loading

كهف التراث في سوسيا

هيئة التحرير

منذ صغرها بدأت فاطمة نواجعة التطريز بعدما تعلمته من والدتها، وهي كبقية النساء في خربة سوسيا بمسافر يطا جنوب غرب الخليل، ينسجن بمهارة وخبرة المطرزات بأيديهن، ويحكنها بسهولة ويسر وبطريقة ورثنها عن أمهاتهن منذ الصغر.

هذه المهنة أصبحت المفضلة لدى نساء “سوسيا” على مدار السنين، فسعت النساء هناك لتطويرها، وتحويل كهف في خربة سوسيا إلى معرض للتراث لعرض منتوجاتهن من التطريز، والحفاظ على مهنتهن المتوارثة.

مهنة الأمهات المتوارثة!

فاطمة نواجعة تبلغ من العمر حاليًا (43 عامًا)، كانت تعلمت التطريز من والدتها، ومع مرور السنوات أصبح التطريز مهنتها، بعد حبها لها وأخذها على عاتقها مهمة الحفاظ على هذا التراث والهوية، فأصبحت تنسجها بمهارة كبيرة تحاكي مهارة والدتها التي علمتها هذه المهنة منذ صغرها، تؤكد في حديثها لـ”بالغراف”.

وليس هذا هو عمل فاطمة نواجعة فحسب، إذ أنها تعمل رئيسة لجمعية “نساء الريف”، وكباحثة وناشطة اجتماعية تقدم دورات توعوية للنساء في المناطق المصنفة “ج” حول العنف المنزلي والنوع الاجتماعي، إضافة لتقديم برامج تعليمية وتثقيفية للنساء وطلبة المدارس، وغيرها من البرامج للأطفال.

منذ البداية كانت السيدة الثلاثينية هيام نصر مع النساء في إقامة معرض المطرزات، من خلال المساعدة فيه وأيضاً من خلال الأعمال التطريزية التي تقدمها، وهي التي بدأت التطريز من والدتها منذ عمر الخامسة عشر ربيعاً، لتصبح بعد ذلك مهنتها التي تحافظ بها على التراث، تؤكد هيام في حديث لـ”بالغراف”.

وتمتهن السيدة الأربعينية وداد أحمد وهي إحدى مؤسسات المعرض مهنة التطريز، التي تعلمتها من والدتها ونساء عائلتها، إضافة لمهن أخرى موجودة بالمعرض، الذي ساعدهن كنساء على إيجاد دخل خاص بهن، تؤكد وداد لـ”بالغراف”.

كهف التراث الفلسطيني

ليس التراث في فلسطين فقط ثوبًا أو قبعة مطرزة، بل يوجد في فلسطين تراث معَمِر منذ آلاف السنين، عمدت نساء سوسيا على إظهاره وجعله مزارًا لكل الزوار كانوا أهل بلد أم سياح، عبر تحويل كهف من كهوف سوسيا إلى معرض تراثي يضم الأشغال التراثية للنساء.

تقول فاطمة نواجعة: “كانت الفكرة بأن يعرض التراث داخل الكهف الذي هو أيضاً تراث كذلك، فهو مكان سكن الأجداد منذ آلاف السنين في القرى والخِرب جنوب الخليل، وذلك قبل أن تستولي عليها قوات الاحتلال ويهجروا سكانها واستوطن فيها المستوطنون، واستولوا على ما بها من أدوات زراعة وحِراثة وتحويلها إلى معارض للاحتلال والكتابة عليها بأنها تراث يهودي، لكن النساء قررن الحفاظ على فكرة الكهف الذي يقاوم سرقة التاريخ والتراث”.

وتشدد فاطمة نواجعة على أن هذا المعرض هو بمثابة الحفاظ على الهوية الفلسطينية من خلال التراث داخل التراث، حيث الكهف تراث الأجداد القديم، وأيضاً تراث الهوية الفلسطينية الذي امتهنته النساء الفلسطينيات على مدار السنوات، والذي يتم عرضه بداخله.

وتؤكد وداد أحمد، على أن نساء سوسيا وبالمنتجات التي بداخل الكهف يسعين للحفاظ على التراث والهوية الفلسطينية وتطويرها، لتناسب ومنتجات العصر أيضاً.

إصرار وثبات

الكهف تعرض للهدم مرتين على أيدي قوات الاحتلال لكن نساء سوسيا نجحن بتنظيفه وإعادته من جديد، كنوع من  إصرارهن على الصمود والبقاء، فمنذ عام 2000، عكفت خمس نساء على تنظيمه وترتيبه، ومن ثم شرعن بتحويله لمعرض، قبل أن يصبحن ثلاثين سيدة يبعن به تراثهن الذي ينسجنه بأيديهن، إضافة لصوف الغنم والنول والقطع المتنوعة كالحقائب ومفارش الطاولة، وبيع المأكولات الشعبية الطبيعية كالجبنة واللبنة والعسل والزعتر وغيرها، ليكون الهكف المشروع النسائي الذي لم يحصل على الدعم من أية جهة كانت.

وتقول فاطمة نواجعة: “لم يكن هناك اقتناع لدى الجميع بهذا العمل، ولكن وبعد نجاح الفكرة أصبح هناك الكثير من النساء ممن يبادرن للانضمام لهذا المشروع والعمل به”، فيما تشير إلى أن بعد المكان جغرافياً وصعوبة الوصول إليه بسبب المواصلات المقطعة الأوصال بسبب الاحتلال، كانت صعوبات تواجه نساء سوسيا.

تؤكد فاطمة على أهمية دور النساء الفلسطينيات في دعم صمود النساء في مناطق (ج) ومناطق جنوب الخليل وشمال فلسطين، في ظل ما يعانينه على أرض الواقع.

إقبال على المعرض

لاقى المعرض إقبالًا خاصة من الوفود الأجنبية والسياح والمتضامنين، حيث تقول نواجعة: “إن المعرض ترك انطباعًا جميلًا لدى زائريه، وهو يبرز الهوية الفلسطينية التراثية، فتكون نظرة الزوار إيجابية، ومحط تقدير واحترام لتعب النساء، وما ينتجن بأيديهن دون استخدام أية آلات”.

تستقبل وداد أحمد الوفود السياحية الأجنبية والمحلية، وتلاحظ انطباعاتهم وهم يشعرون بالسعادة حالما يدخلون إلى المعرض، خاصة عندما يرون المنتجات سواء المأكولة أو منتجات التطريز أو الصوف التي تبدع به نساء سوسيا.

المعرض ساهم بإضافة مصدر دخل لكثير من السيدات، اللواتي يعانين أيضاً من صعوبة تسويق مطرازتهن، ولكن بعد افتتاح المعرض وإقبال الناس عليه أصبح هناك تسويق لهذه المنتجات بحسب ما تؤكده نصر، التي تشير إلى الردود الإيجابية على منتجات المعرض، داعية الناس إلى زيارة هذا المعرض بشكل أكبر، لما يشكل ذلك من دعم لنساء قرية سوسيا والذي يعتبر مصدر دخل لهن.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة