loading

الإضراب والعصيان يعودان إلى الميدان

هيئة التحرير

رام الله- “بالغراف”

ثمانية عشر بقرة اشتراها نشطاء في مدينة بيت ساحور شرق بيت لحم، قبل 33 عامًا، ليوزعوا منتوجاتها على المحتاجين من الأهالي، خلال حصار قوات الاحتلال الإسرائيلي للمدينة، إثر العصيان المدني الذي نفذته المدينة خلال الانتفاضة الشعبية الأولى، لتصبح بيت ساحور أحد رموز فكرة العصيان المدني بوجه الاحتلال.

ولا يزال عضو بلدية بيت ساحور رفعت قسيس الذي كان يبلغ من العمر حينها 29 عامًا، وأحد النشطاء البارزين بيت ساحور، يتذكر تفاصيل صمود الأهالي، رفضًا لحصارهم، وفق ما يؤكده قسيس لـ”بالغراف”.

العصيان المدني هو رفض متعمد وعلني لقانون أو إجراء فرضه الاحتلال لردع الأهالي، فالعصيان من أحد أساليب المقاومة التي أثبتت نجاحها في تاريخ الثورات المعاصرة، فهل يمكن لها أن تنجح في أيامنا هذه؟

بيت ساحور.. طليعة الانتفاضة

كغيرها، كانت بيت ساحور نشيطة بالمقاومة الشعبية، حتى ذاع صيتها بالإضراب والعصيان المدني الشهير، وعمل الأهالي على تنظيم أمورهم الداخلية عبر لجان شعبية غطت مختلف جوانب الحياة، وما ساهم بإنجاح الإضراب حينها وجود مؤسسات مجتمعية مختلفة، وتكاتف أسري، والدور الكبير للقوى الفلسطينية.

ووفق قسيس، فإن العصيان بدأ عام 1988، حينما قرر الأهالي مقاطعة الضريبة وعدم دفعها للاحتلال، تزامنًا مع فعاليات كفاحية يومية وأسبوعية شارك بها الجميع، وكذلك نجح الأهالي بتفعيل دور ما يشبه اللجنة الإعلامية للتواصل مع الإعلام محليًا وعربيًا ودوليًا، وإيجاد متضامنين أجانب كانوا يقومون بزيارات متكررة لبيت ساحور.

لم تترك قوات الاحتلال بيت ساحور بحالها فكثفت في شهر يوليو\ تموز 1988، من مداهماتها وحصارها، وتخللها مداهمة متاجر المدينة ومصانعها ومصادرة هويات الأهالي، الذين ردوا بإلقاء الهويات، ثم إعلان العصيان المدني، حينها فرض الاحتلال منع التجول وانتشر جيشه في المدينة، ثم أعادوا الهويات لأصحابها، ونفذوا اعتقالات طاولت عشرة شبان حولوا للاعتقال الإداري، كان بينهم رفعت قسيس.

ولم يتوقف العصيان المدني، وتعرضت بيت ساحور عام 1989، إلى حصار استمر 40 يومًا، وأثار حصار المدينة حينها المؤسسات الدولية، وعقد مجلس الأمن جلسة لإصدار قرار بفك الحصار عن المدينة، لكن أميركا قابلته بـ”الفيتو”، بعدها استمر العصيان المدني لنحو أربع سنوات، اعتقلت خلالها قوات الاحتلال المئات وجرحت العشرات وارتقى 5 شهداء.

في بيت ساحور.. حدائق ونصر

لم يستسلم أهالي بيت ساحور وبدأوا بترتيبات للاعتماد على الذات، منها إنشاء حدائق منزلية يزرعوا بها خضراواتهم وأطلقوا عليها اسم “حدائق النصر”، وشراء 18 بقرة لتوزيع منتجاتها على المحتاجين مجانًا، ثم كانت نواة مصنع ألبان عمل لعدة سنوات، قبل أن تجبر ظروف عدة القائمون عليه لإغلاقه.

ويؤكد قسيس أن “حدائق النصر” وشراء الأبقار وغيرها من أفكار الصمود، قد تحقق الاستغناء ما أمكن عن أية بضائع إسرائيلية، وكل ما من شأنه رفع مستوى الاكتفاء الذاتي أمور هامة في ذلك النضال، والذي مكن الأهالي الصمود أربع سنوات في عصيانهم ضد الاحتلال.

نابلس تحاول كسر الحصار

منذ الثاني عشر من الشهر الجاري وحتى الآن، تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا على مدينة نابلس وإغلاق الحواجز المحيطة بها، أو فرض إجراءات مشددة عليها، بعد يوم واحد على تنفيذ مجموعة “عرين الأسود” عملية إطلاق نار قتل فيها جندي إسرائيلي قرب مستوطنة “شافي شمرون” المقامة على أراضي شمال غرب نابلس، وذلك الحصار يسبب المعاناة لأهالي المحافظة جميعها والبالغ عددهم نحو 420 ألف نسمة.

الحياة العامة في نابلس تأثرت، فتعطلت الجامعات، وبعض المدارس في الأرياف، وضُيق على المرضى خاصة الذين يعانون أمراضًا مزمنة، وتأثر الاقتصاد النابلسي، وأصبح كل من يريد الخروج أو الدخول إلى نابلس يعاني، وسط تحذيرات من معاناة مضاعفة حال استمر الحصار، ما اضطر القوى الوطنية والإسلامية وفعاليات نابلس للإعلان عن خطوات لمواجهة الحصار، بدءًا من تنفيذ مسيرات وفعاليات على الحواجز.

ويؤكد منسق القوى الوطنية والإسلامية في نابلس نصر أبو جيش في حديث لـ”بالغراف” أنه تم إطلاق حملة لكسر الحصار، حيث تم توجيه نداء لأهالي الداخل المحتل ومحافظات الضفة الغربية والقدس بضرورة تسيير حافلات زيارة نابلس وكسر الحصار عنها.

ووفق أبو جيش، فقد تمت مطالبة الحكومة الفلسطينية بعقد جلسة طائرة في محافظة نابلس، وكذلك تمت مناشدة الهيئات الدولية بضرورة التدخل السريع لوضع حد للكارثة الإنسانية في محافظة نابلس.

وتدعو قوى وفعاليات نابلس الأهالي لعدم استخدام الطرق البديلة، بل استخدام الطرق الرئيسية، والقيام بمسيرات سلمية على الحواجز لتشكيل عامل ضغط من أجل رفع الحصار، وكذلك ضرورة انتظام الدوام الوجاهي للجامعات، وهو ما يجري حاليًا.

مخيم شعفاط للعصيان مجددًا

عقب عملية إطلاق النار على الحاجز العسكري الإسرائيلي المقام على مدخل مخيم شعفاط، ومقتل مجندة وإصابة جنديين آخرين، والتي نفذها الشهيد عدي التميمي، حاصرت قوات الاحتلال المخيم وبلدة عناتا المجاورة في محاولة للوصول إليه، فقرر الأهالي تنفيذ عصيان مدني اضطر الاحتلال لرفع حصاره بعد 3 أيام من العصيان.

وهذه المرة الأولى التي يثور فيها أهالي مخيم شعفاط ضد الحصار الذي شلّ مختلف مناحي الحياة، فجاء العصيان لاسترداد كرامة الشعب وصفع من يحاول نزع الإنسانية والحياة عنهم، يؤكد الناشط الميداني نصري غنايم لـ”بالغراف”.

ويبين غنايم أن “العصيان المدني” أثر على الاحتلال كونه يسوق نفسه “دولة ديمقراطية” عالميًا، كما أن عدم خروج 35 ألف عامل وموظف يؤثر على سير الحياة المعتادة للاحتلال، كما يضرب اتجاه بلدات القدس للإضراب والعصيان المدني محاولات سيادة الاحتلال على المدينة المقدسة.

خلال أيام الإضراب والعصيان المدني كان شبان مخيم شعفاط ينتشرون على المفارق الرئيسة للحفاظ على قرار العصيان والالتزام به، وتنمية التكاتف والتآزر الوطني والوقوف في وجه قرارات الاحتلال، ما يقصر عمر هذه الخطوة الاحتجاجية، يؤكد الناشط حسن علقم لـ”بالغراف”.

معاناة إنسانية بمخيم شعفاط

تعطلت وتشوشت الخدمات العامة التي تقدمها وكالة “الأونروا” في مخيم شعفاط، خلال الحصار، خاصة التخلص من النفايات، حيث ينتج المخيم نحو 15 طنًا من النفايات الصلبة، يوضح الناطق باسم الوكالة بالضفة الغربية كاظم أبو خلف لـ”بالغراف”.

خلا الحصار منعت سيدة جاءها المخاض الذهاب للولادة بإحدى مستشفيات القدس، وحينما رفض جنود الاحتلال مرور مركبة زوجها عن الحاجز، جلب لها المقدسيون غطاءً، ونقلت مشياً على الأقدام خارج الحاجز، وأقلتها مركبة ولدت فيها قبل وصولها المستشفى.

هكذا ينحج العصيان

حتى تنجح فكرة العصيان، فإنها بحاجة لعديد الأسس، حيث يرى عضو بلدية بيت ساحور رفعت قسيس، بضرورة وجود قيادة ميدانية جريئة يثق بها الناس، والعمل على تعبئة الناس، وإشاعة فكرة التكافل، والعمل وفق رؤية واضحة.

ويؤكده الناشط حسن علقم من مخيم شعفاط لـ”بالغراف” أن العصيان المدني يحتاج لمشاركة غالبية الفلسطينيين للضغط على الاحتلال، مشيرًا إلى أنه وبعد احتلال القدس عام 1967، كان هنالك عصيان مدني واسع استمر ست سنوات، في مجال التعليم، ولم يرسل الأهالي أبناءهم للمدارس التي فرض عليها المنهاج الإسرائيلي، ويرسلونهم لمدارس رام الله والبيرة، حتى رضخ الاحتلال وأعاد المنهاج العربي (الأردني).

ولأن العصيان المدني أحد وجوه النضال استخدمته الشعوب وكان مهماً بتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، لفترات طويلة منذ ثورة 1936، وصولاً لأول إضراب للمعلمين بعد الاحتلال الإسرائيلي، حينما رفضوا التدريس تحت الاحتلال وفتحت المدارس بعد نحو ثلاثة شهور من بدء العام لدارسي.، يؤكد الناشط السياسي عمر عساف لـ”بالغراف” أن نجاحه يحتاج قيادة موثوقة، وهذه الأيام فإن فكرة الإضراب والعصيان بالقدس تحقق نتائج فاعلة لوجود احتكاك يومي مباشر.

ويؤكد مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة لـ”بالغراف” أن الإضراب والعصيان المدني من أهم وسائل المقاومة الشعبية، واللذين يحظيان بمشاركة واسعة واستمرارية، لكنهما يحتاجان لتحمل.

ووفق أبو رحمة، “فإن فكرة الإضراب في القدس ومحيطها مهمة كون تلك الأماكن تحت السيطرة الكاملة للاحتلال، وفي هذه الأيام، يحقق االعصيان نتائج سريعة، وسيجبر الاحتلال على إعادة الحياة كما كانت”. 

هكذا ينجح الإضراب بالضفة

يمكن للإضراب في الضفة الغربية، والمناطق التي لا يوجد فيها سيطرة للاحتلال كما القدس أن ينجح، حينما يكون الإضراب متزامنًا مع أيام الغضب والتصعيد في أماكن التماس مع الاحتلال، وفق أبو رحمة.

ويرى أبو رحمة أن الإضراب في الضفة الغربية دون اللجوء إلى التصعيد، حال استمراره فترات طويلة قد يكون له تأثير سلبي على الفلسطينيين، خاصة من الناحية الاقتصادية، بعكس القدس التي لا تزال تخضع لسيطرة قوات الاحتلال.

وفكرة الإضراب في الضفة الغربية مهمة، بحسب أبو رحمة، في سياق توسيع رقعة التضامن، وسيكون له انعكاساته التضامنية على الصعيد العالمي.

والإضراب بالضفة الغربية يمكن له أن يكون فاعلًا أكثر حينما يقترن بالمواجهة، وليس إضرابًا مع المكوث في المنزل، “فهو معاقبة للنفس، لذا فإن الإضراب يجب أن يكون وفق خطة تصعيدية”، يؤكد الناشط السياسي عمر عساف.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة