loading

ميلاد الراعي: كان حلمه الريال فقتله الاحتلال

هيئة التحرير

“رغم الالم رغم الجرح

رغم كل اشي بصير

انا اكبر من كل المحن

انا الي حابب أصير”

تلك هي بعض من كلمات الشهيد الطفل الحالم ميلاد الراعي ابن مخيم العروب بمدينة الخليل، وهذه جزء من كلمات طفل يحمل بداخله مكنونًا من المواهب والأحلام التي اجتثَت في مهدها برصاص الاحتلال.

بين أزقة المخيم كان يركض ملاعبًا كرة القدم التي يحبها، يركض بين زقة وآخرى لعل إحدى تلك الزقق يومًا تُوصلِه لمكان حلمه الأكبر حلم الوصول لملعب ريال مدريد “السينتياغو برنابيو” الذي يعشق.

حلم الطفولة وحلم سن الفتية الذي رافق ميلاد منذ وعى على هذه الدنيا، بأن يكون لاعب كرة القدم أن يركض داخل المستطيل الأخضر يسجل الأهداف ويجلب الفرح لنفسه ولشعبه ولوطنه، حلم تبخر وتوقف عند السادسة عشر من عمره برصاصة جندي استقرت في ظهره ليرتقي شهيدًا وتذهب معه أحلامه أدراج الرياح.

ففي الأمس وفي مخيم العروب بالخليل وخلال مواجهات أصيب ميلاد برصاصة في ظهره، إصابة لم تُمهله طويلاً فارتقى بعد وقت قليل من إصابته، حيث لم تنجح محاولات الأطباء بإنقاذه فارتقى دون تذوق طعم تحقيق الأحلام التي كان يتمناها رغم بساطتها من أحلام.

 يقول منذر الراعي والد الشهيد أن ميلاد ينتمي لهذا المكان المليء بالألم بسبب قرب الاحتلال المباشر لمخيم العروب، حيث المضايقات المستمرة للأطفال أثناء ذهابهم للمدرسة وأثناء عودتهم منها، مضيفاً أنه كان يذهب هو لجلبه وأشقاءه، وهذه المرة أصيب ميلاد برصاصة دمدم في ظهره وقتلوه، مضيفاً أن الأطفال في هذا الجيل أصبحوا ذو فكر واع وأصبحوا يقتدون بالشهداء ويلبسون صورهم كقلائد على رِقابهم، وهم يعيشون حياة بائسة ويرزخون تحت الاحتلال.

يصفه والده بأنه كان مَرِحًا ومحبًا للضحك، وكان أكثر أطفاله قربًا من الناس وكان يحب مساعدتهم، ويمتلك حضورًا وكاريزما بشكل كبير وهو في مثل هذا العمر وكان محبوبًا بشكل كبير بين الناس.

 يمتلك ميلاد موهبة كرة القدم وحبه لها، فكان ينتمي لفريق المخيم ومحبوب جدًا لديهم وكان لاعبًا مميزًا، ولكن دائمًا هناك خيبة أمل وكسر لفرحة الأطفال، بحسب ما يقوله والده منذر الذي يؤكد أن ميلاد لا يسكن في رام الله وبيت لحم ولكنه يسكن في مخيم حيث حالة الانحسار أكبر وحالة الألم أكبر، فحتى لا يوجد توفر للألعاب والملاعب فكانوا يحاولون شق طريقهم وكانوا يعبرون عن شخصياتهم ولكن هناك آلة بغيضة لا تنفك أن تحول بينهم وبين طموحاتهم.

ليست كرة القدم هي موهبته الوحيدة فهو كان يحب الغناء، آخذًا هذه الموهبة من والده الذي يمتهن مهنة الموسيقي فكان يطالب والده بتعليمه، حيث كان لديه صوت جميل ويحب العُرب العراقية وفق ما يقوله والده الذي يُضيف بأن الولد في هذا العمر يبحث عن تشكيل شخصيته ويذهب للشيء الذي يُشبهه، فميلاد كان ما بين كرة القدم وإنتاج الفيديوهات الجميلة والغناء ومحافظته على الصلاة التي تشكل النجاة في هذه الحياة.

من جانبه الصحفي فادي العاروري التقى الفتى ميلاد الراعي السنة الماضية في إطار إعداد فيلم حول حياة ميلاد وأحلامه يقول إن ميلاد كان يقطن عند جدته لوالده حيث قامت بتربيته منذ صِغَرِه، وقضى عندها أغلب أوقات حياته، مضيفاً أن هدف الفيلم كان تناول حياة الأطفال في ظل انتهاكات الاحتلال بحقهم، فكان ميلاد واحدًا من الأطفال الذين احتجزهم الاحتلال لفترة من الوقت إضافة للعديد من الأطفال من حوله الذين إما اعتقلوا أو استشهدوا.

يروي فادي عن ميلاد بأنه كان مُغرَمًا بكرة القدم كغيره من الأطفال الفلسطينيين، وكان يحب جدًا نادي ريال مدريد الإسباني وكان يَحلُم بأن يصبح لاعب كرة قدم، مُضيفاً أنه ورفقة أصدقاءه كانوا يلعبون كرة القدم داخل أزقة المخيم نظرًا لعدم وجود ملعب فيه يستطيعون اللعب بداخله.

أوضح ميلاد لفادي طبيعة حياتهم داخل المخيم، حيث التواجد شبه اليومي لقوات الاحتلال، ومضايقة قوات الاحتلال لهم كأطفال أثناء ذهابهم للمدرسة، وأيضاً إغلاقهم للمدرسة ومنعهم من دخولها عندما يكون هناك مواجهات.

يبين فادي أن ميلاد كان يشعر بأنه يعيش بداخل سجن صغير غير السجن الذي يحيط بالمخيم حيث الشارع الرئيسي يتواجد بشكل شبه دائم المستوطنين بحماية قوات الاحتلال، وعلى بوابة المخيم هناك وجود لقوات الاحتلال أيضاً بشكل دائم، ما سبب لميلاد شعور بالكبوت.

يتابع فادي بأن ميلاد كان يحلم بالخروج خارج البلد وأن يستطيع حضور مباريات ريال مدريد داخل ملعبهم ” السينتياغو برنابيو”، فكانت أحلامه بسيطة غير معقدة بالنسبة لطفل.

ميلاد كان يعلم بصعوبة لعب كرة القدم كونه يقطن في مخيم حيث لا يوجد لديهم ملعب يلعبون به ولا نادي يمثلهم ولا مؤسسات تدعمهم، إضافة لشعورهم بالتهميش نظرًا لِبُعدِهِم عن مراكز المدن، ورغم هذا التعقيد لم يمنعه ذلك من الحُلُمِ فكان مفعمًا بالحياة، وأنه في كل مرة يتابع فيها مباراة يشعر بأنه جزءًا منها، وفي كل مباراة للمنتخب الفلسطيني كان يرى نفسه فيها، حيث كان يرى نفسه يومًا ما محققًا حلمه، لكنه رحل دون أن يستطيع تحقيق أحلامه بحسب ما يقوله فادي الذي يبين بأنه رحل بنفس الطريقة التي أخبره بها باستشهاد أصدقاءه من قبل، فهو أصيب بالرصاص في مخيم العروب من مسافة قريبة جداًز

لم يكن ميلاد يحلم بكرة القدم فقط ولكنه كان أيضًا لديه هوايات آخرى ويمارس طفولته كباقي الأطفال فكان يلعب الببجي ويحب الحياة، وكان يمتلك موهبة غناء ” الراب” وفق ما يقوله فادي، الذي يُضيف بأن ميلاد كتب أغنية وسجلها بصوته.

“رغم الألم رغم الجرح

رغم كل إشي بصير

أنا أكبر من كل المحن

أنا إللي حابب أصير

يمكن صعب ويمكن أكون

بالامل والحب كبير

أنا عايش في هذا المخيم

صابر ومتحمل كثير

صوتي عالي ووقتي غالي

عشان هيك بحلم أطير

بحلم اغني بحلم أنافس

أنا مش قليل ومش منافس

أنا إنسان في قلبي الخير

أملي الخير والتحرير”

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة