هيئة التحرير
لم ضقت يا وطني بنا، كلمات كتبها الصحفي جريس عازر من بلدة الطيبة شرق مدينة رام الله، بعد أن هاجم المستوطنون منزله، وأحرقوا سيارته، في جملة من الاعتداءات طالت العديد من المنازل والممتلكات من قبل عشرات المستوطنين.
بعدها بأيام قليلة، شن المستوطنون المتطرفون هجوماً واسعاً على بلدة سلواد القريبة من الطيبة، ارتقى شهيد وأُحرقت منازل وسيارات، وخُربت ممتلكات، وسط صرخات من المواطنين وتساؤلات عن الحماية والتكافل والتعويض.
ليلة الهجوم
عازر قال إنه في تلك الليلة وفي حدود الساعة الثانية والثلث فجرًا بدأ بسماع أصوات انفجارات فشك باحتمالية أن تكون مضادات ولكن بعد فترة اكتشف أن الأصوات تأتي بالقرب من منزله فقط وعندها حاول معرفة ما يجري ونظر من الشباك رأى النار تحترق أمام منزله وهاتف جاره ليساعده بالخروج من المنزل وعندما أتى أخبره بضرورة الخروج من أحد الأبواب نظرًا لوجود المستوطنين.
في تلك اللحظة كان هم جيرس إخراج طفله ذو العامين وزوجته من المنزل دون أن يصابا بالأذى سواء من الدخان أو إطلاق النار، ويؤكد عازار أنه قام بإخراج طفله وزوجته لبيت الجيران ومن ثم عاد إلى منزله فانفجرت سيارته وسيارة جاره وحينها أتى الدفاع المدني وقام بإطفاء السيارات المشتعلة إضافة لجيش الاحتلال.
لا يختلف حال المواطن أبو رأفت من بلدة سلواد شرق رام الله عن حال عازار، إذ يؤكد أن المستوطنين اقتحموا منزلهم وقاموا بإحراق أربع مركبات له، إضافة لمحاولة إحراق منزلهم
من يعوض الناس ؟!
وحول إمكانية تعويض خسارته في السيارة التي أحرقت بين عازار أن شركة التأمين قالت بأن الشركة لا تغطي اعتداءات المستوطنين لأنه غير مؤمن ضد اعتداءات المستوطنين، بينما لو كان حادث سير طبيعي لتم التعويض ولكن اعتداءات المستوطنين لا يتم تعويضها، مفيدًا إلى أنه ما زال بانتظار رد من الشركة حول حل هذه الإشكالية.
وأكد أنه في ذات الوقت لم تقدم له الجهات الرسمية أي دعم أو تعويض، مشيرًا إلى أن هيئة الجدار والاستيطان أبلغته خلال زيارة منزله بأن أي تعويض لا يتجاوز سقفه العشرة آلاف شيقل فقط وهي لا تغطي أي شيء وفق قوله.
فيما يقول أبو رأفت أنهم تواصلوا مع شركة التأمين التي قاموا بالتأمين لديها تأمينًا شاملًا، إلا أنهم أبلغوهم بأن التأمين الشامل لا يشمل اعتداءات المستوطنين ولم يخبروهم حتى بما يمكنهم فعله.
محاولات للتعويض
مدير دائرة التوثيق في هيئة الجدار أمير داوود أوضح ل”بالغراف” أن لدى الهيئة برنامج دعم الصمود وهو من أكبر البرامج الاستراتيجية التي تقوم عليها الهيئة، ويقوم على فكرة جبر الأضرار ومساندة المواطنين.
وأفاد أنهم يدركون أن حجم الأضرار كبير جدًا نتيجة اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال، وما تقوم به الهيئة هو محاولة لمساندة المواطنين ولكن بالنظر للدور التكاملي التي تستند إليه الهيئة في دعم الصمود وتحديدًا في التكامل مع المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية الثانية التي تعمل في هذا المجال ومن خلال تكامل الأدوار واستغلال المساحات التي تتدخل بها المنظمات الدولية والوطنية يمكن القول أن هناك مساحة مهمة في مساندة المواطنين.
وفي ذات الوقت أشار داوود إلى أنهم حاولوا حتى قبل الحرب التعاقد مع شركات التأمين من خلال استصدار بوليصة تأمين محددة ومخصصة لاعتداءات المستوطنين نظرًا لأن اعتداءات الجيش والمستوطنين غير مشمولة في شركات التأمين، ولذلك عملوا مع شركة الوطنية للتأمين لاستصدار بوليصة تأمين وهي مفتوحة للجميع، بحيث يستطيع كافة السائقين الاستفادة منها بمبالغ تصل إلى 80 ألف شيقل في حال تعرضوا لاعتداءات المستوطنين.
شركة تأمين واحدة فقط
وأكد أن هذا العمل نجح فقط مع شركة تأمين واحدة ولم تنضم الشركات الأخرى رغم محاولة إقناعهم من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي في مجابهة اعتداءات المستوطنين، مبينًا أنهم قدموا مجموعة من النداءات للاشتراك في بوليصة التأمين هذه، فالكثير من المواطنين اشتركوا والكثير لم يشتركوا، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنهم لم ينجحوا في توسيع هذا الموضوع.
داوود شدد على أن المواطنين الذي يتعرضون لاعتداءات في المناطق المصنفة “ج” حيث تعمل الهيئة عليهم التوجه إلى الهيئة مصطحبين الوثائق التي تثبت ملكية مركباتهم أو بيوتهم أو أراضيهم، والتي تقوم بدورها بمتابعة هذا الأمر من خلال لجنة دعم الصمود والتي تشرف على هذا النوع من المعاملات وتحدد المبالغ وفق كل حالة.
إنشاء صندوق لتعويض المتضررين
المحامي صلاح الدين موسى يرى بأن الموضوع مركب ومشترك بين شركات التأمين والسلطة وحتى الجهات المانحة والدول العربية والتي قدمت تعويضات لبعض المتضررين سابقًا.
وأكد أننا اليوم أمام شقين اعتداءات تتم من خلال جيش الاحتلال واعتداءات تتم من خلال المستوطنين والتي تتضمن حرق البيوت والمركبات والاعتداء على المواشي وإتلاف ممتلكات خاصة، حيث بعض هذه القضايا يمكن تأمينها من خلال الشركات وبعضها لا يدخل ضمن التأمين كما أن الناس لا تُؤَمِن كل شيء فليس هناك تأمين على البيوت مثلًا.
وبين موسى أن المطلوب هو تدخل سياسي وسياساتي حيث هناك فكرة صندوق حوادث الطرق والذي أنشأ بقانون ونظم عمليات الاقتطاع وهو الآن يدير بعض المسائل التي لا يغطيها قانون التأمين نظرًا لاعتبارات قانونية وفنية.
وأشار إلى أنه يمكن إنشاء صندوق خاص يسمى بصندوق ” تعويض الأضرار الناجمة عن اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال خلال اقتحامه المدن والقرى والبلدات الفلسطينية تعمل على إنشائه السلطة الفلسطينية بقرار من مجلس الوزراء وبالتنسيق مع الجهات المانحة التي قامت بزيارة المناطق التي تعرضت للاعتداءات حيث يمكن رصد وتوثيق هذه الاعتداءات بحيث يمكنك المطالبة بتعويضات من إسرائيل لاحقًا.
وأردف أنه من ناحية سياساتية يمكن إصدار قرار بقانون بإنشاء صندوق خاص تساهم به شركات التأمين ويتم اقتطاع جزء من بوليصة التأمين لصالحه حيث يتم عمل ملحق للعقد التأميني تكون به المسائل أو الأضرار التي يمكن أن تدخل به، مضيفًا أن مجلس الوزراء يمكن أن يأخذ قرارًا من خلال هيئة سوق رأس المال بعمل ملحق تأميني لهذه المواضيع بمبالغ مالية ونسب معينة.
وأفاد بأنه يمكن لشركات التأمين بالشراكة مع السلطة والجهات المانحة تشكيل صندوق طوارئ يقوم بتغطية مبلغ مقطوع حول موضوع الأضرار، مؤكدًا أنه على المؤسسات الحقوقية توثيق الانتهاكات ورصد الأضرار وتوثيقها والقيام لاحقًا بتقديم مطالبات مالية بخصوصها.
وشدد موسى على أنه آن الأوان لوجود تدخل فلا يجوز أن يُترك الأمر على الحكومة لوحدها، فالحكومة تقوم بتعويض المتضررين حيث الكثير حصل على تعويض بدلاً من مركباتهم وأملاكهم التي تضررت، متسائلًا حول عدم تشكيل صندوق تكافلي لحل هذا الموضوع ؟
مسؤولية تقع على المستوطن
يقول مدير عام الإدارة العامة للتأمين في هيئة سوق رأس المال أمجد قبها أن أفعال المستوطنين هي أفعال إجرامية متعمدة حيث يتعمد المستوطن القيام بهذه الأفعال، موضحًا بأن أي شركة تأمين في العالم تستثني الأفعال الإجرامية من أي تغطية تأمينية.
وبين أن شركات التأمين في فلسطين ملزمة بتأمين حوادث السير بغض النظر عن طرفها ومن هو المتسبب بها، ولكن في نفس الوقت فالأفعال الإجرامية لا تغطى في القانون لأن قانون التأمين ينص على ” إن كان الفعل ناجم عن جريمة متعمدة فشركة التأمين لا تقوم بالتعويض”.
وأفاد قبها بأن ما يقوم به المستوطنون هي جرائم منظمة تستوجب ملاحقتهم قانونيًا، فالفئات التي تقوم بحرق المركبات وتكسيرها هي جهات استيطانية ومستوطنون يجب ملاحقتهم وفق القانون، وهم من يتحملون المسؤولية.
المستوطن يجب أن يعوض
وأوضح قبها أن المسؤول عن الضرر هو الذي يجب أن يعوض ومن باب الرؤية الوطنية الشاملة فيفترض على المؤسسات في السلطة الفلسطينية مثل هيئة الجدار والاستيطان ملاحقة هذه الجهات سواء كان أمام الجهات القانونية الدولية أو في المحاكم الإسرائيلية، حيث لا يجب إعفاء المسؤول عن الضرر من مسؤولياته بحيث يجب محاكمة المستوطن نفسه، وأن يقوم هو بدفع قيمة التعويض.
ولفت قبها إلى أنه ونظرًا للظروف الحالية ومع التركيز على عدم إعفاء المستوطن المسؤول، فإن إحدى شركات التأمين قدمت نوعًا من أنواع التأمين ضد اعتداءات المستوطنين للمركبات بقيمة 500 شيقل بسقف تعويضي يصل ل100 ألف شيقل، وذلك ضمن شروط وهي التبليغ خلال فترة وجيزة حتى يكون هناك متابعة ورصد للمستوطنين الذين يقومون بهذه الأفعال الإجرامية، ويجب أن يتم تبليغ هيئة الجدار والاستيطان لأن تعويض شركة التأمين عن هذا الضرر لا يعني عدم ملاحقة هذه الجهات الاستيطانية من التعويض ودفع قيمة الضرر.
دور السلطة
وفيما يخص المنازل أشار إلى أنه لا يوجد تأمين ولكن هناك توجه مع وزارة الحكم المحلي بفكرة لم تنضج بعد وذلك لأنه في مناطق “ج” يوجد حجم تدمير وهدم كبير ولا يوجد بها وثائق تأمين وإن وجدت فهي لا تشمل الأعمال العدائية، مؤكدًا أنهم يتطلعون لوجود دور حكومي ولمؤسسات الدولة لتعزيز صمود الأهالي في هذه الأرض لأن دور مؤسسات السلطة هي تعزيز الوجود الفلسطيني في هذه المناطق.
وحول إمكانية وجود صندوق تكافلي يساهم في تعويض هذه الأضرار أفاد قبها بأنه عند الحديث عن هذا الصندوق فيعني الحديث عن إيرادات لهذا الصندوق واشتراكات ولكن الأوضاع المالية الحالية للشعب صعبة، خاصة في ظل عدم العمل في الداخل وعدم انتظام الرواتب وعدم انتظام تجارة أهالي الداخل في مناطق الضفة وأيضاً وجود الاغلاقات والحواجز فاليوم المواطن يعمل جاهدًا لتوفير قوت يومه.
الصندوق لا يلقى نجاحاً
وأضاف أن طرح فكرة صندوق تكافلي تتضمن اشتراكات شهرية أو سنوية شيء ربما لا يلقى نجاحًا، لأن فكرة الصناديق التكافلية قائمة على اشتراك الآلاف أو مئات الآلاف الذين يقومون بدفع الاشتراكات مقابل أنه عند وقوع الضرر والأذى يمكن تعويض المتضررين، وبهذه الطريقة وفي المناطق “ج” وقرب الجدار لن تكون منتجة بشكل كبير.
واختتم قبها حديث بأنه وفي ظل التوجه الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطين والذي يعد التزامًا قانونياً وأخلاقيًا عليهم فيجب أن يُترجم هذا الالتزام لأفعال حقيقية، فيمكن أن يكون هناك توجه أوروبي للجم المستوطنين وتعويض المتضررين من خلال عمل صندوق طارئ لخدمة المواطنين الفلسطينيين وهذا ليس منة منهم، بل هو التزام لأنهم هم من أوجدوا هذا الاحتلال الإسرائيلي على أراضينا.
الجهات الرسمية !
عازار وجه رسالته للجهات الرسمية بضرورة تحمل مسؤولياتها بشكل أكبر وتوفير الحماية للمواطنين حتى يستطيعوا الصمود في أرضهم والبقاء بها، مفيدًا بأنه قام بتحذير هيئة الجدار والاستيطان من إمكانية وقوع هجمات للمستوطنين عليهم وضرورة تشكيل لجان حماية لأهالي البلدة قبل وقوع هذه الاعتداءات، مؤكدًا أنه هذه المرة الأولى التي يتم بها هذا النوع من الاعتداء وحرق المركبات في البلدة.
تواصلت غرفة تحرير بالغراف مع الاتحاد الفلسطيني لشركات التأمين لكنها لم تلق رداً حتى ساعة نشر هذا التقرير.