loading

فائض الشيقل ووهم الحل ال الإلكتروني

محمد عبد الله

في ظل تفاقم أزمة فائض الشيقل في السوق الفلسطيني، تتصاعد المخاوف من تداعيات اقتصادية متراكمة، تمس مختلف مناحي الحياة اليومية والتجارية، وتفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل النظام المالي الفلسطيني وسط قيود الاحتلال الإسرائيلي. 

ومع اتساع الحديث عن الدفع الإلكتروني كحل محتمل، ورفض بعض محطات الوقود والمتاجر والصيدليات ونقاط شحن الكهرباء الدفع الكاش المواطنين وإنما عبر الفيزا أو الدفع الإلكتروني، يبرز الجدل حول فعالية الدفع الإلكتروني وجدواه في غياب بنية تحتية متكاملة، وسياسات مصرفية قادرة على مواكبة هذا التحول.

في هذا السياق، أجرى “بالغراف” مقابلة خاصة مع الباحث في الشأن الاقتصادي ثابت أبو الروس، للوقوف على تفاصيل هذه الأزمة، وخلفياتها السياسية، وتأثيرها المباشر على الأفراد والتجار، بالإضافة إلى تقييمه لمقترحات الحل، وعلى رأسها الدفع الإلكتروني.

وقال أبو الروس، إنّه ووفقًا لاتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، فإن على الجانب الإسرائيلي شحن فائض الشيقل من مناطق السلطة الفلسطينية كل ثلاثة أشهر، بما يعادل 4.5 مليار شيقل في كل عملية شحن، أي ما مجموعه حوالي 18 مليار شيقل سنويًا.

وأضاف أبو الروس أن إسرائيل، وبعد السابع من أكتوبر، بدأت باستخدام الفائض النقدي من الشيقل كأداة ضغط وعقاب سياسي ضد السلطة الفلسطينية، إذ كان الاتحاد الأوروبي في السابق يتوسط للحصول على التصاريح اللازمة لنقل الأموال، إلا أن وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش عمد إلى عرقلة هذه التحويلات وتهديد السلطة بعدم استلام الأموال.

وتابع أبو الروس أن القدرة الاستيعابية للبنوك الفلسطينية وسلطة النقد الفلسطينية لا تتجاوز 4 إلى 6 مليارات شيقل، بينما الفائض الفعلي المتراكم اليوم يتجاوز 13 مليار شيقل، وهو ما أدى إلى تضخم كبير في خزائن البنوك، وكذلك خزائن سلطة النقد، مما شكّل عائقًا خطيرًا أمام النظام المالي المحلي.

وأوضح أن إسرائيل امتنعت خلال العام الماضي عن استلام حوالة واحدة عن ربع واحد من فائض الشيقل، ومنذ بداية العام الجاري وحتى اليوم، لم تستلم أي دفعة، ما عمّق من حدة الأزمة.

وحول تأثيرات هذه الأزمة، بيّن أبو الروس أن أبرز التداعيات تتجلى في تعطّل التبادلات التجارية بين التاجر الفلسطيني والإسرائيلي، حيث تستورد فلسطين نحو 57% من احتياجاتها من السوق الإسرائيلية. ومع تكدس الأموال خارج النظام البنكي، لا يستطيع التاجر الفلسطيني دفع مستحقاته لنظيره الإسرائيلي، مما يعيق سلاسة العمليات التجارية.

وأضاف أن هذا الوضع أجبر البنوك على رفض استقبال ودائع المواطنين من الشيقل، ما تسبب بخسائر مباشرة للمواطنين نتيجة ارتداد الشيكات ودفعهم لغرامات وفوائد تأخير.

وأشار إلى أن ذلك أدى أيضًا إلى ضعف في الحركة التجارية العامة في الأسواق، وأسهم في ارتفاع أسعار بعض السلع، حيث أصبح المواطن يدفع تكلفة إضافية عند الدفع نقدًا (كاش)، بدلًا من استخدام وسائل الدفع الإلكترونية.

وحول فكرة الدفع الإلكتروني كحل للأزمة، يرى أبو الروس أنها لا تمثل حلًا جذريًا، بل مجرد محاولة لترحيل الأزمة إلى مرحلة لاحقة. 

ولفت إلى أن جوهر الأزمة سياسي بامتياز، لكن تم التعبير عنها بوسائل اقتصادية، مؤكدًا أن الحل الوحيد هو أن تلتزم إسرائيل باستلام الفائض النقدي وفقًا لما تنص عليه الاتفاقيات.

وردًا على سؤال: “هل تشجع التحول إلى الدفع الإلكتروني؟”، أجاب أبو الروس بأنه يتحفظ على هذا التوجه، لأنه يتطلب من المواطن إيداع أمواله في البنك قبل الشراء إلكترونيًا، في وقت ترفض فيه البنوك استلام الشيقل، متسائلًا: “كيف يمكنني الدفع إلكترونيًا إن كان البنك لا يقبل إيداع أموالي؟”.

وأشار أيضًا إلى تخوف عدد من التجار من أن تتحول حركة حساباتهم البنكية إلى أداة رقابة من قبل دوائر الضريبة، مما يعرّضهم لاحتمال الملاحقة بتهم التهرب الضريبي، سواء كانت مبررة أم لا.

ومن بين المعيقات الأخرى التي أشار إليها، هو ضعف الوعي التكنولوجي والمالي، إذ أن أكثر من 70% من المواطنين، بحسب تقديره، لا يملكون المعرفة أو الأدوات اللازمة للتعامل مع الدفع الإلكتروني. بالإضافة إلى أن خدمات الإنترنت والتكنولوجيا ليست متوفرة للجميع، لا سيما في المناطق النائية وبين كبار السن.

واختتم أبو الروس حديثه بالتأكيد على أن التجارة المحلية الفلسطينية لم تصل بعد إلى درجة من التطور تسمح بالتحول الكامل نحو الدفع الإلكتروني، مشيرًا إلى أن الحلول الرقمية دون بنية مصرفية وسياسية ملائمة قد تخلق أزمات جديدة بدلًا من حل الأزمة القائمة.

وكان مركز الاتصال الحكومي قد أصدر بيان صحفي قال فيه إن قرار مجلس الوزراء الصادر عن جلسته بتاريخ 27-5-2025 حول استخدام وسائل الدفع الالكتروني هو بتكليف الدوائر الحكومية بالانتهاء من عملية ربط الخدمات الحكومية على منظومة (E-sadad) خلال مدة أقصاها 2025/08/31م، والتزام الدوائر الحكومية باستكمال أتمتة خدماتها وربطها على منظومة الخدمات الحكومية الإلكترونية (حكومتي)، ليتم تقديمها للجمهور الكترونياً قبل نهاية العام الحالي 2025م.

كما يوضح مركز الاتصال أن هذا القرار لم يلزم المواطنين فيما يتعلق باستخدام قنوات الدفع الالكتروني، حيث وجه مجلس الوزراء القطاع الخاص نحو تشجيع المواطنين على الاعتماد على قنوات الدفع الإلكتروني التي توفرها سلطة النقد والجهاز المصرفي في تنفيذ معاملاتها المالية، وذلك لتسهيل إنجاز المعاملات بشكل أسرع وأكثر أمنا، وخفض الحاجة للتنقل وحمل النقد، والحصول على خصومات أو حوافز على بعض الخدمات، وإمكانية الوصول للخدمات الحكومية والمالية في أي وقت ومن أي مكان. 

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة