loading

ناصر أبو حميد: رحل الأسد المقنع

هيئة التحرير

بعيداً عن حضن والدته كما تمنت، وبعيداً عن أزقة شوارع المخيم الذي يعشق، ارتقى الأسد المقنع الأسير ناصر أبو حميد ” ٥٠ عامًا” في مستشفى ” آساف هروفيه” بالداخل المحتل، بعد معاناة مع مرض السرطان الذي أصيب به العام الماضي في الرئتين، إلى جانب إهمال طبي متعمد من إدارة سجون الاحتلال، ليترجل فارسًا آخر من فرسان هذا الوطن مجددًا.

وكان الشهيد أبو حميد قد أرسل رسالته الأخيرة وقال فيها “أنا ذاهب إلى نهاية الطريق، ولكن مُطمئن وواثق بأنني أولا فلسطيني وأنا أفتخر، تاركًا خلفي شعب عظيم لن ينسى قضيتي وقضية الأسرى، وأنحني إجلالاً وإكبارًا لكل أبناء شعبنا الفلسطينيّ الصابر، وتعجز الكلمات عن كم هذا المشهد فيه مواساة وأنا “مش زعلان” من نهاية الطريق لأنه في نهاية الطريق أنا بودع شعب بطل عظيم، حتى التحق بقافلة شهداء فلسطين، وجزء كبير منهم هم رفاق دربي وأنا سعيد بلقائهم.”

واستشهد أبو حميد ليلحق بشقيقه عبد المنعم أبو حميد الذي ارتقى عام ١٩٩٤، فيما يبقى أربعة من أشقائه في سجون الاحتلال يواجهون أحكامًا بالمؤبد وعشرات السنين.

وزفت عائلة أبو حميد ابنها الشهيد في بيان قالت فيه أنها تزف ابنها البطل شهيداً، وبهذا تكون روحه حرة طليقة فيما يبقى جسده أسيراً لدى قوات الاحتلال الذي هو الوجه الآخر للنازية.

وأضافت العائلة في بيانها أنه ” وبهذا يكون ناصر قد ترجل روحاً، ولم يترجل جسداً بحيث لن يتسنى لنا إكرامه بالدفن، وذلك بحسب قانون الاحتلال البغيض وليفهم هذا الاحتلال بأنه لدينا قوانينا نحن القابضون على الجمر المحتسبون أمرنا لله عز وجل”.

وأكدت العائلة أنها ستبقى بحالة حداد مستمرة إلى أن يتحرر جسد ابنها ومعه سائر جثامين الشهداء الأبرار المحتجزة في مقابر الأرقام، وداخل ثلاجات العدو.

نادي الأسير

من جانبه حمل نادي الأسير الاحتلال المسؤولية الكاملة عن قتل الأسير ناصر أبو حميد، وعن مصير كافة الأسرى ومنهم الأسرى المرضى الذين يواجهون جملة من السّياسات والجرائم الممنهجة، ومنها جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، التي شكّلت في السّنوات القليلة الماضية السبب الأساسي في استشهاد العديد من الأسرى.

وأكّد في بيان له أنّ الاحتلال قتل ناصر، عبر مسار طويل من المماطلة المتعمدة في متابعته صحيًا كما العشرات من شهداء الحركة الأسيرة الذين واجهوا جريمة الإهمال الطبيّ، وكان أبرز ما تعرض له ناصر، التشخيص المتأخر بالسّرطان، رغم الأعراض الصحيّة الخطيرة التي كانت ظاهرة عليه حين كان يقبع في سجن “عسقلان” قبل شهر آب / أغسطس من العام الماضي، حيث أعلن عن إصابته بسرطان الرئة في حينه.

وأضاف نادي الأسير أنه وعلى مدار الشهور الماضية، فشلت جميع المحاولات القانونية، في سبيل تحقيق حريته، ورفض الاحتلال عبر عدة جلسات محاكمة عقدت طلب الإفراج المبكر عنه.

وشدد على أن الشهيد أبو حميد كان قد رفض مقترحاً تقدم به محاميه، لطلب “عفو” من رئيس حكومة الاحتلال، في سبيل الإفراج عنه، وذلك تأكيدًا منه على الحقّ في الاستمرار بمقاومة الاحتلال، واحترامًا لمسيرة الشهداء، ورفاقه الأسرى.

الشهيد أبو حميد

ولد الشهيد ناصر أبو حميد في مخيم النصيرات في مدينة غزة في شهر أكتوبر من العام ١٩٧٦، وبدأت مسيرته النضالية منذ الطفولة، حيث اعتقل للمرة الأولى وهو بعمر الأحد عشر ربيعاً ونصف فقط وأمضى أربعة أشهر قبل انتفاضة الأقصى عام ١٩٨٧، قبل أن يُعاد اعتقاله مجددًا ويُحكم عليه بالسّجن عامين ونصف ومن ثم أفرج عنه

فيما أعاد الاحتلال عام ١٩٩٠ اعتقاله للمرة الثالثة وحكم عليه بالسّجن المؤبد، أمضى منها أربع سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه مع الإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات، قبل أن يُعاد اعتقاله عام ١٩٩٦ ويمضي ثلاث سنوات.

وفي انتفاضة الأقصى انخرط أبو حميد في مقاومة الاحتلال مجددًا، واُعيد اعتقاله عام ٢٠٠٢، وحكم عليه بالسّجن المؤبد سبع مرات و”٥٠ عامًا”، وكان قد أصيب برصاص الاحتلال أيضا.

لديه أربعة أشقاء آخرين يقضون أحكامًا بالسّجن المؤبد، ثلاثة منهم اُعتقلوا معه إبان انتفاضة الأقصى، وهم: “نصر، ومحمد، وشريف”، بالإضافة إلى شقيقهم الخامس إسلام الذي اُعتقل عام ٢٠١٨ والمحكوم بالسّجن المؤبد، و٨ سنوات.

وكان الأسرى قد فقدوا والدهم خلال فترة سجنهم ، كما حرمت والدتهم من زيارتهم مرات عديدة، وتعرضت عائلتهم على مدار السنين للتنكيل الكبير، فيما تعرض منزلهم للهدم خمس مرات كان آخرها عام ٢٠١٩.

شهداء الحركة الأسيرة

باستشهاد ناصر ابو حميد ارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى ٢٣٣ شهيدًا منذ العام ١٩٦٧ منهم ٧٤ شهيدًا ارتقوا نتيجة الإهمال الطبيّ (القتل البطيء)، وكان من بينهم هذا العام بالإضافة إلى الأسير ابو حميد، الأسيرة سعدية فرج الله التي اُستشهدت كذلك جراء الإهمال الطبي المتعمد.

ومع استشهاد ناصر واحتجاز جثمانه يرتفع عدد الأسرى الشهداء المحتجزة جثامينهم إلى عشرة شهداء وهم:-
أنيس دولة الذي اُستشهد في سجن عسقلان عام ١٩٨٠، وعزيز عويسات منذ عام ٢٠١٨، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح وثلاثتهم اُستشهدوا خلال عام ٢٠١٩، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر خلال العام ٢٠٢٠، والأسير سامي العمور الذي اُستشهد عام ٢٠٢١، وداود الزبيدي ومحمد تركمان اللذين ارتقيا هذا العام

ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال اليوم نحو ٤٧٠٠ أسير، من بينهم نحو ١٥٠ طفلًا، و٣٣ أسيرة، بينهم ٨٣٥ معتقلًا إدارياً منهم أربعة أطفال وأسيرتان

وهناك أكثر من ٦٠٠ أسيرًا يعانون من أمراض بدرجات مختلفة وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم ٢٤ أسيرًا على الأقل مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة

يذكر أنه يقبع ٢٥ أسيراً في سجون الاحتلال من قبل توقيع اتفاقية أوسلو وأقدمهم الأسيران كريم يونس، وماهر يونس المعتقلان بشكلٍ متواصل منذ عام ١٩٨٣، وتنتهي محكوميتهما الشهر القادم، بالإضافة إلى وجود عدد من الأسرى المحررين في صفقة (وفاء الأحرار) الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم وهم من قدامى الأسرى، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، والذي دخل عامه الثالث والأربعين في سجون الاحتلال، قضى منها أربعة وثلاثين عاماً بشكل متواصل، إضافة إلى مجموعة آخرى من الأسرى منهم “علاء البازيان، ونضال زلوم، وسامر المحروم”

فيما صدر بحق ٥٥٢ أسيراً أحكامًا بالسّجن المؤبد، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته ٦٧ مؤبداً.

إنقاذ الأسرى

وطالب الباحث في قضايا الأسرى الدكتور رأفت حمدونة وفي أعقاب استشهاد الأسير ناصر أبو حميد، المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية وأحرار العالم أن يتدخلوا للضغط على الاحتلال لحماية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين المرضى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، والعمل على إنقاذ حياة من يعانون من أمراض مزمنة مختلفة كالسرطان والقلب والفشل الكلوي والربو وغير ذلك من أمراض في ظل اتباع سياسة الاستهتار والإهمال الطبي بحقهم .

وحذر حمدونة من استشهاد المزيد من الأسرى المرضى في السجون إذ لم يكن هنالك حالة مساندة جدية لانقاذ حياتهم، مؤكداً مطالبته بالمزيد من الجهد على كل المستويات اعلامياً وسياسياً وشعبياً وحقوقياً، وتحويل قضية الأسرى إلى أولى أولويات الشعب الفلسطينى لتتصدر الأولويات الأخرى.

وأكد أن السكوت على سياسة الإهمال الطبى سيضاعف قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة، مؤكداً على أهمية زيارة الأسرى والاطلاع على مجريات حياتهم وحصر مرضاهم، والسماح للطواقم الطبية لإجراء عمليات جراحية عاجلة لمن هم بحاجة لذلك، وطالب بالتدخل للتعرف على أسباب استشهاد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وبعد خروجهم من الأسر، والتي أصبحت تشكل كابوساً مفزعاً لأهالي الأسرى ويجب التخلص منه تحت كل اعتبار.

وأضاف حمدونة أن هنالك خطورة على الأسرى المرضى ” بمستشفى سجن مراج بالرملة ” كونهم بحالة صحية متردية، وهنالك خطر حقيقى على حياتهم نتيجة الاستهتار الطبي وعدم توفير الرعاية والعناية الصحية والأدوية اللازمة والفحوصات الطبية الدورية للأسرى، الأمر الذي يخلف المزيد من الضحايا في حال استمرار الاحتلال في سياسته دون ضغوطات دولية جدية من أجل انقاذ حياة المرضى منهم قبل فوات الأوان.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة