جيفارا سمارة
ليلة الأحد التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس، خرج نتنياهو ليذر الرماد في العيون، قائلًا: “الوقت ليس مُلائمًا الآن، لبسط السيادة على الضفة”، إلا أن أصوات جرافات المستوطنين التي تشق طريق استيطاني في ذات الليلة في منطقة غرب رام الله، تشي بخلاف ذلك.
نتنياهو كان يخاطب ممثلي مجلس مستوطنات الضفة، أنفسهم الذين يصلون الليل بالنهار (حرفيًا وليس مجازًا) لشق طريق ما بين بلدتي بيت عور الفوقا_بيتونيا غرب رام الله، يحمل في طياته أبعد من مجرد طريق استيطاني.
عضو مجلس قروي بيت عور الفوقا أشرف سمارة يقول لـ “بالغراف”: “إنهم حرفيًا يسابقون الوقت وتعمل جرافاتهم وآلياتهم في النهار على ضوء الشمس وفي الليل على ضوء الكشافات لشق الطريق، قبل أن يصدر أي قرار من أي محكمة إسرائيلية يمنعهم من مواصلة الطريق واقتلاع الزيتون في أراضي يحمل أصحابها، أوراق ثبوت الملكية لها”.
ويشير سمارة إلى أن القرية الآن باتت أشبه بجزيرة معزولة فعند استكمال الطريق الاستيطاني شمال القرية الذي يشق أرض القرية شمالًا ليتصل بمستوطنة بيت حورون شرقًا، والتي (المستوطنة) ترتبط جنوبًا بشارع 443 الاستيطاني، يعود الشارع ليرتبط مجددًا غربًا مع برج مراقبة ونقطة جيش وبوابة”.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد الخميس الماضي أنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.
وشككت وكالة “أسوشيتيد برس” الأميركية، بجدية وحتى قدرة ترامب على إجبار نتنياهو على اتخاذ قرار في هذا الشأن، فيما قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن العلاقة بينهما موضع تدقيق بعد أن تحدى نتنياهو مرارًا وبشكل علني رغبات الرئيس الأميركي.
اما صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فأكدت أن الحقائق التي تُفرض على الأرض بفعل جرافات المستوطنين تعني ضمًا كاملًا، أو حتى جزئيًا ولكنه يقضي على احتمال قيام دولة فلسطينية.
نتنياهو أكد الشهر الماضي أثناء موافقته على مشروع لتوسيع البناء بين مستوطنة معاليه أدوميم أنه: “لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا”، فيما شدد سموتريتش على أنه يعمل بالحقائق على الأرض على ما سماه “دفن فكرة الدولة الفلسطينية”.
ومع بداية العام الجاري 2025، أشارت منظمتا “السلام الآن” و”كيرم نافوت” الإسرائيليتان المناهضتان للاستيطان أنه تم إنشاء ما لا يقل عن 49 بؤرة استيطانية في الأشهر التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، بزيادة تقارب 50% منذ بداية الحرب في غزة.
وتقول هاجيت عوفران، العضو في حركة السلام الآن الإسرائيلية: “إن الطرق الجديدة التي يتم تجريفها حول بيت عور الفوقا وخارجها هي محاولة من إسرائيل للسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية، لفرض حقائق على الأرض، مؤكدة: “سيمضون في ذلك بقدر ما يملكون من القوة، وسينفقون الأموال”.
وذكرت أن إسرائيل خصصت سبعة مليارات شيقل (2.11 مليار دولار) لشق الطرق في الضفة الغربية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ، في عمق الضفة، مدعومة بشبكة من الطرق والبنية التحتية الأخرى الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
وتشير عوفران إلى أن ما تفعله الحكومة الآن هو تهيئة البنية التحتية لمليون مستوطن يريدون استقطابهم إلى الضفة، مضيفة: “بدون الطرق، لا يمكنهم القيام بذلك. إذا كانت هناك طرق، ففي نهاية المطاف، وبشكل طبيعي تقريبًا، سيأتي المستوطنون”.
ووصف مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، في تقرير صدر عام 2004، شبكة الطرق والطرق الجانبية المؤدية إلى المستوطنات التي بنيت على مدى عدة عقود بأنها “نظام الطرق التمييزي الإسرائيلي”. وقال إن بعض الطرق تهدف إلى تشكيل حاجز فعلي لخنق التنمية الحضرية الفلسطينية.
وقال وزراء متشددون في حكومة نتنياهو أنه يجب الرد على الاعتراف المتزايد بدولة فلسطينية من خلال “بسط السيادة” الإسرائيلية رسميًا على كل أو أجزاء من الضفة الغربية المحتلة لتبديد الآمال في استقلال الفلسطينيين، حيث يضغط التيار الأكثر يمينية لضم نحو 60% من الضفة، في حين يُطالب التيار الأيديولوجي المتطرف، الذي يمثله سموتريتش، بضم أبعد وأكثر من مجرد مناطق “ج”.
وهو ما يتضح أكثر من خلال إعطاء الصلاحية والسلطة للمستوطنين على الأرض، كما في حال أحدُ مواطني قرية بيت عور الفوقا، ويدعى منيف محمود سمارة، حيث شرع منذ أيامٍ بتجريف أرضه الواقعة في المنطقة المصنَّفة “ب” داخل حدود المخطَّط الهيكلي للقرية، بغرض البناء. قطعة الأرض محاذية للمنطقة المصنَّفة “ج”.
وبعد يومين من أعمال الحفر والتجريف، وصل مستوطن من البؤرة الاستيطانية التي أُنشئت قبل شهرين، وحذَّر سائق الجرافة من الاقتراب من منطقة “ج”. وبعد يومٍ آخر عاد المستوطن، وحذَّر السائق من المساس بأكوام الطمم والتراب التي جرفها، والتي امتدَّت من منطقة “ب” إلى “ج” على بعد مترين في ذات قطعة الأرض التي يملك فيها أوراق ثبوت ملكية (طابو)، بذريعة أن هذا التراب أصبح الآن داخل منطقة إسرائيلية.
وليفاجَأ صاحب قطعة الأرض بعودة دورية تابعة للجيش بعد يوم، لتُبلغه بضرورة الالتزام بتعليمات المستوطن حرفيًا، وإلا فستكون هناك عواقب.
وهو ما أكدته صحيفة “ذا غارديان” البريطانية في تقرير لها بتاريخ 20 يونيو 2024، حيث اشارت إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نقل صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية إلى موظفين مدنيين مؤيّدين للاستيطان تحت الإشراف المباشر من وزير سماوتريخ، بما في ذلك صلاحيات تتعلق بالتخطيط والبناء في منطقة”ج””.
وأكدت الصحيفة أن “هذا الانتقال من القوات العسكرية إلى الجهاز المدني يُعد خطوة مهمة في توسعة السيطرة المدنية الإسرائيلية داخل الضفة المحتلّة”، وهو ما أكدته حرفيًا أيضًا، منظمة J Street Policy Framework الداعمة للكيان الإسرائيلي، في منشور بتاريخ 1 يوليو 2025.