loading

ثورة صلعان مخيم شعفاط

هيئة التحرير

أعادت فكرة حلق شبان من مخيم شعفاط شمال شرق القدس، رؤوسهم حتى درجة “الصفر” كوسيلة لإرباك الاحتلال الإسرائيلي وللتغطية والتمويه على شاب يطارده الاحتلال عقب تنفيذه عملية إطلاق نار في الثامن من الشهر الجاري، على الحاجز العسكري المقام على مدخل المخيم، فكرة مشابهة للتمويه على الثوار في ثورة العام ١٩٣٦، حينما أصبح الفلسطينيون كلهم يشبهون الثوار بلباسهم.

مجموعة شبان في مخيم شعفاط حلقوا رؤوسهم كتلك الصورة التي نشرها الاحتلال للمتهم بتنفيذ العملية، في محاولة منهم لإرباك الاحتلال كي لا يصل إلى منفذ العملية، في تحدٍ للاحتلال الذي حاصر المخيم لنحو أسبوع، للضغط على الأهالي لتسليم منفذ العملية، لكن جاءت هذه الفكرة الجديدة مربكة للاحتلال، ولتؤكد على أهمية الحاضنة الشعبية في حماية المطاردين، فهذه ليست الوسيلة الأولى التي يتبعها الشبان لإرباك المحتل والتشويش عليه.

صفر القيمة الثورية!

من فضائل ثقافة الاشتباك الفلسطينية أنها جعلت للصفر قيمة ثورية، فأبدعت، بزمان “لحظة الصفر” ومكان “النقطة الصفر”، وأضافت لها، اليوم، في مخيم شعفاط، إنسان “الحلاقة على الصفر” كتعبير متقدِّم للسيادة على “الرأس، الجسد، والأرض، والرواية، وحمايته”، هكذا وصف أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت عبد الرحيم الشيخ المشهد في مخيم شعفاط بحديثه لـ”بالغراف”.

ويؤكد الشيخ على أن ثقافة الهزيمة، اكتفت بالصفر كـ “علامة ماصَّة”، لا تقترب من شيء إلا وأحالته إلى لا شيء: صفر السيادة وصفر الإرادة، وأمام عريها السافر، يختار الناس المقاومة من أجل البقاء والحرية.

من جانبه يقول ‏الباحث في العلوم الاجتماعية، خالد عودة الله في حديث لـ”بالغراف”: “لم تنقص الشعب الفلسطيني الشجاعة والإبداع الميداني طوال صراعنا الطويل مع الاحتلال، وإنما ما كان ينقص دوماً هو الاستثمار السياسي بالمعنى الثوري لكلمة الاستثمار لا بمعنى الانتهازي السياسي، أي تحويل الاشتباك الميداني إلى حالة سياسية تتقدم نحو هدف التحرير، بصرف النظر عن مدى هذا التقدم، في مقابل الدورات الانتفاضية المتتالية التي في مجملها بقيت عاجزة عن تحقيق المراكمة الثورية والتي تبدو وكأنها تبدأ من الصفر دائماً”.

ويتابع عودة الله، “من الظلم أن نتوقع من  كل هبّة شعبية أن تحقق هذا الهدف، ومن ثم تقييمها بناء على ذلك، ولكن المطلوب لكل من يقف على أرضية المقاومة ومؤمن بخطها، أن يبقي هذه المسألة همّاً وغاية على مستوى التفكير، ومن ثم تلمس ممكناتها على مستوى الممارسة،  لعل نقطة البداية في مسعانا في محاولة تدشين فكر سياسي يولد من رحم كل دورة انتفاضية هو الإجابة على سؤال العلاقة ما بين الفعل الانتفاضي وفاعليه، والصراع مع التركيبة الاجتماعية الاقتصادية السياسية في المجتمع الفلسطيني التي تكونت في ظل الواقع الاستعماري ومن ثمّ تحدد إلى حد بعيد ممكنات هذه الحالة”.

باختصار، وبحسب عودة الله، “تتعدى مسألة احتضان الحالة الانتفاضية مسألة القناعة السياسية أو “المقاومة كهوية إلى مدى  تعبيرها عن آمال وآلام شريحة اجتماعية محددة  في صراعها الاجتماعي الاقتصادي”.

حكاية “الجكر” تعيدنا لثورة الـ٣٦

عام 1936 أصدرت قيادة الثورة الفلسطينية الكبرى قراراً لارتداء الكوفية والعقال المتعارف عليه في الريف، بدلاً من الطربوش المتعارف عليه في المدن، وذلك تضامناً مع الثوار القرويين، كي لا يستطيع الاحتلال البريطاني تمييزهم عن غيرهم، ومخيم شعفاط يعيد الآن ذلك التضامن بطريقة أخرى وهي حلق الشعر لدرجة “صفر”، لتضليل الاحتلال بمطاردته منفذ العملية “حليق الشعر”.

يقول رسام الكاريكاتير رائد قطناني في حديث لـ”بالغراف”، والذي أنتج رسمًا يجسد فكرة “حليق الرأس على الصفر” أن ما دفعه لتصميم هذا الكاريكاتير هو بطولات أهل مخيم شعفاط وغيرها، مشددًا على أنه مهما يكن لشبان المخيم من دوافع، فهم الذين يعيشون تحت الاحتلال ويكابدون استهداف الاحتلال لهم، فهذه الحملة تأتي في إطار إبداعات الجكر الفلسطينية، هو يبتكر ويتلذذ باستفزاز المحتل، وهذا يأتي في سبيل تعذيبهم للوصول إلى المطارد، وأنا أتمنى أن لا يصلوا إليه”.

وربط قطناني ما قام به الشبان بحادثة وقعت بثورة عام ١٩٣٦، عندما قرر الانتداب البريطاني إمساك الثوار الذين كانوا يلبسون الكوفية في تلك الفترة، وبثوا قراراً بأن كل من يلبس الكوفية من الممكن أن يُعدم، حينها أصدرت قيادة الثورة قراراً بأن يردتي كافة الشعب الكوفية، وكان من المتعارف عليه لدى الناس في تلك الفترة إما ارتداء “الحطة البيضاء الفلسطينية، أو الطربوش، أو الطاقية الإفرنجية”، ولكن خلال فترة أسبوع، أضحى الشعب بأكمله يرتدي الكوفية صغارًا وكبارًا ذكورًا وإناثًا.

فكرة بسيطة تربك الاحتلال

رغم بساطة هذه الفكرة إلا أن شبان مخيم شعفاط يرون أنها تحمل إرباكاً لمنظومة رقابة الاحتلال، حيث يقول أحد شبان المخيم (فضل عدم ذكر اسمه) في حديث لـ”بالغراف”: “إن شبان المخيم فكروا بأن المطارد أصلع فتضامنوا معه وحلقوا رؤوسهم، ولم يقتصر ذلك على شبان المخيم فالعديد من أبناء الشعب الفلسطيني قاموا بتلك الخطوة، وتضامنوا مع الشاب”.

جيش من “الصلعان” قادها شبان مخيم شعفاط لتشتيت أنظار الاحتلال في ملاحقة الشاب المطارد، إي يحاول شبان المخيم بشتى الطرق مؤازرة المطارد، وإن دل على شيء يدل على جيل واعٍ يسعى لتحويل أبسط الأفكار وأغربها لوسيلة مقاومة للاحتلال، وفق أحد نشطاء المخيم.

هذه التجربة أثرت بشكل إيجابي بشبان مخيم شعفاط بابتكار أساليب لمواجهة الاحتلال والدفاع عن مخيمهم، فكثرة الاقتحامات والمواجهات خلقت جيلاً واعياً يبتكر وسائل يقاوم فيها الأهالي المحتل.

الكاريكاتير يوسع الحملة

يؤمن رسام الكاريكاتير محمود عباس بأنه يحمل هموم الشعب وبأن الريشة لها مكان وحضور وتأثير وخاصة فن الكاريكاتير، وصحيح لا يستوي مداد الدم ومداد الحبر، ولكن مثل هذه الرسومات تشكل وعي للمتتبع للقضية الفلسطينية وبأنه يحاول إبراز الأحداث بطريقة الرسم.

ويقول عباس في حديث لـ”بالغراف”: “إن الكاريكاتير كان هدفه دعم صمود الشبان ودعم فكرتهم التي فعلوها، وإبراز حدث معين بطريقة بسيطة للمجتمعات العربية الأخرى والتي تُظهِر عبقرية الفلسطيني، الذي يبتكر الحلول ويقاوم بكل شيء حتى بحلق شعر رأسه، وهو الذي أيضاً جعل للصفر قيمة مرتين؛ مرة عندما قاوم من نقطة الصفر، والمرة الثانية عندما حلق شعر رأسه على الصفر”.

ويرى عباس أن حملة الشباب حملة ذكية، وتُظهر وجود حلول وأفكار بعيداً عن الحروب التقليدية، فأظهرت هذه الخطوة الشعب كله بأنه مقاوم.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة