هيئة التحرير
“من المدرسة إلى الورشة”، هكذا يقضي المعلم إحسان أبو وردة يومه منذ سنين طويلة، فهو يعمل معلمًا في الصباح و مواسرجيا “سباكًا” من الظهر حتى المساء، في سبيل توفير قوت معيشته وعائلته المكونة من عشرة أفراد، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب وغلاء المعيشة المرتفع.
منذ الساعة السادسة صباحاً يخرج أبو وردة من بيته في مخيم الفوار جنوب مدينة الخليل، متجهًا لإيصال من يعمل معه إلى ورشة السباكة، ثم يذهب بعدها إلى المدرسة، فهو يعمل مدرسًا للمرحلة الأساسية في مدرسة ذكور الحدث الأساسية، لحين انتهاء حصصه اليومية، وبدل أن يذهب للاستراحة في بيته بعد انتهاء دوامه، فإنه يكمل طريقه إلى عمله الثاني “السباكة” حتى ساعات المساء، تلك المهنة الثانية التي يمتهنها لسد احتياجات كثيرة تتطلبها الحياة.
السباكة “المواسرجي” مهنة أبو وردة منذ سنين طويلة، قبل أن يتم تعيينه كمعلم عام ٢٠٠٨، فهو كان يعمل بها وهو يَدرس في جامعة القدس المفتوحة، كي يعيل أسرته، ثم بعدها أتى تعيينه من وزارة التربية والتعليم كمعلم، ولكن نتيجة للوضع الاقتصادي المتردي وقلة الإمكانيات والاقتطاع من الراتب وعدم انتظامه، اضطر أبو وردة للعودة إلى عمله بـ”السباكة”؛ فالعمل بأي شيء ليس عيب، مؤكداً أن نظرة الناس له تكون مليئة بالاحترام والتقدير، كونه يعمل بمهنتين لسد احتياجاته.
لأبي وردة أسرة مكونة من عشرة أفراد؛ زوجته، وستة فتيات بينهن اثنتان في الجامعة، واثنين من الذكور، وليستطيع تأمين قوت يومهم فإنه يعمل بمهنتين مختلفتين تمنعانه قضاء الوقت الكافي مع عائلته، وتكون على حساب صحته الجسدية والنفسية أيضاً، ولكن حتى يستطيع تحقيق احتياجاتهم فإنه يضطر إلى العمل بهما والتضحية في الكثير من الأمور، في سبيل تأمين قوتهم اليومي، بحسب ما يقوله أبو وردة ، لـ”بالغراف”.
ووفق أبو وردة، فإن الراتب الذي يتقاضاه كمعلم حتى لو لم يتم الاقتطاع منه، فإنه لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية، فمصاريف الجامعة والمعهد لابنتيه كبيرة، وراتبه وحده لا يكفي لهما، فكيف سيكون الحال مع الاقتطاع منه! فأصبح لا يلبي شيئاً من الاحتياجات.
كل ما يحتاجه أبو وردة أن يخرج من مدرسته إلى بيته فقط، ليقضي وقتًا أكبر مع عائلته، ويقول: “الأصل أن أخرج من المدرسة إلى بيتي للراحة، ولرؤية عائلتي، وليس للعمل في ورشة! فالمعلم له مكانته، ويجب الاهتمام به وإنصافه، كما كل دول العالم التي تنصف المعلم، وتهتم به، وتكون له مكانته الكبيرة، ولكن هنا لا يوجد انصاف للمعلم، فراتبه هنا لا يؤهله لذلك، ولا يكفي لسد احتياجاته “.
نظرة اتزان إلى الظروف الصعبة التي يعاني منها الموظف، ما يريده أبو وردة من الجهات المختصة، ويقول: “إن راتبًا من ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف شيقل لا يكفي للموظف في ظل الغلاء المعيشي، ويجب على الجهات المختصة النظر إلى هذا الأمر، وإنصاف الموظف وخاصة المعلم”.
بالنسبة إلى أبي وردة، فإن المعلم حينما يعمل عملين يسد عجز الحكومة، التي تعجز عن سد احتياجات الموظف، ولذلك يجب عليها مراجعة هذا الأمر، وإنصافه حتى يتسنى للموظف العيش حياة كريمة.
ويضطر الكثير من الموظفين سواء في القطاع الخاص أو العام، للعمل بعمل آخر لتوفير دخل إضافي يعينهم على متطلبات الحياة، في ظل الغلاء الذي يسود العالم، وخاصة بعد الحرب الأوكرانية الروسية.
بدوره يقول عنان دعنا عضو اتحاد المعلمين في حديث ل” بالغراف” أن دور المعلم ورسالته في المدارس هو دور ريادي ومهم ولكنه شاق أيضاً، فالعملية التعليمية في المدارس تحتاج للعديد من الأشياء، وبعد دوامه المدرسي يحتاج إلى الراحة فعمله لا ينتهي بانتهاء الدوام، ويتبقى لديه العديد من الأمور التي ينجزها في منزله، مثل “وضع الخطط التعليمية، وكتابة الامتحانات وتصحيحها، ووضع الأنشطة اللامنهجية إلى غير ذلك من الأمور التعليمية”
العمل الإضافي للمعلم مرهق جداً للمعلم يقول دعنا ولكن نتيجة الراتب والالتزامات والبحث عن حياة كريمة يلجأ المعلم والموظف الحكومي إلى العمل الإضافي، متمنياً أن يكون هناك دخل للمعلم يتناسب مع الوضع المعيشي والغلاء، وأن يحقق حياة كريمة له وأن لا يلجأ إلى العمل الإضافي
ويلفت دعنا إلى أن اتحاد المعلمين يسعى قدر الإمكان إلى رفع سقف راتب المعلم، ولكنها عملية تراكمية تتم على مدار السنوات فحقق عددًا من الاتفاقيات في سبيل ذلك عام ٢٠١١ و٢٠١٣ و٢٠١٦ و٢٠١٨ مروراً بعام ٢٠٢٠ وآخره هذا العام ولكن لم يصل إلى مستوى مقبول بتحقيق كافة مطالب المعلم وأن يصبح راتب المعلم يكفي، فالعملية المطلبية هي عملية تراكمية، فيسعى الاتحاد إلى نزع حقوق المعلم وخاصة المالية، خاصة في الظروف التي نعيش بها
وشدد على أنه بإمكان الحكومة توفير التعليم المجاني لأبناء المعلمين وهذا يرفع العبئ المادي عنهم، فالاتحاد يضع سنويا خطوات لرفع سقف راتب المعلم، فتم رفعه خلال الخمس سنوات المنصرمة ولكنها لم تصل للمستوى المطلوب، وغلاء المعيشة متوقف منذ عام ٢٠١٣ وهو مطلب يطالب به الاتحاد منذ سنين
وطالب دعنا الإعلام بتحفيز دور المعلم والعمل على ارجاع دور المعلم الاجتماعي وضرورة الاهتمام بالمعلم رسالته