كتب يامن النوباني
طوال الطريق إلى حيفا، التي أدخلها للمرة الأولى في حياتي، رافقتني عبارة مريد البرغوثي: “المسألة ليست بالتعلق الرومانسي بالمكان، بل في الحرمان الأبدي منه”.
قال لي السائق: من هنا تبدأ حيفا. فنظرت خلفي خشية أن يكون نسي وراءنا بيتاً أو شجرة.
هكذا وصلت حيفا، جائعاً إلى البلاد.
وأنا أتمشى فيها، تذكرت أغرب ملامح رأيتها وتعبير سمعته في حياتي عن النكبة، حين زارها صديق في العام 2013، سألته كيف رأى المدينة؟ فوضع يديه على خديه وبدأ ب”اللطم”، قائلا: مجانين، مجانين كيف قبلنا الخروج من حيفا!
كان سقوط واحتلال حيفا (22 نيسان 1948) وتهجير أكثر من 70 ألف فلسطيني منها والإبقاء على ثلاثة آلاف وتجميعهم في حي وادي النسناس، هزة شخصية عنيفة لعشرات المثقفين والأدباء الذين هجروا منها أو عادوا إليها أو حتى مروا بها.
حيفا التي سكنوها، التي سكنتهم.
ففيما كان غسان كنفاني، في أدبه يعود إلى حيفا، بقي فيها إميل حبيبي، وزارها أحمد دحبور، ومر بكرملها مريد البرغوثي. ابتعد عنها درويش 37 عاماً، ثم عاد إليها وكأنه لم يفارقها أبدا.
71 عاماً وهي في ذاكرة عبد اللطيف كنفاني، الذي ودعها جسداً، وفي غرباته المتعددة فاض حنينا واستعادة وذكريات في كتابه “15 شارع البرج.. حيفا”.
لعل أجمل من كتب جنونه في حيفا، ابنها الشاعر الراحل أحمد دحبور، المولود في حيفا، يوم 21-4-1946، والعائد إلى حيفا يوم 21-4-1996، جرحه الأول خسارة حيفا، شاءت الأقدار أن تكون الخسارة في عيد ميلاده الثاني، في 21-4-1948، فيقول: لم يشعل لي أهلي شمعتين احتفاءً بعيد ميلادي الثاني، إنما حملوني وهاجروا بي في المنافي. وقال: “أمامكم شخص دخل الجنّة، نعم، أنا زرت حيفا”. ويشير إلى أن جبل الكرمل كان يتقدّم ويمشي كلّ سنة عشرة أمتار؛ فيجعله يتساءل عن كون استمراريّة مشي هذا الجبل، يعني مغادرته من حيفا نحو البحر. ويستطرد بسرد الحكّاء استدراك أمّه، وقولها إنّه في السنة المفردة، يمشي الجبل من اليمين إلى اليسار، وفي السنة المزدوجة يعود من اليسار إلى اليمين؛ ليبقى حارسًا لحيفا.
وفي العام 2016، قال دحبور: “لديّ نظرية تقول إن البشر نوعان: أناس من حيفا، وأناس من غير حيفا، ولذا أقول إن أمي هي التي ربطت حبلي السري بحيفا.. كانت أمي تقول إن المطر ينزل في حيفا على الزرع فقط، وليس على الناس، لذا تبقى حيفا خضراء دائمًا”. “وحيفا هذه ليست مدينة، انها الجنة، ومن لا يصدق فليسأل أمي” .
واحد من مجانين حيفا أيضاً، هو حسن البحيري: ” يوم غادرت مسقط رأسي مدينتي الحبيبة (حيفا)، بعد ظهر خميس 23 نيسان 1948 لم يكن ليمر في خيالي إني أغادرها إلى غير رجعة .. فلقد ركبت البحر إلى “عكا” على أن أمضى فيها ليلتي، ثم أعود بعد أن يخفُ جحيمُ الموت ولكن…
في واحد من أبيات شعره في ديوان “حيا في سواد العيون” يناشدها ويرجوها:
فَتَلَفَّتي، لا تَعْطِفي جِيدَ الحَيا
عَنّي، فَفي عَيْنَيْكِ غايةُ مَأْمَلي..!
وفي الجزء الثاني من سيرته الذاتية “ولدت هناك، ولدت هنا” يكتب مريد البرغوثي: أما حيفا فهي المدينة التي بناها الخيال كما يشتهي وما تشتهي المدينة لا تُبنى. الصعود إلى جبل الكرمل والنظر منه إلى المدينة وبحرها، صعودا إلى معنى الجمال. صعدت إلى الكرمل فقلت: أنا الآن فيها، في حيفا. هذه “مدينة جميلة”. قل هذا ولا تزد. إليها كتب غسان كنفاني: عائد إلى حيفا. وكتب على شاهد قبر اميل حبيبي: باقٍ في حيفا. وتتذكر قول الكاتبة اليهودية راشيل مزراحي في كتاب “أحدهم يموت والآخر أيضاً”: كل البيوت الرائعة كانت ولا تزال عربية.
أما محمود درويش، فكان الأكثر نزفاً على “حيفا”، خاصة في تلك المرحلة من الزمن التي ابتعد عنها 37 عاماً، هذه مقتبسات من قصيدته “النزول من الكرمل”: * هذه الأرض تشبهنا حين نأتي إليها. و تشبهنا حين نذهب عنها. واسمها كان يمشي أمامي.
* يُفتّشُ كفّيَ ثانية، فيصادر حيفا التي هرّبت سُنْبلهْ.
* وها أنت يا كرملي كلُّما جرّدتني الحروبُ من الأرض أعطيتَني حُلُما. أيّها الكرمل المتشعِّب في كل جسمي.
* أحبّ البلاد التي سأحبْ / أحب النساء اللواتي أحبْ / ولكن غصناً من السرو في الكرمل الملتهبْ / يُعادل كل خصور النساء / وكلّ العواصم.
حيفا التي وصلها عبد الفتاح مسعود في ثلاثينيات القرن الماضي قادما من برقة في شمال نابلس، وقبل النكبة بستة أشهر، أدرك الخطر القادم على حيفا، فنقل مقتنياته إلى برقة، وانتقلت معه ومع ولده سميح مسعود عبر الزمن من برقة إلى الكويت إلى كندا إلى الأردن. ليروي سميح لاحقا، سيرته الشخصية وعائلته ومقتنياتهم، ثم يتوسع في حيفا، ليجمع شملها على ألسنة ناسها في مدن بعيدة في ثلاث قارات، وذلك في ثلاثيته الأدبية: “حيفا – برقة.. البحث عن الجذور”.
وصفها ابنها الشاعر رشدي الماضي: حيفا غيمةٌ / تحملُ السَّماءَ والترابْ / كيفَ يُقالُ ما يُقال؟ / أنَّها حقيبةٌ مُسَافرَة / ولن تعودَ من سرابٍ وغيابْ !.
الشاعر أحمد حسين، وهو أحد أولئك الذين جُنت خيالاتهم وأفكارهم فأبدعت أقلامهم كتابةً عن حيفا، فكتب:
* لا بَرٌّ يُطاوِعُني إلى حَيْفا وَلا بَحْرٌ يُناوِلُني سَفينَة “
** يا كرمليّةُ ! أنعمي حزناً
سأحزن عن بيوتكِ
عن شوارعك الجديدة في شوارعك القديمةِ
عن أزقتك التي بقيتْ،
مساء الخير ايتها العجوز الصامتة
* “وإنّنا لا نستطيعُ أن نكرَهَ أشجارَنا لأنَّ الغرباءَ علّقوا عليها أراجيحَهم، كما إنّنا لا نستطيعُ أن نكرهَ حيفا لأنّها غادرَتْ ملامحَها”.
** ولديَّ وجْهُ مسافرٍ، طبعَ الحنينُ عليهِ كلَّ
ملامحِ العشّاقِ
ضمّيهم لصدرِكِ، أنتِ حيفا
وأنا جميعُ العائدينَ إليكِ من أسفارهم قتلى وجرحى.
* أعطيكِ روحي لوْ بقيتِ أنا وأنتِ لوحدِنا.
اضافة إلى القصة الأولى في مجموعته (الوجه والعجيزة) وعنوانها (انهيار)، وهي عن ما تمثله (حيفا) لطفلين حيفاويين، لم يريا سوى مدينتهما، ولا يؤمنان بأن هناك ما هو أكبر منها، فحتى “العالم” الذي لا يعرفان ما هو بالضبط، في نظرهما، أنه أصغر من “حيفا”.
يلعب الصديقان لعبة كلامية تبدأ من شيء وتنتهي عند شيء أكبر. يقول أحدهما مثلا: أنا فنجان.. فيرد الآخر: انا ابريق… ويواصلان إلى أن يباغت أحدهما الآخر ب: حيفا. فتنغلق اللعبة. لأنه لا شيء أكبر من حيفا.
وذات يوم وهما في الصف، ينتبه استاذهما أنهما يتكلمان في حصته، فيستفسر منهما عن سبب كلامهما، فيخبره أحدهما أن زميله يقول له بأنه لا يوجد أكبر من حيفا.
الأستاذ يبسط له الأمر عقليا، وإذ يكتشف الولد أن حيفا ليست أكبر من العالم يجهش بالبكاء.
يستعيد عبد اللطيف كنفاني في “15 شارع البرج.. حيفا”: توجهه قبل النكبة إلى مدرسة الفنون الأميركية في صيدا بلبنان وكان يعود إلى حيفا بين فترة وأخرى مع طلبة آخرين بتنظيم من مناد السيارات أبو صالح الطفران، حيث كانت تصطف بوسطات السكاكيني والصاوي زنتوت وأبو ظهر والتي كانت تنقل من بيروت إلى حيفا.”أعود بذاكرتي إلى هرتي عنبرة، وإلى كلبتنا ستيلا، الببغاء والغزال في أركان الحديقة”.، وإلى طاولة يتربع عليها “فونوغراف” ذو بوق أحمر جذاب، ناتي بمستلزماته من كوانات بيضاء فون وعلب إبر ومسحات مخملية من مخزن أبو صلاح العكاوي في السوق الأبيض. مستعيداً ايضاً محل “بوتاجي” الوكيل المعتمد لأجهزة وتسجيلات “صوت سيدة” بماركتها المسجلة المتمثلة بكلب جاثم أمام بوق فونوغراف تبدو عليه علائم الإصغاء، وكوانات محمد عبد الوهاب ولور دكاش ومنيرة المهدية وأم كلثوم. “
كما يستذكر ساحة العيد في حيفا التي كانت تسمى “المراجيح” قرب البوابة الشرقية، أرض منبسطة وفسيحة جوار المسبح الشعبي الذي كان يديره أبو نصوح على مقربة من محطة روتنبرغ لتوليد الكهرباء. البهلوان الذين يسيرون على حبال مشدودة، وصندوق الفرجة، وحركات المهرج “أبو جميلة” وصاحب القرود الذي كان يأتي بسعدان لتمثيل عدة أدوار مسلية. والذهاب إلى سينما عدن وسينما عين حوض لمشاهدة أفلام طرزان والعسكر والحرامية، وفي الأمسيات كانت سينما بستان البلد تعرض أفلام عبد الوهاب وبدر لاما وعلي الكسار واسيا داغر وماري كويني.. أفلام “الوردة البيضاء” و”الهارب”، و”عاصفة في الصحراء”، و”بنكنوت”. كما يذكر أمسيات مسارح حيفا وفرق يوسف بك وهبي ورمسيس وحسين حسني وعبد الله المدرس، وكان “مقهى ومسرح الكوكب” ينفرد باستضافة أم كلثوم. “مطعم حرب”، و”قهوة إدوار”، وقهوة “إدمون” ومقهى “المتروبول”.
حيفا التي ولد فيها أحمد دحبور، ونوح ابراهيم، وليلى خالد، وزكية شموط، واميل توما، وتوفيق فياض، وتوفيق طوبي، وحسن البحيري، وراشد حسين، واميل حبيبي، وجوني منصور، ونائلة عطية، وخالد علي مصطفى، وصليبا خميس، وعاش فيها وأثرى ثقافتها ووطنيتها: غسان كنفاني، محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، حنا ابراهيم، محمد علي طه، مطلق عبد الخالق، وديع البستاني ونجيب نصار.
حيفا، مدينة ال13 مطبعة قبل النكبة.
حيفا، مدينة ال35 جريدة (يومية، اسبوعية، شهرية، فصلية) قبل النكبة، ولم يتبقَ منها اليوم إلا جريدة الاتحاد. حيفا الصحافة، حيث البدايات مع نجيب نصار (لبناني) مؤسس الكرمل 1908-1944، وايليا زكا صاحب النفير (1908-1945) وحيفا 1921(1921-1924). ومجلتا الزهرة والزهور لجميل وحنا البحري، والمهماز والاتحاد…
حيفا مسجد الاستقلال (بني 1925) كان يخطب الشيخ الشهيد عز الدين القسام.
حيفا التي سماها الآباء قديما ب “أم العمل” و “أم الفقير”، لاحتضانها آلاف العائلات اللبنانية والسورية والمصرية والأردنية.
إنها حيفا التي فتنت غسان كنفاني، ليسكنها طفلاً، مطلا على بحرها، قادما من عكا التي لها بحرها أيضا وسورها وحجارتها العتيقة وبلدتها القديمة. كانت شرفته تفتح على البحر والميناء والبواخر والسفن، فحفظها في رائعته “عائد إلى حيفا”.
حيفا التي أغرت اميل حبيبي لينقش على شاهد قبره ما أراد: “باقٍ في حيفا”.
حيفا التي هجر منها خالد علي مصطفى، ليصبح شاعراً في العراق، حالما بشم ترابها مجدداً. لكنه، مات قبل ذلك، فكتب فيه: انطفاء شمعة حيفا في بغداد. و: خالد علي مصطفى… حلم حيفا الذي نام في بغداد.. رحل وعينه على فلسطين.
امتدت حيفا إلى أقلام أبرز الشعراء والأدباء العرب، كالشاعر اليمني عبد الله البردوني في قصيدته (أبو تمام وعروبة اليوم)، والكاتب اللبناني إلياس خوري في روايته (أولاد الغيتو)، بينما كتب الشاعر السوري نزار قباني: يرمي حجراً.. أو حجرين. يقطع أفعى إسرائيل إلى نصفين.. يمضغ لحم الدبابات، ويأتينا.. من غير يدين.. في لحظاتٍ.. تظهر أرضٌ فوق الغيم، ويولد وطنٌ في العينين.. في لحظاتٍ.. تظهر حيفا.
حيفا قبل النكبة كانت مركزا اقتصاديا وصناعيا وثقافيا واجتماعيا ثقيلاً، نظراً لوجود خطة سكة الحديد الذي تأسس عام 1905 (رابطا بين سوريا وفلسطين وبالأخص درعا وحيفا) والميناء (بوابة فلسطين البحرية إلى العالم عبر سوريا والأردن والعراق)، والمنطقة الصناعية (معامل تكرير البترول الصناعات البتروكيميائية والصناعات الثقيلة.).
وبحسب “حيفا الكلمة التي صارت مدينة” فإن، هكذا الميناء أوجد سبعة آلاف فرصة عمل، وأوجدت منطقة معامل تكرير البترول عشرة آلاف فرصة عمل، وأوجدت سكة الحديد حوالي أربعة آلاف فرصة عمل. لذلك بدأ الكثير من العمال بالقدوم إلى حيفا من لبنان وسوريا والعراق وشرق الأردن وحتى من اليمن ومن شمال أفريقيا. هؤلاء عملوا في المدينة وبناء الحياة الاقتصادية. وأضف إلى ذلك بناء العائلات. هذا الشخص الذي أتى من مصر لا يعود كل أسبوع أو كل شهر إلى بلدته. وبذلك هو يضطر لإحضار عائلته ويبدأ ببناء العائلة، وبهذه الطريقة انتعشت مدينة حيفا اقتصاديا واجتماعيا.
حيفا كمدينة اقتصادية اجتماعية من الدرجة الأولى بدأت تصلها الكثير من الفرق التمثيلية والمسرحية والغنائية من مصر باتجاه لبنان وكان لها محطات في يافا وفي حيفا، مثلاً: عميد المسرح العربي يوسف وهبي كان يأتي إلى حيفا مع فرقته رمسيس. فريد الأطرش قدم ستة عروض. أم كلثوم قدمت عرضين بحيفا واكتسبت لقبها كوكب الشرق من مقهى اسمه مقهى كوكب الشرق في حيفا. الفرق الموسيقية العربية المصرية أدت عروضًا غنائية ومسرحية مغناة على خشبات مسرح عين دور ومتنزه الانشراح وغيرها، كان أبرزها حفلات الموسيقار فريد الأطرش وشقيقته أسمهان. هذه الحياة المسرحية والغنائية والتمثيلية أثرت حياة المجتمع في المدينة وأضافت لها زخما.
وكان إلى جانب ذلك، 35 جريدة وصحيفة بهذه المدينة كانت أسبوعية وشهرية وفصلية. في حين كانت بيروت تأتي بالصف الثاني. وجاء انتعاش بيروت بعد عام 1948. ويمكن الاستناد إلى ما كتبه الباحث اللبناني الفلسطيني السوري المعروف سمير قصير الذي قال في كتابه (تاريخ بيروت) “ما كان لبيروت أن تصبح عاصمة الثقافة العربية إلا بعد سقوط مدينة حيفا”.
ونشطت الحياة الفكرية في حيفا في فترة الانتداب البريطاني، وتوافد إليها شعراء كبار أمثال شاعر القطرين خليل مطران الذي قدّم أُمسيات شعرية متميزة. واستضاف النادي الارثوذكسي العربي الحيفاوي أحد كبار الشعراء العرب في ناديه في شارع الراهبات ألا وهو الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري. ومهرجان ألفية الشاعر العربي الكبير والفيلسوف أبو العلاء المعري، حيث أقاموا لذكراه الأمسيات وطالبوا هيئة البلدية إطلاق اسمه على احد شوارع المدينة، وبالفعل ما زال احد شوارع حي البلدة التحتا يحمل الاسم ذاته إلى يومنا هذا.
يروي المؤرخ والباحث الحيفاوي جوني منصور قصة مدينة حيفا في كتابه “حيفا الكلمة التي صارت مدينة”: تأسست حيفا منذ عصور قديمة كقرية صيادين في موقع تل السمك، إلى الجهة الغربية من حيفا الحالية، واعتمد سكانها البالغ عددهم آنذاك اقل من 500 نسمة على الزراعة البعلية وصيد الأسماك ورعاية المواشي على سفوح الكرمل. لكن هذه القرية كانت معرضة بشكل دائم لهجمات قراصنة البحر مما أدى انخفاض عدد سكانها وانتقالهم تدريجيا إلى موقع حيفا العتيقة (محطة الكرمل لاحقاً) والتي تعرضت بدورها ايضا لهجمات القراصنة، إلى أن جاء حاكم الجليل الشيخ ظاهر العمر الزيداني وقرر نقل المدينة إلى الشرق وهدم حيفا العتيقة لمنع اقتراب القراصنة منها. وبنى الزيداني حيفا الجديدة بين ساحة الحناطير (ساحة الخمرة، والتي تعرف حاليا بساحة باريس) غرباً، والجامع الصغير شرقاً. وبلغ عدد سكانها عند تأسيسها نحو ألف نسمة، ليصل إلى ثلاثة آلاف في نهاية القرن الثامن عشر.
أما اليوم فيبلغ عدد سكان حيفا نحو 270 ألفًا، منهم 35 ألفًا من العرب .
الأحياء العربية في حيفا: “حي وادي النسناس” ويعتبر من أبرز الأحياء العربية الباقية بعد عام النكبة في حيفا. وحي عباس وينسب إلى عباس أفندي بهاء الله، وهو أحد مؤسسي الديانة البهائية التي اتخذت من حيفا مركزًا لها. عاش عباس في حيفا بعد وصوله إليها من عكا قادمًا من بلاد فارس(ايران). وتوفى في حيفا في عام 1921 ودُفن في الموقع الذي أقيمت فوقه قبة عباس، أي معبد البهائيين عند سفوح الكرمل المطلة على البحر.
الحليصا.. يقع إلى الجهة الشرقية لحيفا. أما الاسم فيعتقد انه من “أحلست الأرض” أي أصبحت خضراء ملساء. ويشمل الحي: منطقة الحليصا ووادي روشميا والسوق المسمى حاليا ب(تلبيوت) وشارع العراق الذي يطلق عليها (كيبوتس غالويوت).
الكبابير.. قرية في الأصل. في أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948 وسقوط حيفا بيد “الهاغاناه” ضمّت القرية إلى منطقة نفوذ بلدية حيفا، فأصبحت حيًّا، كباقي أحياء المدينة.
وادي الجمال.. مصدر الاسم يعود إلى كون المنطقة ذاتها محطة لقوافل الجمال المحملة بالبضائع والقادمة من عكا، أوبلاد الشام باتجاه يافا، ومن ثم نحو غزة فمصر.
محطة الكرمل.. والاسم الأصلي للحي “العتيقة” حيث سكنها الإنسان منذ فترات قديمة. وفيها الكثير من الآثار والمغر. وأصبح اسم الحي “محطة الكرمل” في أعقاب وصول الخط الحديدي من مدينة القنطرة في مصر إلى طرف الحي فأقام الانجليز في 1918 محطة للقطار.
وادي الصليب.. أقيم خارج أسوار حيفا إلى الجهة الشرقية. تمّ الشروع ببناء بيوته الأولى في نهاية القرن التاسع عشر في أعقاب الاكتظاظ البشري في حيفا داخل الأسوار. واتسع الحي مع مرور الزمن وسكنت فيه مئات العائلات العربية الفلسطينية أو السورية لقرب الحي من مصلحة السكك الحديدية والميناء ومن ثم المنطقة الصناعية التي أقامتها حكومة الانتداب البريطاني. وصل عدد سكان هذا الحي مع عدد من الأحياء الصغيرة القريبة منه في فترة الانتداب وحتى وقوع النكبة إلى أكثر من عشرة آلاف فلسطيني. وتعرّض الحي إلى قصف مكثف من مدفعية الهاغاناه خلال معركة حيفا.
1: “حيفا الكلمة التي صارت مدينة” / جوني منصور. 2: “حيفا برقة.. البحث عن الجذور” / سميح مسعود. 3: “حيفا: جارة الكرمل وعروس فلسطين” / محمد شراب. 4: “تاريخ حيفا” / جميل البحيري. 5: حيفا العربية 1918-1939 التطور الاجتماعي والاقتصادي / مي صقيلي. 6: حيفا على مر العصور / تامر عبود. 7: قصة مدينة حيفا / أحمد عبد الرحمن حموده. 8: صفحات عن حيفا ومعركتها الأخيرة / عبد الرحمن مراد. 9: حيفا التاريخ والذاكرة / حسين اغبارية. 10: ” الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين: مذكرات رشيد الحاج إبراهيم، 1891- 1953″. 11: “مذكّرات لاجئ أو حيفا في المعركة” / توفيق معمر. 12: عائد إلى حيفا / غسان كنفاني. 13: المتشائل / إميل حبيبي. 14: حيفا والبحيري: مدينة وشاعر / هارون هاشم رشيد. 15: الهجرة العربية إلى حيفا في زمن الانتداب البريطاني: داسة تاريخية اقتصادية، سكانية واجتماعية : محمود يزبك. 16: شوارع حيفا العربية / جوني منصور. 17: حيفا: الاسم يتحدث إلى القمر ويخاطب البحر / جوني منصور. 18: حيفا البداية والمستقر / كمال خالدي.