محمد عبد الله
لم تعد مسابقة “يوروفيجن” الغنائية حدثًا فنيًا وترفيهيًا فحسب، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة مواجهة رمزية.
ومع تصاعد الحرب في غزة، بات اسم إسرائيل في المسابقة يثير عواصف من الاحتجاجات والجدل، ويكشف حجم الهوة بين ما تريده الشعوب الأوروبية وما تصر المؤسسات الرسمية على تمريره.
وفيما يستعد العالم لمتابعة النسخة المقبلة من هذا الحدث الموسيقي الأكثر جماهيرية في أوروبا، تبدو المشاركة الإسرائيلية على المحك، وسط دعوات متزايدة لمنع مشاركتها والتهديد بالانسحاب.
مدير مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن”، أكد أن لكل بلد عضو في المسابقة حرية اختيار المشاركة من عدمها، وذلك عقب تلويح بلدان أوروبية بمقاطعة الحدث في حال مشاركة إسرائيل في النسخة المقبلة المقرر إقامتها في العاصمة النمساوية فيينا، بعد فوز النمسا بالمسابقة الأخيرة.
وأعلنت هيئة “أفروتروس” الهولندية للإذاعة والتلفزيون الجمعة، أنها ستقاطع المسابقة في حال مشاركة إسرائيل العام المقبل، بسبب الحرب في غزة، لتنضم إلى قائمة دول أوروبية تهدد بالانسحاب.
وقالت الهيئة إنها أخذت في الاعتبار عند اتخاذ القرار “المعاناة الإنسانية الكبيرة في غزة، والعدد الكبير من الصحفيين الذين لقوا حتفهم هناك”، مشيرة إلى أن مسابقة هذا العام شاهدها 166 مليون شخص عبر شاشات التلفزيون.
وانضمت هولندا بذلك إلى أيرلندا، التي سبقتها بيوم واحد في إعلان موقف مشابه. وكانت قناة “آر تي إي” الإيرلندية قد وصفت مشاركة إسرائيل بأنها “غير مقبولة” في ظل “الخسائر الفادحة والمستمرة في الأرواح في غزة”.
المواقف الأوروبية لم تتوقف عند ذلك، إذ أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون السلوفينية (RTVSLO) أنها لن تشارك في المسابقة المقبلة إذا استمرت إسرائيل في المشاركة، فيما صرّح وزير الثقافة الإسباني، إرنست أورتاسون، هذا الأسبوع، بأن بلاده يجب ألا تشارك أيضًا، مذكرًا بأن إسبانيا كانت قد طالبت في وقت سابق بطرد إسرائيل من المسابقة.
وتعليقاً على ذلك، قال رئيس لجنة فلسطين–بلجيكا، أحمد فراسيني في حوار مع “بالغراف”، إن دولة الاحتلال حاولت خلال السنوات الأخيرة تطبيع وجودها كدولة احتلال من خلال مشاركتها واقحام ذاتها في مختلف مجالات الحياة الأوروبية، سواء اقتصادياً أو ثقافياً أو فنياً أو رياضياً أو سياسياً.
وأوضح فراسيني، أن الجانب الثقافي والفني يظل بالنسبة لإسرائيل بالغ الأهمية، إذ ترى فيه وسيلة لتطبيع اسمها في الحياة اليومية الأوروبية بغض النظر عن كونها دولة احتلال، ولذلك فإن لمسابقة “يوروفيجن” رمزية خاصة بالنسبة لها.
وأشار فراسيني إلى أن هناك حراكات منذ سنوات لمنع إسرائيل من المشاركة والضغط على إدارة “يوروفيجن” والدول المشاركة لمنع استضافتها، لافتًا إلى أن مشاركة إسرائيل هذا العام جاءت وسط مظاهرات رافضة من جهة، ومظاهر “الوقاحة والبجاحة” ورفع الأعلام الإسرائيلية من جهة أخرى، كإصرار على التحدي وفرض الوجود.
وأضاف إن الوضع مختلف بالنسبة للعام المقبل، حيث بدأت الاحتجاجات مبكرًا، مع تهديدات هولندا وأيرلندا بالانسحاب، معربًا عن أمله في أن تحذو دول أوروبية أخرى حذوهما.
وتوقع فراسيني أن تكون مشاركة إسرائيل في النسخة المقبلة “غير سهلة”، كما حدث في مشاركتها بسباقات الدراجات الأوروبية، حيث وقف الآلاف ضد الفريق الإسرائيلي.
وأكد فراسيني: “نأمل، رغم الثمن الغالي الذي يدفعه الشعب الفلسطيني من خلال التطهير العرقي والتجويع والتهجير، أن يكون لهذه المواقف أثر جاد في منع وجود الاحتلال في النشاطات الثقافية والفنية”.
وختم بالقول إن الأشهر المقبلة ستشهد حراكات شعبية وسياسية متصاعدة، ستتكرس مع اقتراب موعد “يوروفيجن”، مضيفًا: “نأمل أن تنجح هذه الجهود في منع مشاركة إسرائيل، لأن هذه هي النتيجة الطبيعية ضد دولة ترتكب الإبادة الجماعية”.
ورغم التهديدات التي صدرت عن عدد من الدول الأوروبية، إلا أن اتحاد الإذاعات الأوروبية، المنظم للحدث، أكد أنه يتفهم “المخاوف والآراء الراسخة حول الصراع الدائر في الشرق الأوسط”. وقال مدير الاتحاد، مارتن غرين، في بيانٍ عبر البريد الإلكتروني: “ما زلنا نتشاور مع جميع أعضاء اتحاد الإذاعات الأوروبية لجمع آرائهم حول كيفية إدارة المشاركة والتوترات الجيوسياسية المحيطة بالمسابقة”.
وكانت مسابقة “يوروفيجن” التي استضافتها مدينة مالمو السويدية في أيار/ مايو 2024 قد شهدت احتجاجات واسعة على مشاركة إسرائيل، حيث هتف الجمهور “فلسطين حرة” بمجرد صعود المغنية الإسرائيلية على منصة المسرح، وهو ما اعتبره ناشطون دليلاً على تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة في العالم.
وتعد مسابقة “يوروفيجن” ثاني أكبر حدث تلفزيوني عالمي بعد كأس العالم لكرة القدم، حيث يتابعها أكثر من 160 مليون مشاهد. وتملك هولندا تاريخًا مميزًا في المسابقة، إذ فازت بها خمس مرات آخرها عام 2019 عبر أغنية “Arcade” للمغني دونكان لورانس.
وتشارك إسرائيل في المسابقة بصفتها عضوًا في اتحاد الإذاعات الأوروبية، وهو الجهة المنظمة للحدث والمشاركة في إنتاجه.
ووفقًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرلندية، فقد أثارت مشاركة إسرائيل نقاشًا داخل الاتحاد، حيث أشار عدد من أعضائه خلال اجتماع عُقد في تموز/ يوليو الماضي إلى وجود مشكلة جوهرية بشأن استمرار مشاركتها.