجز العسكرية ونقاط المراقبة الإسرائيلية، حيث ظهر في مقطع فيديو استخدام خلاطات الباطون في تهريب العمال لتجاوز الحواجز الإسرائيلية.

وكان العامل شهيد لقمة العيش رأفت عبد العزيز عبد الله حماد (35 عامًا)، آخر ضحايا سياسات الاحتلال تجاه العمال، حيث استشهد أثناء عملية ملاحقة بعد أن سقط من أحد الطوابق وهو يحاول الهرب، سبقه عامل آخر وهو العامل صلاح محمد سهيل من بلدة دير الغصون شمال محافظة طولكرم بعد تعرضه لنوبة قلبية، أثناء انتظاره الطويل على حاجز برطعة العسكري شمال غرب جنين، خلال توجهه للعمل داخل أراضي عام 1948، ليرتفع عدد شهداء لقمة العيش إلى 57 شهيدًا، فيما بلغ المعتقلين منهم خلال عام نحو 569 عامل.

وفي السنوات الأخيرة، سعت إسرائيل إلى تقليل اعتمادها على العمالة الفلسطينية واستبدالها بعمالة أجنبية من دول مثل الهند، تايلاند، الصين، ..وغيرها، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته قررت تخفيف القيود لزيادة حصة العاملين الأجانب “بقدر كبير”، عبر السماح بدخول أكثر من 300 ألف أجنبي للعمل، أو ما يصل إلى 3.3% من السكان.

في أبريل 2024، أشارت التقارير إلى وصول أقل من 3,000 عامل زراعي أجنبي إلى إسرائيل منذ نوفمبر 2023، مع حاجة البلاد إلى ما بين 8,000 و12,000 عامل إضافي لإعادة المزارع للعمل بكامل طاقتها. حيث تم إبرام اتفاق لجلب 10,000 عامل سريلانكي إلى إسرائيل خلال الأشهر المقبلة. 

وفي يونيو 2024، صادقت السلطات الإسرائيلية على جلب 6,400 عامل أجنبي إضافي، بينما يكسب العامل الفلسطيني في إسرائيل أربعة أضعاف ما يكسبه في السلطة الفلسطينية، مما يجعلهم رافعة للاقتصاد الفلسطيني. 

وإضافة إلى ذلك، أعد المركز الحكومي الإسرائيلي للمراقبة المدنية خطة منذ بداية عام 2024 تهدف لاستبدال 200,000 عامل فلسطيني داخل إسرائيل بعمال أجانب من دول مثل الصين والهند وسريلانكا. في حين تتطلب هذه الخطة إبرام اتفاقيات مع الدول المعنية، والتي لم تُوقَّع بعد. 

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة