loading

جلسات لمة صحافة تناقش: الإعلام الفلسطيني في زمن التحولات الكبرى.. قصف الحقيقة من الجو ومن الخوارزميات

يزن حاج علي

في ظلّ التحولات العالمية التي تعصف بقطاع الإعلام، نظّم ملتقى “لمة صحافة” جلستين حواريتين تحت عنوانين: “الإعلام الفلسطيني اليوم بين نار الحرب وتحديات العصر”، و “الصحافة في ظل التحول الرقمي، تطلعات وتحديات”، بمشاركة عدد من الأكاديميين والصحفيين.

وناقشت الجلسات، التي عُقدت بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة، قضايا شائكة تتعلق بواقع الإعلام الفلسطيني، أبرزها: الإنهيار الاقتصادي للمؤسسات، وتحديات التحقق والمصداقية، الاستهداف الميداني للصحفيين الفلسطينيين خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، وضبابية البيئة القانونية والتشريعية، وصولًا إلى السردية الفلسطينية في الفضاء الرقمي العالمي.

التحول الرقمي: واقع متغير وبيئة متصدعة

افتُتحت الجلسات بمداخلة للباحث في الإعلام والرأي عبد الله زماري، والتي أشار فيها إلى أن الشباب الفلسطيني بات يعاني من أثر سلبي عميق نتيجة الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي انعكس على التركيز والارتباط الاجتماعي، إذ أظهرت دراسة أن 60% من المشاركين أفادوا بتراجع علاقاتهم الواقعية بفعل هذه الوسائل.

كما أوضحت الدراسة أن هناك تصاعدًا في النزاعات السياسية عبر الفضاء الرقمي، ما أدى إلى إنهاء صداقات وانقسامات تتجاوز الواقع إلى العالم الافتراضي. ولم تكن هذه المنصات مجرد مساحة للتعبير، بل أصبحت، بحسب زماري، وسيطًا ناقلًا لخطاب الكراهية، بما يهدد السلم الأهلي الفلسطيني.

أما الأكاديمي والباحث د. إبراهيم ربايعة، فقد أشار إلى انهيار ما أسماه النموذج الاقتصادي للإعلام الفلسطيني، خاصة بعد حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، حيث تقلّص سوق الإعلان إلى الحد الأدنى، وأصبحت معظم المؤسسات تعتمد على المنح الخارجية بشكل هش وغير مستدام.

وحذّر ربايعة من محاولات “ترقيع” هذا الانهيار بنماذج مؤقتة، داعيًا إلى تبني نماذج جديدة مثل التعاونيات الإعلامية، مع إشراك المجتمع المدني كمكوّن فاعل في عملية الإنقاذ، بالتوازي مع تعزيز حاضنات الإعلام الرقمي وتطوير أدوات مهنية للتحقق من الأخبار ومواجهة الرواية الرسمية المضللة.

الإعلام الرقمي: سردية التأثير وكسر المركزية

الصحفية سماح وتد تناولت مسألة الرواية الإعلامية الفلسطينية في ظل هيمنة الإعلام الإسرائيلي على السرد الغربي، مشيرة إلى أن الكثير من المؤسسات الدولية تتناول رواية الاحتلال كمصدر وحيد، دون التحقق من صحتها أو فحصها ميدانيًا.

وفي هذا السياق، أعلنت عن إطلاق مشروع غرفة التحقق من الأخبار بالتعاون مع لمة صحافة، والتي تهدف إلى تفنيد الأخبار الإسرائيلية ومساءلتها مهنيًا، وتقديم رواية فلسطينية موثقة تخاطب الإعلام الغربي بلغاته ومنهجيته.

وأكدت وتد أن “الصحفي اليوم ليس ناقلًا للمعلومة فقط، بل هو حارس للثقة العامة”، وأن الإعلام الرقمي، رغم مخاطره، بات الأداة الأقوى لتشكيل الرأي العام، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا. وأضافت بقولها: “في عالم ما بعد الحقيقة، من لا يوجد في الإعلام الرقمي، لا تأثير له”.

الحرب والإعلام: الحقيقة تحت القصف

الجزء الثاني من الجلسات تناول التحديات الميدانية التي واجهها الإعلام الفلسطيني خلال العدوان على قطاع غزة، حيث تحدث الصحفيون عن واقع العمل الصحفي في ظروف الإبادة والحصار والاستهداف المباشر.

مدير المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا، أكد أن الصحفي الفلسطيني تمكّن، رغم استهدافه، من نقل صورة الحرب للعالم أجمع، مشددًا على أن التغطية الفلسطينية لم تكن فقط مهنية، بل إنسانية ووطنية وحقوقية في آنٍ واحد.

وأشار إلى أن الصحفيين نجحوا في كشف زيف القانون الدولي الذي لم يستطع حمايتهم، مضيفًا:

“نوصي بتوثيق هذه التجربة، لأنها تعبّر عن فشل العالم في حماية الصحفي الفلسطيني”.

من جهته، أوضح الصحفي مروان الغول أن الصحفيين الفلسطينيين ليسوا أرقامًا، بل قصصًا حية، وتجارب إنسانية قاسية دفعت ثمن الحقيقة من دمهم وعائلاتهم، مضيفًا أن الصحفي الفلسطيني واصل التغطية رغم الجوع، والقصف، وانعدام الموارد، ملتزمًا بنقل الحقيقة للعالم.

أما الصحفي سليمان حجي، فتحدّث عن أهمية التوثيق الرقمي للأحداث، مشيرًا إلى أن البيانات والصور يمكن التلاعب بها إذا خرجت من سياقها، لكنه شدد على أن الصحفي الغزي، ورغم كل الضغوط النفسية والميدانية، أثبت قدرته المهنية التي تفوقت على كثير من الصحفيين الأجانب، الذين غالبًا ما يغطون الحدث بما يناسب سرديات مؤسساتهم.

بيئة قانونية خانقة

في محور الحريات، قدّم الباحث الحقوقي عمار جاموس مداخلة نقدية حول قانون الجرائم الإلكترونية في الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه أصبح أداة لتجريم الصحفيين وتقييد حرية التعبير.

وسرد جاموس نماذج عديدة عن حظر مواقع إلكترونية دون مبررات واضحة، مثل حظر موقع قناة الجزيرة، مشددًا على أن الأزمة لا تتعلق فقط بالقانون، بل بالسياسة الجنائية العامة للسلطة الفلسطينية.

وطالب بإقرار قانون يضمن الحق في الحصول على المعلومات، ويوفّر الحماية للصحفيين، مع تنظيم العلاقة بين شركات الاتصالات والجهات الأمنية لضمان حماية خصوصية المستخدمين.

عدد الشهداء الصحفيين: إحصائيات مروعة

•بحسب تقرير اللجنة لحماية الصحفيين (CPJ)، حتى 30 تموز 2025، تأكد مقتل 186 صحفيًا وعاملًا في الإعلام مُنهم 178 فلسطينيًا في غزة، من بينهم صحفيون محليون تعرضوا للقصف أو الهجوم أثناء ممارستهم عملهم.

 Committee to Protect Journalists

• وتظهر بيانات أخرى أن مئات الصحفيين تعرضوا لإصابات أو أضرار مادية خلال العمل الإعلامي في غزة، بعضها أدى إلى مشاكل صحية طويلة الأمد أو وفاة لاحقة لندرة الإمكانات الطبية أو الاستجابة الملائمة. home.watson.brown.edu+2The New Arab+2

دور الصحفي الفلسطيني في كسر سردية الاحتلال

من بين النقاط التي برزت بقوة في الجلسات الحوارية، من خلال تأكيد المتحدثين أن الإعلاميين الفلسطينيين في غزة لم يكتفوا بنقل الوقائع فحسب، بل قاموا بدور فاعل في تحدي الروايات المضادة التي تروّجها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية.

وذلك عبر التوثيق الرقمي والميداني، وتصوير المشاهد من مواقع القصف، ونقل معاناة المدنيين، والمجاعة، والدمار، الأمر الذي اضطر العديد من المنصات الإعلامية الغربية إلى التعامل مع المعلومات الفلسطينية بجدية أكبر، أو على الأقل أن تواجه الأسئلة حول دقة الروايات التي حاول الاحتلال تصديرها منذ اليوم الأول للحرب.

أبعاد هذه المساهمة لم تقف عند حدّ المعاناة، بل ذهبت إلى بناء الأدلة: صورة، فيديو، شهادات حيّة، تنقل الواقع بأدوات يمكن التحقق منها، مما غير المعادلة بين “الخبر الرسمي” و”الرواية الفلسطينية”. وقد أكدت المتحدثة سماح وتد إطلاق مشروع غرفة التحقق للتأكد من الروايات الإسرائيلية ومساءلتها، كونه استجابة مباشرة لحالة التضليل التي رافقت الحرب.

تحوّل قضية الإبادة إلى قضية دولية وتحشيد الرأي العام العالمي

مما لا شك فيه أن الجهد الصحفي الفلسطيني في غزة حمل أبعادًا دولية، فقد نجح في تحفيز الإعلام الغربي والدولي على تغطية الأحداث: من خلال الصور والفيديوهات التي انتشرت عالميًا، ومن خلال شهادات الصحفيين المحترفين التي تحدّثت عن الواقع تحت القصف، حتى بات من الصعب تجاهل ما يحدث في غزة؛ ما أدى إلى مفارقة أن الإعلام الفلسطيني الموصول عبر الرقمي صار المصدر الرئيسي للرواية والمعلومة الدقيقة للعالم الخارجي.

إضافة لإثارة القضايا القانونية والأخلاقية أمام الهيئات الدولية: استُخدمت المعلومات والتوثيق كأدلة في دعوات حقوقية تطالب بتحقيقات دولية، محاكمات، ومساءلة في انتهاكات حرية الصحافة. وقد برزت مطالبات واضحة بإنصاف ذوي الشهداء الإعلاميين ووقف الاستهداف المنهجي للصحفيين.

وقد حقق ذلك الضغط من الرأي العام العالمي، الذي قاده مستخدمون ناشطون، ومنظمات حقوقية، وصحف ومواقع دولية، بدأوا في نشر المحتوى الفلسطيني، ترجمته، دعمه، والسير في حملات تضامن كبيرة رفعت شعارات حماية الصحفيين، حرية الإعلام، وكشف الحقيقة، مما وضع الاحتلال تحت مراقبة أخلاقية وسياسية أقوى.

صحافة فلسطينية بين نارين

لا يواجه الإعلام الفلسطيني اليوم تحديات مادية وقانونية، بل يخوض معركة وجودية من نوع جديد: معركة السردية، الحقيقة، والضمير العالمي. الأرقام المهولة للشهداء الصحفيين تُثبت أن الحرب تستهدف أكثر من البُنى المادية؛ تستهدف من يُوثّق، يُخاطب، يُعرّي الحقائق.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني