loading

“سيناء” الحلم الإسرائيلي المتجدد

هيئة التحرير

تبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء 61 ألف كيلومتر مربع أي نحو 6 %من مساحة مصر، وهي جزء من قارة آسيا ويحدها فلسطين من الشرق، ويبلغ عدد سكانها  نحو 700 ألف نسمة، وهي منطقة صحراوية تعيش على السياحة والتجارة، وتضم محافظتي شمال وجنوب سيناء وتتخذ من العريش على ساحل البحر المتوسط مركزها الإداري، أما شرم الشيخ على البحر الأحمر فهو أهم منتجعاتها السياحية.


وشهدت سيناء العديد من الحروب آخرها بين مصر و”إسرائيل”، وقد احتلتها “إسرائيل” مرتين الأولى عام 1956 والثانية عام 1967، واستمر الاحتلال الإسرائيلي حتى إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في أواخر سبعينيات القرن الماضي وما تبعها من انسحاب لقوات الاحتلال الإسرائيلية.

وفي السبت السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973م، العاشر من رمضان 1393هـ، شنت مصر حربا ضد “إسرائيل”، لاستعادة أرض سيناء المصرية، وقد انتصرت مصر في تلك الحرب.

ونشطت فيها خلال السنوات الماضية تنظيمات مسلحة محسوبة على السلفيين وتنظيم القاعدة، وكانت في حالة قتال دائم مع الجيش المصري، الذي يتواجد هناك بشكل محدود وفقا لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.

تعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة 1948. في ذلك الوقت، رأى القادة الإسرائيليون أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية.

مشاريع توطين الفلسطينيين في سيناء
“توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل حذف ديون مصر الخارجية… فكِّروا فيها”، “معبر رفح لا يزال مفتوحاً… وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك”، “أطالب بضرورة مغادرة سكان القطاع”.. كل هذه التصريحات وأكثر التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون، سبَّبت حالة من الجدل عربياً وعالمياً، لأنها فجَّرت قضية تعود للخمسينيات؛ وهي تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

منذ فترة طويلة، طُرحت فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء حلاً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فعلى مرِّ العقود، قدمت أطراف إسرائيلية سياسية وأمنية وعسكرية مشاريع لرؤساء مصر المختلفين، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وإعادة تشكيل الوجود السكاني في المنطقة. وكانت هذه الجهود تستند إلى الاعتقاد بأن استمرار وجود الفلسطينيين في غزة يشكل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي. ومع ذلك، لم تُنفَّذ هذه المشاريع حتى الآن.

جذور خطة تهجير الفلسطينيين
تعود جذور وخطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة عام 1948. في ذلك الوقت، رأى القادة الإسرائيليون أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية. على سبيل المثال، قال ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إن “العرب يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدي لجعل العرب في دولة عربية”.

ووفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة في 1967، شجَّعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية.
ونتيجة لهذه السياسة، أُلغي اعتراف “إسرائيل” بوجود نحو 140 ألف فلسطيني، بما في ذلك 42 ألفاً من سكان غزة، بحجة تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها في الخارج. ولا يزال الكثير منهم عالقين في الخارج دون وثائق تُثبت هويتهم.

مشاريع تهجير الفلسطينيين:

خطة 1968
تقدمت مؤسسات إسرائيلية مختلفة بمشاريع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ونقلهم إلى خارجها. ففي عام 1968، قدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية مشروعاً يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين في غزة على الانتقال والعيش في الضفة الغربية، ومن ثم إلى الأردن وبلدان أخرى في العالم العربي. وقد نُفِّذ هذا المشروع بشكل غير مباشر وعفوي، دون أن يظهر أنه مدبَّر من إسرائيل. ومع ذلك، لم يحقق هذا المشروع نجاحاً يُذكر بسبب رفض الفلسطينيين في القطاع الانتقال إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي.

في عام 1968 نفسه، ناقشت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطةً لتهجيرٍ طوعيٍّ لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة. ولكنَّ هذه الخطة فشلت بسبب رفض الفلسطينيين ورفض كثير من الدول استضافة الفلسطينيين على أراضيها.

خطة 1970
في عام 1970، حاول أرئيل شارون، الذي كان قائداً في جيش الاحتلال الإسرائيلي حينها، تفريغ قطاع غزة من سكانه، وهذا ما تم بالفعل حيث تم ترحيل ونقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وإلقائهم في مناطق مثل سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعائلات أخرى وُجِّهت نحو العريش على حدود غزة. وتضمنت الخطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك.
على الرغم من أن هذا المشروع حظي ببعض الانتشار في ذلك الوقت، إلى جانب سياسة “الجسور المفتوحة” للفلسطينيين مع مصر والأردن التي دعا إليها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، موشيه ديان، إلا أن الموضوع اقتصر على سفر الفلسطينيين إلى مصر للدراسة والعودة مرة أخرى، أو الذهاب إلى دول الخليج للعمل.

خطة 2000
في عام 2000، قدم اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعاً يُعرف باسم “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”. نُشر هذا المشروع في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية.
ويستند هذا المشروع إلى افتراض أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية “إسرائيل” وحدها، بل هو مسؤولية تشترك فيها 22 دولة عربية.
وفقاً للمشروع، ستقدم مصر تنازلاً عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة. وتتألف هذه الأراضي من مستطيل يبلغ طول ضلعه الأول 24 كيلومتراً، يمتد على طول الساحل من مدينة رفح إلى حدود مدينة العريش في سيناء، والضلع الثاني طوله 30 كيلومتراً من غرب معبر كرم أبو سالم ويمتد جنوباً بالتوازي مع الحدود المصرية الفلسطينية.
تكون المنطقة المقترحة مساحتها مضاعفة لمساحة قطاع غزة، وتعادل 360 كيلومتراً مربعاً، وتمثل 12% من مساحة الضفة الغربية. في المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة الإسرائيلية.
على جانب آخر، ستحصل مصر على تبادل للأراضي مع “إسرائيل” في جنوب غرب النقب (منطقة وادي فيران) بنفس المساحة، مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعماً دولياً.
 وعلى الرغم من التركيز الإسرائيلي على هذا المشروع، فإن توقيت صدوره كان سبباً في فشله، حيث جاء بعد تعثر مفاوضات كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وإيهود باراك، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وإغلاق صفحة المفاوضات الثنائية لعدة سنوات.

خطة 2004
في عام 2004، قدم يوشع بن آريه، الرئيس السابق للجامعة العبرية، مشروعاً مفصلاً لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، استناداً إلى مبدأ تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين، والمعروف سابقاً بمشروع “غيورا أيلاند”.
وتتضمن الفكرة تخصيص أراضٍ في سيناء للدولة الفلسطينية، وتحديداً منطقة العريش الساحلية، مع إنشاء ميناء بحري عميق وخط سكك حديد دولي بعيد عن “إسرائيل”، ومدينة كبيرة تحتضن السكان، وبنية تحتية قوية، ومحطة لتوليد الكهرباء، ومشروع لتحلية المياه.
بموجب المشروع، ستحصل مصر على أراضٍ في صحراء النقب بنفس المساحة التي ستمنحها للفلسطينيين في سيناء، وتبلغ نحو 700 كيلومتر مربع، مع توفير ضمانات أمنية وسياسية لـ “إسرائيل” بعدم وجود بناء للمستوطنات في المنطقة الحدودية مع مصر، والسماح لمصر بإنشاء شبكة طرق سريعة وسكك حديدية وأنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من أن المشروع اعتمد بشكل كبير على أفكار مشروع أيلاند السابق، فإن تزامن إعلانه مع انسحاب “إسرائيل” من قطاع غزة، وفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وسيطرتها على غزة، وفرض الحصار الإسرائيلي عليها، جعل من الصعب تحقيق نجاح المشروع.

خطة 2018
مشروع صفقة القرن، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب تحت عنوان “السلام على طريق الازدهار”، كان آخر مشاريع التسوية المقدمة لقضية غزة.
لم يختلف مشروع صفقة القرن كثيراً عن المشاريع السابقة لما سُمي بالتسوية، حيث تضمن نفس المحاور، بما في ذلك تنازل مصر عن أراضٍ في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص، وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة مع شرط أن تتخلص من السلاح.
لقد حظيت صفقة القرن بتأييد كبير وتجمع دولي، وكانت الخطة على وشك التنفيذ بعد التوافق الذي جرى التوصل إليه بين ترمب ومصر والسعودية  و “إسرائيل” بشأن تفاصيل كثيرة. ومع ذلك، بعد خسارة ترمب في انتخابات الرئاسة لفترة ثانية، فشل الأمريكان في تنفيذ الصفقة. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية تدعو الآن إلى مبادرات مشابهة، فإن ذلك لا يزال يعكس روح صفقة القرن، حتى وإن لم تحمل نفس الاسم.

2023
تصاعدت الأصوات الرسمية في دولة الاحتلال بضرورة ترحيل أهل غزة إلى سيناء بذريعة حماية المدنيين بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع، وبدا أن المقترح يحظى بتأييد أمريكي وغربي، إلا أن الشعب الفلسطيني في غزة عبّر وهو تحت القصف عن رفضه وتمسكه بأرضه، كما أن مصر أعلنت بشكل قاطع ورسمي رفض هذا المخطط. بل وصل الأمر بالرئيس المصري للمطالبة بترحيل الفلسطينيين من غزة الى صحراء النقب بدلاً من سيناء، كحل مؤقت لحين انتهاء “إسرائيل” من “عملياتها” العسكرية في غزة. في خطوة رأها البعض أن لها ما لها وعليها ما عليها، لكنها أحرجت إسرائيل وأمريكا وكل من يدعم فكرة إخلاء قطاع من سكانه بالتزامن مع العدوان المتواصل.

تحديات توطين الفلسطينيين
أحد التحديات الرئيسية لتوطين الفلسطينيين يتمثل في الجوانب الأمنية والسياسية. إذ سيكون من الصعب تحقيق الاستقرار الأمني في سيناء، خصوصاً مع التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات سياسية تتعلق بالتوافق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر وإسرائيل والفلسطينيين، والتوصل إلى اتفاق بشأن الحقوق والضمانات للفلسطينيين في المنطقة.

علاوة على ذلك، تثير مثل هذه المشاريع مخاوف الفلسطينيين بشأن فقدان هويتهم وتمثيلهم السياسي. قد يرى البعض في هذه المشاريع محاولة لإزاحة الفلسطينيين عن القضية الفلسطينية الأصلية وتقسيمهم وتفريقهم في مناطق مختلفة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة