loading

خمس حكايات قتلت.. مجمع ناصر شاهد على جريمة جديدة بحق الصحفيين

محمد عبد الله

“كان هنا بيتي وكانت هنا حياتي، ولقد انتهت الحياة بعد أن دمر هذا الاحتلال كل ما كان لنا في هذا المكان.. المكان! إنه موحش للغاية، كانت هنا الحياة وكان هنا الأطفال يلعبون وكان هنا الناس، وكانت هنا الحياة ولكن انتهت الحياة.. أين البيوت؟ أين الأطفال؟ أين الناس؟ الذين يسكنون في هذا المكان إنه المكان الموحش.. إنه المكان المظلم لا يبقى هنا غير الإطلال التي نبكي عليها”.

“لم يبقَ إلا الأطلال نبكي عليها”، بهذه الكلمات المؤثرة وصف المصور الصحفي حسام المصري منطقته السكنية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي، في حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.

كان المصري يعمل مصورًا في تلفزيون فلسطين الرسمي ووكالة رويترز للأنباء، قبل أن تغتاله طائرات الاحتلال في غارة استهدفته داخل مجمع ناصر الطبي في خان يونس.

وبعد لحظات، جدد جيش الاحتلال قصفه ليستهدف فرق الإنقاذ والإسعاف والصحفيين الذين هرعوا إلى المكان، فارتقى ثلاثة صحفيين آخرين:

مصور قناة الجزيرة محمد سلامة.

الصحفية في إندبندنت عربية ووكالة AP مريم أبو دقة.

مراسل شبكة NBC الأمريكية معاذ أبو طه.

مراسل شبكة قدس فيد أحمد أبو عزيز.

وبدروع وخوذ ومعدات ملطخة بالدماء، ودّع الصحفيون والأهالي زملاءهم الأربعة قبل مواراتهم الثرى في خان يونس، في مشهد موجع امتد التفاعل معه بشكل واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي.

مريم أبو دقة.. “أم غيث” وحارسة النار

بكلمات مؤثرة، نعى الصحفي أحمد حجازي زميلته مريم أبو دقة قائلاً:

“العزيزة مريم أبو دقة.. شهيدة المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مستشفى ناصر! خسارة فادحة لواحدة من أشجع من نقلوا الحقيقة من قلب الميدان.”

مريم التي تبرعت بكليتها لوالدها ورفضت أن تُصوَّر قصتها، وقفت إلى جانب الشهيد حسن إصليح منذ بداية الحرب، تقود سيارتها متحدية التهديدات لترافقه في كل تغطية. كانت أمًا مكافحة تفانت في تربية ابنها غيث، وأفنت عمرها لأجله.

وتقول الصحفية وفاء عبد الرحمن، مديرة مؤسسة فلسطينيات، في وداعها:

“لم تكن مريم أكبر الصحفيات ولا أقدمهن في محطة الصحفيات التابعة لفلسطينيات بخان يونس، لكنها كانت أمًا، ومفتشة البيت، تضبط ساعات النوم والصباح، لا تنتظر شيئًا. اكتملت أنتِ يا مريم.. ونحن نقصنا!”

محمد سلامة.. زفاف مؤجل إلى السماء

أما الصحفي محمد سلامة، فنعاه زميله أحمد حجازي بوصفه “شهيد الكاميرا والكلمة”. وقال عنه:

“فقد والدته صغيرًا، كان بارًا بوالده، وحلم أن يغير وضع عائلته ليعيشوا بكرامة. خلوق محبوب، لُقّب بالأسمر، أحب التصوير حتى أبدع فيه. ومع أول وقف لإطلاق النار، هرع إلى قبر والدته ليبكيها ويبوح بوجعه. خطب محبوبته، وكان ينتظر يوم فرحه، لكنه زُفّ إلى السماء قبل أن يُزف إليها.”

كما نشر الصحفي جهاد إدريس صورة لسلامة مع خطيبته الصحفية هلا عصفور، وكتب:

“محمد كان يعد الأيام بشغف لزفافه، يرسم مع هلا تفاصيل مملوءة بالأمل. لكن القصف الغادر سرق عمره، وترك قلبًا محبًا معلّقًا بين الذكرى والخذلان. هذا وجع وطن يُطفئ أحلام شبابه واحدًا تلو الآخر.”

معاذ أبو طه.. الخلوق الخدوم

بكلمات مقتضبة، وصفت الصحفية نور عاشور زميلها معاذ أبو طه بأنه “الخلوق الخدوم”.

أما صديقه الصحفي عبد الله العطار فكتب:

“استشهد صديقي وحبيبي معاذ.. يا رفيق أيامي وشريك تعبي وضحكي. رحيلك كسّر قلبي وترك فراغًا لا يُملأ. كنت صوت المظلوم ومرآة الحقيقة، واليوم أصبحت أنت الحكاية والوجع. نم مطمئنًا يا رفيق الدرب، فذكراك باقية ما حييت.”

حسام المصري.. شاهد الأطلال

كان حسام يروي حكاية الركام بدمعة وعدسة. صور بيته المهدّم، وكتب شهادته الأخيرة على وجع المكان، ثم ارتقى وهو يلاحق الحقيقة. بكلماته التي سبقت استشهاده، تحوّل إلى شاهد أبدي على ما تبقى من غزة.

أبو عزيز.. أسعى لأجل البقاء

متأثراً بجراحه التي أصيب بها في نفس الغارة على مجمع ناصر الطبي، ارتقى الصحفي أحمد أبو عزيز ليلتحق بزملائه الأربعة.

أحمد خريج معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، كان قد وصف بكلمات مؤلمة الواقع الذي يعيشه أهالي القطاع كل يوم في ظل حرب الإبادة المستمرة، قائلاً “لم تعد حياتي في غزة مجرد صراع من أجل الكرامة، بل معركة يومية من أجل البقاء”.

الحقيقة المستهدفة

مراسلة الجزيرة في غزة نور أبو ركبة اختصرت المشهد بقولها:

“قتلوا مريم، ومحمد، ومعاذ، وحسام.. قتلوهم وهم يحملون الكاميرات وأمام عيون العالم. قتلوهم ولم يأبهوا بكم.. قتل الاحتلال الصحفي والمسعف والطفل والمرأة، ولم يحسب للعالم حسابًا.”

رحلوا بالكاميرا في أيديهم، تاركين شهادتهم الأخيرة على قسوة الحرب، ومؤكدين أن الكلمة الحرة تُغتال في غزة كما يُغتال أهلها.

الشهيد السادس

وقبل أن تخرج هذه المادة إلى النور التحق الصحفي حسام دوحان مراسل الحياة الجديدة بزملائه الخمسة بعد استهداف خيمته في خانيونس.

كانت اخر كلماته:

“شهداء الحق ونقل الحقيقة والكلمة والصوت والصورة، شهداء الواجب الوطني والصحافة إلى جنات الخلد”

برحيل حسام ومريم ومحمد ومعاذ وأحمد وحسن، يرتفع عدد الصحفيين الذين استشهدوا في غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي إلى 246صحفيًا وصحفية، وفق إحصائيات مكتب الإعلام الحكومي في غزة. وهو الرقم الأعلى في تاريخ الحروب الحديثة ضد الصحفيين، بحسب بيانات منظمات دولية معنية بحرية الإعلام.

من جهتها، دعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين والاتحاد الدولي للصحفيين إلى تحقيق دولي عاجل في جرائم استهداف الإعلاميين، مؤكدين أن “القتل المنهجي للصحفيين في غزة يهدف إلى طمس الجرائم وقطع شريان الحقيقة”

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني