حلوة يا بلدي: عنب بيت دقو.

هيئة التحرير

في قرية بيت دقو شمال غرب القدس، تحدك كروم العنب من كل جانب، في مشهد محبب للقلب، لكن هذا المشهد يخشى الأهالي والمزارعون هناك عليه بسبب قلة تسويق العنب في السوق الفلسطينية، ومن تكدس العنب لديهم لأوقات طويلة، بعدما كان عنب بيت دقو يجول ويُسَوّق في المدن الفلسطينية وحتى خارج فلسطين.

تراجع في الإنتاج.. والسبب!

خلال الفترة الأخيرة تراجع إنتاج عنب بيت دقو بسبب بعض الإشكاليات التي أدت إلى العزوف عن مهنة الزراعة في القرية، “كالآفات الزراعية، ومشكلة الخنازير البرية”، والتي تهاجم المحاصيل الزراعية، إضافة للمشكلة الرئيسية وهي التسويق، يوضح الناشط في القرية وصاحب صفحة “حلو يا بلدي- بيت دقو” حمدي حسين في حديث لـ “بالغراف”.

مشكلة تسويق عنب بيت دقو دفعت المزارعين والأهالي للبحث عن طرق جديدة لتسويق العنب، فمنذ العام الماضي، وبحثًا عن حلول نظموا مؤتمراً صحفياً للحديث عن المشاكل التي تواجه المزارعين.

ووفق حسين، فإن مشكلة التسويق تعود لإغراق السوق الفلسطينية بمنتج العنب “الإسرائيلي”، والذي يتواجد على مدار العام، ولكن تزيد كمياته فترة نضوج العنب الفلسطيني، ليصبح منافسًا له سعرًا، فيضطر المزارع الفلسطيني إلى الوقوف على مفترق الطرقات لبيع المنتج، بأقل سعر لا يُضاهي ما دفعه المزارع الفلسطيني حتى ينضج العنب، ومن أجل تخفيف الضرر، تقدم الأهالي بطلبات للجهات الرسمية لإيقاف إدخال العنب “الإسرائيلي” للأسواق الفلسطينية.

محاولات لإنقاذ محصولهم

في محاولة لحل مشكلة تسويق العنب، نظم مجلس قروي بيت دقو ومزارعو القرية والقائمون على صفحة “حلوة يا بلدي-بيت دقو”، هذا العام، “مهرجان عنب بيت دقو” على مدخل القرية، ولمدة أربعة أيام لتسويق محصول القرية، ما ساهم قليلًا بحل تلك المشكلة، يؤكد حسين.

هذا السوق امتد إلى تعاون بين المجلس القروي وبلدية البيرة بانضمام المزارعين لبيع المنتج في ساحة مركز “بلدنا الثقافي” في مدينة البيرة، ومشاركتهم في سوق الفلاحين الذي يقام كل يوم سبت في ذات المركز، في ظل دراسة تطوير هذه الفعالية في السنوات القادمة وفق برنامج ترويجي.

ينتقد حسين البحث عن حلول بديلة للتسويق، ويقول: “إن هذا المنتج يجب أن يكون مكانه قلب السوق الفلسطينية وليس البحث عن حلول تسويقية بديلة، للأسف منتج الفلاح الفلسطيني أصبح غير أساسي لدى المواطن الفلسطيني، والأصل أن تستوعب السوق الفلسطينية منتجاتنا الوطنية، وهو ما يوجب ضبط التجار”.

كل مشكلة ولها حل؟

لا توجد مشكلة إلا ولها حل، إذ يطالب الناشط حسين بإيجاد مساحة لأهالي بيت دقو داخل حسبة رام الله والبيرة، ومنع إدخال العنب “الإسرائيلي”، وتشجيع عنب القرية كمنتج فلسطيني، باعتبار أن قرية بيت دقو هي أكثر من ينتج العنب بعد مدينة الخليل، “كما أنه لا بد من دعمهم بتغليف العنب وتمييزه فلسطينيًا، والعمل على حل المشاكل الأخرى التي يعاني منها المزارع في القرية”.

ويقول المزارع مصطفى مرار الذي ورث مهنة الزراعة عن أجداده، “إن مشكلة تسويق العنب ومشكلة الزراعة في بيت دقو تعود لسنين طويلة، ولكنهم عكفوا منذ سنتين على إيصال صوتهم لتحسين وضعهم الزراعي، لكن غرق السوق الفلسطينية بالعنب (الإسرائيلي) ضاعف مشكلة تسويق العنب لديهم”.

ووفق مرار، فإن الإنتاج الزراعي الفلسطيني تراجع بشكل كبير ولافت، فكان يصل إلى 17% والآن يقرب من 2%! وهذا يشعر المزارع الفلسطيني بالإحباط، “فالمزارع اضطر إلى بيع العنب بأسعار أقل، وبخسارة، عدا أن قلة التسويق تعرض المنتج للتلف في ظل الحرارة المرتفعة”.

ويطالب مرار وزارة الزراعة بالاهتمام بالمزارعين، وأن يكون لقسم التسويق لديهم دور في تسويق منتجاتهم الزراعية، وأن يتم الاهتمام بالاشجار الزراعية لديهم، والتي تعاني من أمراض ومشاكل يضطرون لمعالجتها بطرق بدائية.

جهود لحماية العنب الفلسطيني

“منذ العام الماضي، أصدرت قرارًا بمنع دخول العنب (الإسرائيلي) للأسواق الفلسطينية، لحماية المنتج والعنب الفلسطيني، والضابطة الجُمركية وبالتعاون مع وزارة الزراعة يقومون بمتابعة وتنفيذ هذا القرار ومنع دخوله، دعماً للمزارع الفلسطيني وحماية للمنتج الفلسطيني، وذلك من خلال إقامة الحواجز والجولات التفتيشية والعمل الاستخباري للحد من دخوله”، يقول الناطق باسم جهاز الضابطة الجمركية إبراهيم عياش، في حديث لـ”بالغراف”.

بحسب عياش، فإن العنب “الإسرائيلي” الذي يغرق الأسواق الفلسطينية يتم تهريبه، في ظل عدم السيطرة الفلسطينية على المعابر لدخول البضائع وخروجها منها، وحاجتهم إلى تنسيقات للدخول الى المناطق المصنفة “ب، ج”، وصعوبة حصولهم عليها للقيام بعملهم.

يرجع وجود العنب “الإسرائيلي” في الأسواق الفلسطينية، وفق عياش، إلى “بعض ضعاف النفوس الذين يُدخلون هذه البضائع الزراعية للأسواق الفلسطينية، وتضر بالمزارع الفلسطيني، والمنتج الفلسطيني بطرق شبيهة بتهريب المخدرات، التي تتم عن طريق مراقبة الطرق، وتغيير المركبات باستمرار، إضافة إلى استغلال عدم وجود الضابطة على مدخل ما، أو في الساعات المتأخرة من الليل، ويستغلون دخول قوات الاحتلال إلى مناطق (أ) لإدخال هذه البضائع للأسواق، فهذه العوامل تحد وتعيق من عملنا”.

ويؤكد عياش على ضرورة وجود وعي وشراكة من المواطن الفلسطيني، وذلك من خلال التبليغ عن المهربين وسياراتهم وأوقات دخولهم ومصادر دخولهم، “فهذه الفئات تؤثر على عائلات فلسطينية كبيرة يكون مصدر دخلها محاصيل العنب”، داعياً المواطن الفلسطيني إلى شراء المنتج المحلي، وعدم شراء المنتجات الأخرى مهما كانت مصادرها، لأنه يجب دعم المنتج الوطني ودعم المزارع الفلسطيني بشراء العنب والخضروات والفواكه الفلسطينية.

من جانبها، تقول عضو مجلس بلدية البيرة رجاء رنتيسي  في حديث لـ”بالغراف”: “إن البلدية ليست مسؤولة عن التوزيع الذي يحصل في (الحسبة)، فالحسبة يقودها مسؤولون بالتعاقد مع البلدية، وهم المسؤولون عن التوزيع فيها، وحجز مساحة معينة في الحسبة يتم عن طريق هؤلاء المسؤولين، وهي أصلاً مساحة ضيقة، وبها العديد من المزارعين منذ سنوات، وكبلدية فتحت مركز البيرة الثقافي لمزارعي بيت دقو، كي يعرضوا عنبهم فيه وبيعه”.

هكذا كان يُسوَّقُ العنب!

قبل بناء جدار الفصل العنصري كان عنب بيت دقو يسوّقُ في الداخل الفلسطيني، وإلى مدينة القدس ولكن بعد بناء الجدار أصبحت المنطقة معزولة، ووجهتها رام الله بدلاً عن القدس، ما ضاعف مشكلة التسويق.

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان عنب بيتدقو بحسب الناشط حسين، يسوّقُ إلى الأردن ودول الخليج، والكمية المنتجة كانت أضعاف المواسم الحالية، حيث كان ينتج أكثر من 700 طن، أما الان فينتج نحو 400 طن.

أضيق الحال، فما كان من أهالي بيت دقو خلال السنوات الماضية، إلا أن بدأوا يسوّقون عنبهم في مدينتي وحسبة رام الله والبيرة، لكن بعدما أغرق السوق بالعنب “الإسرائيلي” وكذلك منتجات زراعية “إسرائيلية”، أدى ذلك لتراجع الزراعة والمنتجات الفلسطينية، يؤكد حسين.

بيت دقو القرية الجبلية الواقعة شمال غرب القدس، بها ثماني أنواع من العنب، وعنب القرية “بعلي” لا يُروى، ولا يُستخدم له أي شيء كيماوي، فهو ذات مذاق حلو ولذيذ، بحسب المزارع مصطفى مرار في حديث لـ”بالغراف”، الذي يشرح أن بعض أنواع العنب هي: “الدابوقي، البيروتي، الزيني، الحمداني، الحلواني، الشامي، والبيتوني وغيرها”، مبينًا في ذات الوقت حاجة شجرة العنب إلى العناية طيلة فترة العام وحاجتها للمتابعة الدائمة، وهذا شيء متعب للمزارع.

تشتهر بيت دقو بزراعة العنب وعديد الفواكه والخضروات الأخرى، وتبلغ مساحتها 8500 متر، بعدد سكان يتجاوز الألفين، وتعاني القرية من انعزال بعد بناء جدار الفصل العنصري، وصادر الاحتلال ما يقرب من 800 دونم من أراضيها، ويمنع الاهالي من الوصول إليها، كما أن القرية محاطة بمستوطنتي “جفعات زئيف” و”حدشاه”.