كتب عبد القادر بدوي
بدايةً؛ حرمت سلطات الاستعمار الإسرائيلي، وباعتقالها لقرابة مليون فلسطيني وفلسطينية منذ بدء الاستعمار الاستيطاني لفلسطين، أجيالاً بأكملها من ممارسة حقّهم في التعليم المدرسي والجامعي، حيث يُسلب هذا الحقّ من الفلسطيني/ة، كما يُسلب حقّهم في الحياة والحرية، منذ لحظة اختطاف الأسير/ة واحتجازه بعيدًا عن عائلته ومجتمعه وأبناء شعبه.
ولم تكتفِ بذلك؛ بل أبقت على هذا الحرمان حتى داخل السجون، ومنعت الأسرى والأسيرات من ممارسة حقّهم في التعليم لعقود طويلة، إلى أن تمكّن الأسرى وبعد سلسلة طويلة من الإضرابات الجماعية عن الطعام من انتزاع هذا الحقّ، وتحديدًا من خلال الإضراب الشهير عام 1992، إذ تمكّن الأسرى من خلاله من انتزاع جملة من حقوقهم المحرومين منها، بما في ذلك الحقّ في التعليم، بشقّيه المدرسي والجامعي، لكن في حدود الجامعات الإسرائيلية (تحديدًا الجامعة العبرية المفتوحة)، والتي استفاد منها عدد محدّد من الأسرى (لم يتجاوز العشرات)، ذلك لأن التعليم والتعلّم من خلال هذه الجامعة، تم توظيفه، منذ البداية، كأداة تحكّم (عقابية)، وسيف مُسلّط على رقاب الأسرى (من حيث السماح بالالتحاق بالجامعة، والقدرة على مواصلة التعليم)، ناهيك عن خضوع التعليم من خلال هذه الجامعة، وبشكل مطلق، لمزاجية إدارة مصلحة السجون وضُبّاط استخباراتها، بوصفها ذراع للمنظومة الاستعمارية (الجهاز المسؤول عن السجون والمعتقلات).
سنحاول من خلال هذه المساهمة تسليط الضوء على تجربة التعليم الجامعي داخل السجون الإسرائيلية، من خلال تجربة التعليم في سجن العزل الجماعي- سجن هداريم، أو ما اصطُلح على تسميتها في أوساط الأسرى “جامعة هداريم”. وجامعة “هداريم” وليس أي اسم آخر، كي لا تُنسينا تجربة التعليم، أو غيرها من التجارب المشرقة والمشرّفة في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة- مهما تضمّنت من إبداع ونماذج بطولية- أن الأسرى، مؤسّسو هذه التجربة وروّادها، كما غالبية المُلتحقين بها، لا زالوا يقبعون في السجون، ويُمضون سنوات طويلة، تجاوز بعضهم أربعة عقود.
حيث يُصادف (الخامس عشر من نيسان)، ومع الشروع بكتابة هذه السطور، ذكرى مرور عشرين عامًا على اختطاف القائد الوطني مروان البرغوثي (تم اختطافه في العام 2002)، الذي يُنسب إليه الفضل الأكبر في تدشين، وإنجاح، تجربة التعليم الجامعي في سجن “هداريم”، ومن خلالها بقية السجون والمعتقلات، آملاً في أن يكون هذا العام، هو عام تحرّر الأسرى والمسرى من ظُلم وبطش المنظومة الاستعمارية، وعام الحرية والعودة وتقرير المصير لشعبنا.
تستند فلسفة التعليم الجامعي في سجن هداريم، أو جامعة “هداريم”، إلى مبدأ استبدال رقم الأسير- الذي تمنحه “إدارة مصلحة السجون” للأسير بمجرّد دخول السجن- بالرقم الجامعي؛ وهي فلسفة تبنّاها مؤسّس هذه التجربة والمشرف الرئيس عليها، القائد الوطني الدكتور مروان البرغوثي، حينما بدأ بتشييد الصرح الأكاديمي داخل سجن العزل الجماعي – سجن هداريم عام 2012 الذي انطلقت منه تجربة التعليم الجامعي، ولأول مرة، من خلال جامعاتنا الفلسطينية، بشكل رسمي ومتواصل، من خلال جامعة القدس- أبو ديس، وضمن نظام جامعي حقيقي ومنضبط وذات مصداقية عالية، بعد أن كان التعليم داخل السجون حتى ذلك الوقت (2012)، مقتصرًا على الجامعة العبرية وبإشراف “إدارة مصلحة السجون” وخاضع لشروطها ومزاجيتها كما ذكرنا أعلاه، والتي تم إيقافها، بشكل نهائي، عام 2010، ضمن سلسلة العقوبات التي فُرضت على الأسرى السياسيين، المعروفة في أوساط الأسرى بـ “قانون العقوبات” أو بـ “قانون شاليط”، حيث تضمّنت هذه العقوبات، من ضمن عقوبات كثيرة أخرى، حرمان الاسرى من التعليم الذي انتزعه الأسرى من خلال نضالهم الطويل على مدار العقود التي سبقت تلك الفترة (وتحديدًا في إضراب الأسرى 1992 كما أشرنا أعلاه).
للتوضيح هنا، هناك عدّة مسارات/ برامج للتعليم الجامعي داخل السجون في الفترة الحالية، أولها حلقة البحث والدراسة في جامعة القدس- جامعة سجن “هداريم”- وتضم برنامج البكالوريوس في العلوم السياسية وبرنامج الماجستير في الدراسات الإقليمية مسار الدراسات الإسرائيلية؛ يُشرف عليها الدكتور مروان البرغوثي بنفسه.
بالإضافة إلى تجربة جامعة القدس المفتوحة، وتضم برنامج البكالوريوس في التاريخ، والذي أصبح متاحًا في بقية السجون والمعتقلات التي لم تطالها تجربة جامعة القدس، لأن سجن هداريم – وهو سجن للعزل الجماعي يتّسع فقط لـ 80 أسير، يضم غالبية الأسرى المعزولين، وتتحكّم “إدارة مصلحة السجون” في التنقلات من وإلى هذا السجن، ومن هنا كان التحدي الأكبر بأن يتم تخريج أكبر عدد من الأسرى المتواجدين في “هداريم” ومن ثم التوجّه، ما أمكن، إلى السجون والمعتقلات الأخرى، واستنساخ هذه التجربة والإشراف على العملية التعليمية فيها، لكن ضمن إطار جامعة القدس المفتوحة فقط، وقد تمكّن الأسرى بالفعل من ذلك، في العام 2016، أي بعد مرور قرابة الأربع أعوام، حيث اشترطت جامعة القدس المفتوحة وجود هيئة أكاديمية لا تقلّ عن 7 أشخاص، يحملون درجة الماجستير لمنح الأسرى في السجون والمعتقلات إمكانية التعلّم من خلالها في برنامج البكالوريوس.
ناهيك عن العديد من المحاولات، والتجارب الناجحة التي تمكّن الأسرى من خوضها على مدار العقدين الماضيين، وتحديدًا منذ الانتفاضة الثانية، والتي اقتصرت في غالبيتها على بعض الأقسام، وفي بعض السجون، من خلال جامعات قطاع غزة، مثل جامعة الأقصى (اقتصرت بشكل رئيسي على أسرى حركة حماس بسبب وجودها في الأقسام التي تضمّهم).[1]*
تجربة فريدة
في الحقيقة، سأقف هنا أكثر على تجربة التعليم في سجن هداريم، لفرادتها في تاريخ الحركة الأسيرة، ولما تمثّله وتحمله هذه التجربة من نزاهة وجدّية من قِبَل القائمين عليها، والمنخرطين فيها (الطلبة) أيضًا؛ إذ شكّل الدكتور مروان البرغوثي بشخصه وإمكانياته الأكاديمية والثقافية، ناهيك عن جهده الكبير المبذول، ضمانة حقيقية لإنجاح هذه التجربة الريادية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فقد مثّلت حلقة النقاش والدراسة في هذا السجن، محطّة نادرة اجتمع فيها الأسرى من أبرز كوادر وقيادات الانتفاضتين -الأولى والثانية، ومن كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي الذين اجتمعوا في هذه الجامعة، مدرّسين وزملاء في ذات الوقت. تنبع فرادة هذه التجربة من أنها تمكّنت من تحويل السجن لجامعة حقيقية، تجري فيها العملية التعليمية وفق نظام أكاديمي صارم، مُلتزم بكافة شروط ومعايير الأمانة الأكاديمية والبحثية التي تراعيها الجامعات في الخارج، بل وأكثر في كثير من الأحيان، بدءًا من المحاضرات التي تمتد لساعات مضاعفة عن عدد الساعات التي يتطلّبها نفس المساق في الخارج. مثلاً تمتدّ محاضرة مساق البكالوريوس لمدة ساعتين بواقع محاضرتين أو ثلاثة في الأسبوع (حسب المساق وتصنيفه بين إجباري او اختياري)، أما محاضرة مساق الماجستير فتمتد لأكثر من 4 ساعات على مدار الفصل الدراسي الذي لا يتضمّن أيام عطلة،[2]* إلّا في حالات نادرة جدًا.
تُعقد هذه المحاضرات في ظروف أقل ما يُقال عنها أنها صعبة وقاسية، حيث يجلس الطالب على الأرض طوال فترة المحاضرة في الصيف والشتاء، بعدما أقدمت “إدارة السجن” ووحدات القمع الخاصة بالسجون، على مصادرة المقاعد التي كانت تستخدم للجلوس أثناء المحاضرات في ساحة السجن في محاولة للضغط على الأسرى لوقف التعليم (في العام 2018)، وانتهاءً بالتقدّم للامتحانات التي تراعي شروط الأمانة العملية، والرقابة الصارمة والشديدة في البكالوريوس، وإعداد مشاريع التخرّج في السنة الأخيرة ومناقشتها، بعد أن يتم عرضها على لجنة المناقشة، ضمن إجراءات لا تقل تعقيدًا عن الجامعات في الخارج، وإعداد الأوراق البحثية في مواضيع متخصّصة في الشأن الإسرائيلي، تراعي كافة شروط وأخلاقيات الأمانة الأكاديمية والبحثية وقواعد ومعايير التوثيق في برنامج الماجستير. جدير بالذكر أن هذه العملية تستند إلى عدد كبير من المراجع المتوفرة في مكتبة السجن، التي تضم آلاف الكتب والمجلات والمقالات والصحف تم مراكمتها وأرشفتها منذ بدء العملية التعليمية عام 2012.
فمثلاً، نُشير هنا إلى بعض المساقات التي يتم تدريسها ضمن برنامج الماجستير: مدخل إلى الثقافات العالمية؛ اقتصاد عالمي متغيّر؛ الصهيونية فكر وممارسة؛ النظام السياسي الإسرائيلي؛ الاقتصاد الإسرائيلي؛ التركيبة الاجتماعية والتقسيمات الإثنية؛ القضاء الإسرائيلي؛ الاستيطان؛ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الجيش الإسرائيلي؛ الإعلام والصحافة في إسرائيل؛ المفاوضات العربية-الإسرائيلية، الحروب العربية-الإسرائيلية، بالإضافة إلى مساق “حلقة بحث” والذي يتناول في كل مرة موضوعًا مختلفًا.
كما ويتم إعداد الأوراق البحثية كمتطّلب إجباري في هذه المساقات إلى جانب الامتحانات النهائية، وينتهي البرنامج (الماجستير) بالتقدّم للامتحان الشامل (وهو خيارًا مُتاحًا في البرنامج الذي تطرحه الجامعة في الخارج) بسبب غياب شرط وجود لجنة أكاديمية مكونة من 4 على الأقل حاصلين على درجة الدكتوراة للإشراف على مناقشة الأطروحة.
اقتحامات ومصادرة
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هذه العملية برمّتها، لم تكن، يومًا، مرهونة أو مشروطة بتسهيل أو بتيسير من قِبَل السجانين أو “إدارة السجون”، بل بالعكس من ذلك؛ فهم لم يدّخروا جهدًا للإعاقة والتعطيل وفرض إجراءات عقابية متتالية لوقفها؛ ففي العام 2018 مثلاً، قرّر المستوى السياسي الإسرائيلي، وتحديدًا ما يُعرف بوزير الأمن الداخلي حينها “جلعاد أردان” وقف العملية التعليمية من ضمن العقوبات التي فُرضت على الأسرى حينها، وعلى الفور، امتثلت “إدارة مصلحة السجون” لهذا القرار، وبدأت بمصادرة المقاعد الموجودة في ساحة السجن التي يتم استخدامها للجلوس أثناء المحاضرات، إلى جانب الاقتحامات وعمليات التفتيش المتكرّرة لغرف الأسرى وللمكتبة ومصادرة الكتب والمجلات والأوراق البحثية التي يتم إعدادها، وصلت هذه الهجمة ذروتها في نهاية العام 2018 حينما قامت وحدات القمع المختلفة باقتحام الغرف والمكتبة والسطو على المكتبة والغرف، وقامت بمصادرة أكثر من 4500 كتاب ومجلة وورقة بحثية تستخدم في العملية التعليمية، بالإضافة إلى نقل الدكتور مروان البرغوثي المشرف على هذه التجربة، والمدرّس الوحيد لمساقات الماجستير، إلى العزل الانفرادي لعدّة أسابيع، ومعاقبته بالعزل والمنع من زيارة المحامي والأهل (وهي خطوة تكرّرت عشرات المرات منذ بدء العملية التعليمية)، إلى جانب الشروع بحملة تنقّلات طالت غالبية أعضاء الهيئة الأكاديمية الذين أوكلت إليهم عملية التدريس في بعض المساقات، ضمن برنامج البكالوريوس، بعد أن حصلوا على درجة الماجستير في نفس السجن مثل الأخوة كريم يونس ووليد دقة؛ عاهد أبو غلمي؛ حسام شاهين؛ إبراهيم حامد؛ ثابت المرداوي؛ هيثم حمدان وغيرهم.
لكن إرادة الاستمرار والحرية غلبت كل محاولات سلب الإرادة، وكان ردّ الدكتور مروان البرغوثي والأسرى في حينه، “نحن لم نحصل على إذن لا أردان ولا الشاباص للدراسة في الجامعة، هذا حقّنا، ولن نتوقف مهما كان الثمن”، وبالفعل، تم استئناف العملية التعلمية فور عودة الدكتور مروان البرغوثي من العزل بعد خطوات تصعيدية احتجاجية شهدها السجن للضغط من أجل إعادته، وتم التغلّب على معضلة غياب المقاعد التي تمت مصادرتها بالجلوس على الأرض خلال المحاضرات التي تمتدّ لساعات طويلة، وقرّر أن يُقدّم الدكتور مروان المحاضرات واقفًا، كما تم العمل على إعادة إدخال الكتب والمجلات التي تمت مصادرتها- لكن بطرق أخرى للتحايل على الآلية المعقّدة التي فُرضت على إدخال الكتب والمجلات إلى السجن.
في الحقيقة، سمحت هذه التجربة لنا أن ندرك أنه بإمكان الإرادة الحرة والمسؤولية الوطنية، والانتماء لقلق السؤال أن يُحيل السجن إلى جامعة، والمعتقل إلى أكاديمية، والقيد المدّمر إلى التزام وانتظام خلّاق، والزمن الدائر الميت إلى زمن حيوي متصاعد.
فمن خلال التعليم أصبحنا نمارس قدرًا كبيرًا من الحرية التي نتوق إليها. كما وأسهمت هذه التجربة، ولم تزل حتى لحظات كتابة هذه السطور، بشكل كبير، في إعادة بناء الوعي التحرري لمئات الأسرى من كافة التنظيمات، خصوصًا في ظل تراجع عمليات التثقيف والتعبئة الوطنية الحزبية، حدّ الاختفاء، خلال العقد المنصرم، وفي الوقت الذي تعمل فيه إدارة السجون ليلاً ونهارًا- بوصفها أحد أذرع المنظومة الاستعمارية- على صهر وعي الأسرى عبر ما تفرضه من نظام صارم للتحكّم والسيطرة. ناهيك عن أن هذه التجربة، حولت الأسرى من كونهم “موضوعًا” لمخططات وسياسيات المنظومة الاستعمارية الرقابية والعقابية، إلى فاعلين حقيقين، يمتلكون الأدوات والمعرفة المطلوبة لتحويل هذه المنظومة برمّتها، ومشروعها الاستعماري، لموضوع يخضع للبحث، وتفكيكها معرفيًا ونظريًا، بموازاة، ولتدعيم، الاشتباك والمواجهة اليومية والميدانية (العملية) التي لم تتوقّف منذ لحظة الاعتقال، حدّ إنتاج معرفة حقيقية بعيدًا عن التفكير الرغبوي والشعارات، ما انعكس بشكل لافت في تعزيز عملية المواجهة والاشتباك اليومي، وعلى مدار الساعة مع “إدارة السجون”، ناهيك عن تأثير هذه العملية على حياة ونفسية الأسير نفسه، وعلى علاقته بزملائه وأخوته ورفاقه في السجن، والعلاقة مع العالم الخارجي (الأهل والأصدقاء).
من ناحية أخرى، تمكّن الأسرى الذين حُرموا من تعليمهم بسبب الأسر والاعتقال من إكمال تعليمهم بفضل هذه التجربة. استعرض هنا بعض المعطيات حول عدد الأسرى الذين استفادوا من هذه التجربة حتى نهاية العام المنصرم (2021) الذي بلغ 373 على النحو التالي: خريجي البكالوريوس 189؛ خريجي برنامج الماجستير 109؛ الملتحقين ببرنامج البكالوريوس 29؛ أما في برنامج الماجستير 46. علمًا أن عدد حملة الشهادات بشقيها البكالوريوس والماجستير قبل انطلاق تجربة جامعة “هداريم” كان محدودًا جدًّا في كافة السجون والمعتقلات.
قبل الختام؛ اقتبس من الأسرى وليد دقة وباسم خندقجي في توصيفهم لهذه التجربة، من خلال مواد تمكّنت من رؤية النور، يقول وليد:
“إن الدراسة الأكاديمية شكَّلت حامية للوعي في ظلّ غياب الثقافة والتعبئة الوطنية، بل حالت دون تشوُّه الوعي في ظلّ الانقسام الفلسطيني الذي تحول إلى موضوع بحثي للطلاب الأسرى.” ويضيف: “إن لقاء الأسرى من كافة الفصائل في حلقات دراسية شكَّل فرصة للنقاش الموضوعي حول الهموم الوطنية، وتمرينًا في الحوار الديمقراطي، حيث شكّل برنامج الدراسات الإسرائيلية لدرجة الماجستير في سجن هداريم، والذي يشترط إتقان الطالب اللغة العبرية، فرصة لفهم الآخر ليس من باب “اعرف عدوك”، الذي ينحصر في المعرفة الأمنية والعسكرية؛ وإنما إدراك الأسس الفكرية والدينية التي تقف خلف مشروعه الكولونيالي.”
أما الأسير باسم خندقجي فيقول: “إن التعليم في الدراسات العليا في سجن هداريم ليس صالون ثقافي، كما أنه ليس محاضرة عابرة؛ بل حلقة علمية قائمة على أساس التثقيف من خلال التعليم المفتوح والنقدي، وليس على أساس التثقيف اللاممنهج أكاديميًا وعلميًا؛ إذ يأتي الأسير إلى المحاضرة على أتمّ الجاهزية من حيث التحضير الجيد للمحاضرة وصياغة الأسئلة وما التبس عليه، ساعيًا قدر الإمكان لتحييد انتمائه السياسي عن أجواء العملية الأكاديمية، وهذا ما نجح في تعزيزه د. مروان البرغوثي من خلال إشاعته لأجواء التفكير المفتوح والنقدي وتعزيز الوعي بالحرية الفكرية وآليات التفاعل العلمي، ما أدى بالنهاية الى تطوير مستوى الحلقة الأكاديمية والارتقاء بها نحو مستويات قلّ مثيلها في الجامعات الفلسطينية.” ويضيف؛ “إنه تعليم مسكونٌ بالنقد والتفاعل، وهو نقيض للتعليم البنكي الإيداعي التعسّفي؛ إذ أن الطالب في جامعة هداريم شريك فاعل وكامل في العملية التعليمية وليس منفعل بها فحسب.”
[1]* منذ الانقسام الفلسطيني، وتحديدًا منذ العام 2007، عملت “إدارة مصلحة السجون” على فصل أسرى حركتي فتح وحماس عن بعضهما البعض، باستثناء سجن هداريم الذي لا يزال حتى اليوم يضمّ الأسرى من كافة التنظيمات والأحزاب السياسية الفلسطينية، بعد أن رفض الأسرى فيه عملية الفصل بشكلٍ قطعي.
[2]* مجموع المحاضرات في برنامجي الماجستير والبكالوريوس تصل إلى أكثر من 36 محاضرة خلال الفصل الدراسي.