loading

الاحتلال يأمر: فيسبوك سمعاً وطاعة

كتبت: مريم شومان

وكأنه لا يكفي ما تقوم به دولة الاحتلال من جرائم وانتهاكات بحق المواطنين الفلسطينيين على مدار اليوم والأسبوع والشهر والعام من قتل واعتقال وتنكيل، وهدم البيوت وسرقة الأراضي وغيرها الكثير الكثير من الممارسات التي تطول القائمة عند الحديث عنها، حتى يُضاف لهذا الاحتلال احتلال من نوع آخر يتم فرضه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها فيسبوك وانيستجرام.

في كل مرة تقع فيها أحداث ميدانية يشكل موقعا فيسبوك وانيستجرام واجهة داعمة من جديد لدولة الاحتلال ويظهر ذلك بكل وضوح ليس فقط من خلال تحيزهما للاحتلال وإنما أيضا عبر حجب الحقيقة والمحتوى الرقمي الفلسطيني الذي يرصد ويوثق انتهاكات الاحتلال والتي تزامنت مع بدء أحداث الشيخ جراح مرورا بالحرب على قطاع غزة خلال العامين المنصرمين ومؤخرا بالأحداث التي شهدتها مدينة نابلس قبل أسبوع.

إن الممارسات التي تقوم بها شركة ميتا (فيسبوك، انيستجرام، واتس اب) تشكل احتلالا رقميا ولا تقل خطورة وضراوة عن الاحتلال الإسرائيلي على الواقع بحق المواطنين الفلسطينيين، ويسعى الطرفان لقمع وإسكات الصوت الفلسطيني الذي يتخذ من هذه المواقع الوسيلة لإيصال الرواية الفلسطينية للعالم الخارجي في ظل انحياز الإعلام التقليدي الغربي لدولة ورواية الاحتلال تاريخيا من أجل تحسين صورتها أمام الرأي العالمي العام.

اليوم وفي ظل الثورة الرقمية التي شهدها العالم خلال العقد الأخير؛ تسير الهيمنة الإسرائيلية على العالم الافتراضي بشكل متوازٍ مع سياسات ومعايير فضفاضة وواسعة وضعتها مواقع التواصل الاجتماعي تدّعي أنها إجراءات رقابية للحد من العنف والتحريض على الإرهاب، وتنظر إلى المحتوى الفلسطيني الذي يشمل منشورات وصور وفيديوهات وتعليقات توثق انتهاكات الاحتلال وتروي أسماء الشهداء والأسرى وتمجّد الوطن والمقدسات وتتغنى برموزنا الوطنية على أنه محتزى عنفيّ ويحرض على الإرهاب ويبث خطاب الكراهية، في حين تضرب بعرض الحائط مبادئ المساواة وعدم التمييز عندما يتعلق الأمر بالمحتوىالي الإسرائيلي الذي يحث على قتل الأمهات الفلسطينيات لأنهن ينجبن الأطفال، والذي يدعو لهدم المنازل الفلسطينية وتهجير سكانها وغيرها من المنشورات التي تحرض على الإرهاب علانية وتمثل الكراهية قلبا وقالبا دونما حسيب أو رقيب.

تواطؤ

لقد عكست الأحداث الميدانية التي شهدتها فلسطين خلال العامين 2021 و2022 تواطؤ شركة ميتا مع دولة الاحتلال على الرغم من إنكار مسؤولي فيسبوك وانيستجرام انحياز التطبيقين لدولة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني، فموقع فيسبوك يدّعي أنه الخوارزميات تتعامل بطريقة مختلفة مع بعض المصطلحات فمثلا عندما يتم كتابة مصطلح شهيد في سياق إخباري بحت لا تحذفه، لكنها إذا وردت ضمن سياق منشور يمجّد الشهداء مثل كتابة الشهيد البطل أو الشهيد المقاوم يعمل على حذفه على اعتبار أن ذلك يخالف معايير المجتمع لدى فيسبوك، كما أنه أمر مرفوض من القانون الأمريكي ويعتبره منشورا إيجابيا بمعنى أنه تأييد للإرهاب والعنف، وبالتالي يشكل انتهاكا لسياساته، وكذلك الأمر بالنسبة للفصائل والحركات الفلسطينية وأذرعها العسكرية مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى التي تصنفها الخارجية الأمريكية على أنها منظمات إرهابية.

وبهذا تخضع فيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي للضغوطات الإسرائيلية تحديدا خلال الأحداث الميدانية وآخرها أحداث مدينة نابلس والعدوان الأخير على قطاع غزة التي أسفرت عن وقوع عشرات الشهداء والجرحى بحيث تقضي هذه المنصات بحجب وحذف المنشورات والصور والفيديوهات والتعليقات التي كانت تعمل على تغطية الأحداث عبر الفضاء الرقمي هي بحد ذاتها تواطؤ مع دولة الاحتلال، وهي بذلك تخالف واحدا من مبادئها بحيث انها تدعي الحيادية كشركة ربحية الا انها تعمل على مناقشة المحتوى الفلسطيني مع دولة الاحتلال وترضخ لضغوط الحكومة الاسرائيلية وتستجيب لطلباتها بتقييد حسابات وصفحات فلسطينية.

ازدواجية  المعايير

تقوم منصة فيسبوك لوحدها على حذف وحجب آلاف المنشورات سنويا بناء على تقارير وطلبات يتم تقديمها من قبل وحدات اسرائيلية خاصة ضليعة في العالم الافتراضي بحجة مخالفتها لسياسات فيسبوك، في حين أنها لا تقوم بمثل هذا الإجراء ضد منشورات وحسابات إسرائيلية، فقد تم خلال العامين الماضيين رصد منشورات للمستوطنين تحرض على قتل الفلسطينيين، وتدعو  إلى تجمعات عبر فيسبوك من أجل مهاجمة الفلسطنيين  في المدن المحتلة عام 48 ولم يتم التعامل مع هذه المنشورات على أنها تحريضية مع أنها تشكل انتهاكا لمعايير فيسبوك التي تشمل الدعوة إلى الإرهاب، كما لم تتخذ إجراءات صارمة بحق المحتوى التحريضي الإسرائيلي بتقييد حسابات المستوطنين على غرار تلك الإجراءات التي تتخذها  بحق المنشورات والحسابات الفلسطينية التي لا تقوم بأكثر من توثيق انتهاكات وجرائم الاحتلال بحق بلادهم وأبنائهم وبيوتهم.

وما يؤكد ازدواجية المعاييرالتي تنتهجها منصة فيسبوك على اعتبارها المنصة الأكثر انتهاكا للمحتوى الفلسطيني محاسبة المنصة للفلسطينيين بأثر رجعي؛ بحيث تقوم بحذف منشورات تم نشرها قبل سنوات بحجة أنها تنتهك معايير المجتمع الخاصة بها، وهذا يؤكد أن الأمر ليس مرتبطا فقط بخوارزميات فيسبوك، أنما يشير إلى أن هناك فريق داخل فيسبوك وظيفته رصد ومراقبة المحتوى الفلسطيني، أو أن وحدة السايبر الاسرائيلية هي من تتولى مهمة متابعة المحتوى الفلسطيني والإبلاغ عنه بالتالي تتم المحاسبة بأثر رجعي  على المنشورات القديمة لاأمر الذي يحتاج لتفسير من شركة فيسبوك نفسها.

ما السبب؟

مما لا شك فيه بعد الشواهد التي تتم ملاحظتها يوما بعد يوم أن فيسبوك على رأس مواقع التواصل الاجتماعي التي تمارس ازدواجية المعايير في التعامل مع المحتوى الفلسطيني مقارنة مع المحتوى الإسرائيلي، لدعم رواية الاحتلال، كما تمارس سياسة الكيل بمكيالين مما يعني استمرار هذه المواقع بإسناد الاحتلال الاسرائيلي استكمالا لما قام به الإعلام التقليدي الغربي على مدى عشرات السنوات الأمر الذي يتنافى مع كافة مبادئ وحقوق الإنسان، وطالما أن فيسبوك مجتمع خاضع لمعايير ومبادئ حقوق الإنسان فإنه من المفترض ألا يقوم بتجزئة هذه المعايير عند التعاطي مع المحتوى الفلسطيني مقابل المحتوى الإسرائيلي، لكن ما يظهر لدينا أن فيسبوك تنحاز بشكل واضح وفاضح لدولة الاحتلال ما يستدعي التساؤل حول سبب هذا الانحياز.

يمكن القول أن شركة فيسبوك تسعى لاسترضاء دولة الاحتلال؛ فهي شركة أمريكية بالنهاية كما أنها تخضع للقوانين الأمريكية الخاضعة بدورها لهيمنة اللوبي الصهيوني الذي يتحكم بالقرار السياسي الأمريكي الخارجي، وهذا ما  يؤدي بالنتيجة لانحياز الولايات المتحدة لدولة الاحتلال بشكل كامل وهو انحياز تاريخي، وما انحياز فيسبوك لدولة الاحتلال إلا امتداد طبيعي للانحياز الأمريكي للاحتلال.

ومن الأسباب التي أدت بشركة فيسبوك لإسناد الرواية الإسرائيلية في مقابل استهداف المحتوى الفلسطيني ما يتعلق بمعايير لها علاقة باللغة المستخدمة، بمعنى تحت ذريعة أن اللغة التي يستخدمها الفلسطينيون هي لغة تحض على العنف والإرهاب وتحمل خطاب الكراهية على اعتبار أنه يتم صياغة ووضع سياسات فيسبوك بناء على هذه المعايير، وجزء من هذه المعايير تندرج تحت سياسات فيسبوك، وجزء منها جاءت نتيجة لضغوط حكومة الاحتلال التي تطالب بتجيير سياسات فيسبوك لصالحها، إضافة لاختلاف تفسير اللغة والمفاهيم بحيث يتم تفسيرها بشكل مغاير؛  فالمقاومة هي حالة نضالية من وجهة نظر ما، لكنها عمل  إرهاب من وجهة نظر أخرى، وبالتالي فإن  الإشكالية تكمن في أن المحتوى الفلسطيني يقوم بخرق سياسات فيسبوك لعدم فهم هذه المصطلحات من قبل الخوارزميات التي تقوم بدورها بتصنيفها على أنها إرهاب وعنف وتحريض وما إلى ذلك.

ومن هنا يأتي الإجحاف بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني بأن فيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي غير منفتحة على المصطلحات والموروث الوطني للمفردات الفلسطينية أو هي تدّعي ذلك، وبالتالي فمن المهم على فيسبوك ضرورة الانتباه للغة التي يستحدمها الفلسطينيون على أنها ليست تحريضية إنما جزء من الثقافة الوطنية والنضالية للشعب الفلسطيني تاريخيا.

صراع على الرواية

منذ بدء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لا تدّخر دولة الاحتلال جهدا لخلق رواية زائفة وكاذبة لدعم ادعائها بأحقيتها على هذه الأرض، وتثبيت مظلوميتها بتعرضها للاضطهاد لكسب التعاطف والتضامن العالمي معها، وبناء على رواية زائفة عملت دولة الاحتلال على اختراق العقول والبيوت العربية، ومما لا شك فيه أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت السلاح الأكثر فعالية في هذا الشأن.

عبر فيسبوك، انستجرام، تويتر وغيرها من المنصات، تعمل دولة الاحتلال على إعداد محتوى يخاطب القلوب والعقول الشابة عربيا وإقليميا بلغة انسانية عاطفية لاستجداء المزيد من الدعم والتعاطف مع دولة الاحتلال تحت غطاء الثقافة والتسامح والإنسانية والتعايش وغيرها من المصطلحات الجميلة والجذابة عبر العالم الافتراضي، في وقت أصبح الحديث شعبيا ورسميا عن تجذر الشعب الفلسطيني في هذه الأرض غير كافٍ ما لم يستمر الفلسطينيون في الدفاع عن الرواية الفلسطينية عبر الحفاظ على تواجدهم الرقمي من خلال هذه المنصات للمضي قدما في خوض حرب رقمية مع واحدة من أعتى الكيانات وأكثرها قوة في هذا الفضاء الواسع.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة