هيئة التحرير
٣٥ عامًا مرت على انتفاضة الحجارة، انتفاضة دافع فيها الفلسطيني عن أرضه بما أنبتت الأرض من حجارة، انتفاضة أعادت للأرض الفلسطينية وجودها في المحافل الدولية حينما اضمحل الحديث عنها، فأعاد الشبان بدماءهم فلسطين للواجهة.
أربعة عمال ارتقوا شهداء بتاريخ ٨/١٢/١٩٨٧ بعدما قام مستوطن بدهسهم، وولى هارباً أمام جنود الاحتلال في جباليا بقطاع غزة، فكان هذا الحدث شرارة الانتفاضة، حينما هب الشعب شيبًا وشبان نساء وأطفال بحجارتهم وبصمود شعب ذاق الويلات على يد الاحتلال.
وقال الكاتب والأديب بكر أبو بكر أن الظروف التي سبقت اندلاع الانتفاضة كانت أن الفلسطينيين والثورة الفلسطينية كانوا يعانون من حصار عالمي، إضافة إلى التخلي العربي ومحاولات هيمنة مستمرة، فذلك جعل من المسار السياسي الفلسطيني يحتاج لإسناد، مضيفاً أن الشهيد خليل الوزير كان أول الرصاص وأول الحجارة وعنوان البناء الوطني الداخلي مع قيادات الوطن، والتي استطاعت ان تفك العزلة والحصار، وأن تعيد للقضية ألقها بعد أن ضاقت على الثورة ساحات الأنظمة آنذاك.
عوامل الانتفاضة
وحول العوامل التي ساهمت في انطلاق شرارة الانتفاضة أكد أبو بكر أن هناك الكثير من العوامل التي شكلت مناخ التمرد ثم الانتفاضة، منها ممارسات الصهيونية الإجرامية المتراكمة والمتواصلة في غزة والضفة، حيث كانت عملية دهس صهيوني لعدد من العمال الفلسطينيين في جباليا بتاريخ ٨/١٢/١٩٨٧ الشرارة التي كان يحتاجها الأمر لتتفجر ثورة، لاسيما وأن التأهيل الوطني الشعبي ما بين قيادة الخارج وقيادة الوطن كان قد تأهل وعبر القيادة الوطنية الموحدة لاحقًا.
ووفق أبو بكر في حديثه ل ” بالغراف” فإن من أسباب الانتفاضة الإجرام الصهيوني المتواصل، إضافة إلى تأهيل الكوادر للانطلاق عبر مسيرتها النضالية وإضافة لتجارب العمل في الشبيبة الاجتماعية بما حققته حركة فتح أساسًا، بالإضافة إلى الحنق الشعبي والحالة العامة من الغليان، مضيفاً إلى حالة رفض الاحتلال ورد العدوان بما كان فيه من نكبات ونكسات وبأسلوب جديد من ابتكار قيادة الثورة الفلسطينية بالداخل والخارج، إضافة إلى أنه ممكن إرجاعها إلى أنها أتت كرد أيضاً على ضم القدس ولفك الضغوط عن قيادة الثورة، إضافة إلى استمرار الحواجز والاعتقالات والإعدامات الميدانية، لا سيما أيضاً تردي الأوضاع المعيشية، فكانت هذه الأسباب شرارة انطلاق الإنتفاضة.
سمات ومظاهر الإنتفاضة
أما عن سمات ومظاهر هذه الإنتفاضة فيقول أبو بكر أنها كانت انتفاضة حجارة في مقابل الدبابة والمدفع، وانتفاضة عراة الصدور مقابل آلة الحرب المدججة بالسلاح، وانتفاضة السلام مقابل عقلية الحرب الدائمة، مضيفاً أنها انتهجت أسلوباً جديداً متميزاً من خلال المظاهرات الشعبية السلمية ذات الإنتشار الواسع، مؤكداً أن الذي حماها هو وحدة البرنامج والقيادة ضمن القيادة الوطنية الموحدة لولا شذوذ حماس عنها لكانت ذات بريق ساطع ووحدوية، مؤكداً أنه شُكِلَت لجان عمل ثورية في كل مكان لمواجهة المحتل بالحجارة وقطع الطرق والإطارات المشتعلة ونبذ الإدارة العسكرية، مشيراً إلى أن الانتفاضة استطاعت وفي ظل الإضرابات أن تحقق الاكتفاء الذاتي وتنشط في مجال التعليم والزراعة والرعاية لتظهر قوة وعطاء هذا الشعب، مضيفاً أن القمع الصهيوني واحد ومهما تعددت أشكاله منذ الغزوة الصهيونية لم يتوقف يتصاعد أحيانا ولايخفت، وإنما يتغير شكله ولكن يظل القتل والاعتقال وهدم البيوت وسرقة الأرض والأبعاد سياسة مستقرة
سياسة تكسير العظام
في الانتفاضة استخدم جنود الاحتلال سياسية تكسير العظام الذي تبناها حينذاك إسحاق رابين، حيث يتم طلب تكسير أطراف راشقي الحجارة من الشبان الفلسطينيين.
الفلسطيني وائل جودة كان رفقة ابن عمه أسامة جودة يرعون أغنامهم في جبال بلدتهم عراق التايه قرب نابلس حينما هاجمهم أربعة من جنود الاحتلال وبدأوا بضربهم على أطرافهم بالحجارة.
ويقول وائل جودة في حديثه ل” بالغراف” أنه وفي يوم الجمعة وبتاريخ ٢٦/٢/١٩٨٨ كان في أحد جبال بلدة عراق التايه بنابلس رفقة ابن عمه أسامة جودة حينما هاجمهم أربعة جنود مدججين بأسلحتهم وقاموا بضرب هم بالحجارة وبالعصي على أيديهم وتكسيرها، مضيفاً أنه من حسن حظهم أنه كان هناك من يصور هذا الاعتداء وقام بنشره في وسائل الإعلام.
وأكد أنه وبعد أن تم الاعتداء عليهم قام الجنود باقتيادهم إلى الشارع واعتقالهم، رغم محاولات نساء القرية تخليصهم من أيدي الجنود، حيث في تلك الفترة كانت النساء تحاول بشتى الطرق منع الجنود من اعتقال الشبان حسبما يقول، مضيفاً أن الجنود اقتادوهم إلى مركز التحقيق وبعد انتشار الڤيديو جاءت الصحافة بعمل مقابلة صحفية لهم ثم تم إطلاق سراحهم.
” كانت حجارة فلسطين رحيمة بأبناءها” هكذا يصف جودة آثار ما حصل معهم، حيث رغم قيام قوات الاحتلال بضربهم بالحجارة على أيديهم، وقيام جندي بلوي يد ثم يضرب الجندي الآخر مفصل اليد، إلا أنهم تعرضوا لرضوض في أيدهم واصفاً حجارة فلسطين بأنها كانت رحيمة بهم.
يعبر جودة عن حسن حظهم بوجود صحفي في تلك المنطقة وقام بتصوير ما حدث لهم في جبل قريتهم وعرضه على وسائل الإعلام، مؤكداً أن الاحتلال ومنذ الأزل يعذب أبناء الشعب ويقتلهم كما حصل في حوارة حيث تم إعدام الشاب دون أي سبب، إضافة إلى العديد من الشهداء الذين يقتلهم الاحتلال في كل مكان، وهذا ليس بشيء جديد عليهم، موجهاً شكره للصحافة التي صورت ما حدث ونشرته.
أهمية الانتفاضة ونتائجها
شكلت الانتفاضة أهمية كبيرة للشعب الفلسطيني، فيشدد أبو بكر أنها اثبتت قوة الشعب الفلسطيني في وطنه، وذلك رغم الظلم والجبروت وإعادة الأضواء على الساحة الرئيسية، أي ساحة الوطن لتقود الثورة التي أُنجزت ببراعة مرحلة إظهار القضية وتحصينها وجعلها عصية على الكسر، وذلك بما حققته من بناء وطني شامل عبر منظمة التحرير الفلسطينية وتكريس الفكر النضالي، وسحب القضية من أدراج الأمم المتحدة والقائها بوجه العالم الذي منذ ذاك الحين لم يستطع رغم كل المحن أن يغفل عينيه عنها، إضافة إلى أنها حققت انتصار لمسيرة الثورة الفلسطينية التي قالت “هنا فلسطين فلا الكبار يموتون ولا الصغار ينسون”، وجاء وقت ساحة الصراع الرئيس أي في الوطن.
وحول نتائج هذه الانتفاضة فأكد أبو بكر أنها أثبتت عظمة هذا الشعب وقدرته على الإبداع، واستدلال طرق تمرده وثورته، كما وأثبتت تكامل القيادة بالداخل والخارج، وحققت الالتفاف حول التراب الوطني من جهة وحول الوطن المعنوي ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات، كما وأثبتت هذه الانتفاضة استقلالية الإرادة الفلسطينية وقدرتها على الإنجاز بعيداً عن المحاور العربية آنذاك وبعيداً عن ضغوطات الأنظمة المنسحقة.
المرأة في الانتفاضة
تشكل المرأة جزءًا من هذا الشعب وكان لها دورها في الانتفاضة الأولى، من التطوع في التعليم إلى تطريز الأعلام إلى محاولات منع الجنود من اعتقال الشبان إلى غير ذلك من الأعمال.
وتقول بشرى التميمي في حديث ل” بالغراف” أنه رغم محدودية دور المرأة في الانتفاضة نتيجة الخوف عليها من قبل العائلة إلا أنها عملت خلال الإنتفاضة على الكثير من الأمور منها التطوع في تعليم الأطفال نتيجة اغلاق المدارس فكانت النساء تجمع الاطفال وتقوم بتدريسهم، فكان لهذه الخطوة أهمية كبيرة.
وأضافت أن المرأة كانت أيضاً بتطريز وخياطة الأعلام في البيوت وزي الشبان أيضاً، إضافة إلى جمع الزيت من البيوت وتسليمه للصليب لإيصاله إلى الأسرى في سجون الاحتلال، إضافة إلى الكتابة على الجدران وعلى اليافطات.
وأكدت التميمي أن مشاركة المرأة كانت محدودة نتيجة حالات الإسقاط التي كان يتبعها الاحتلال فكانت حركتها خارج البيت محدودة نتيجة خوف العائلة عليها، فكان خروج المرأة لضرب الحجارة محدود.