loading

رحل ميسرة وظلت لورا وحيدة

هيئة التحرير

“فقد العالم عقلاً عظيماً”.. رحل ميسرة بفعل القصف وترك حبيبته لورا

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي حزناً على رحيل الطبيب الفلسطيني ميسرة الريس، الذي ارتقى مع والده ووالدته واثنتين من شقيقاته وعدداً آخر من أفراد أسرته، جميعهم استشهدوا بفعل القصف الإسرائيلي الذي تعرض له منزلهم في قطاع غزة.

ظلت العائلة لساعات تحت أنقاض المبنى المكون من ستة طوابق، دون أن تتمكن فرق الإنقاذ من إنقاذهم بسبب حجم الدمار الكبير وقلة الإمكانيات المتوفرة، ليتم بعد ذلك انتشال ميسرة وعائلته جثامين حلقت روحهم في السماء.

ميسرة أرسل رسالة لأحد أصدقائه قبل أيام، جاء فيها: “.. هذه كل تخوفاتنا، أننا في لحظة سنكون تحت الرُكام، والخوف الأكبر ألّا نموت مباشرةً، أن نبقى أحياء ونموت ببطء دون إخراجنا..”.

رحل ميسرة وترك زوجته لورا الحايك، الحاصلة على الماجستير في مجال حقوق الإنسان من جامعة ساسكس البريطانية، بعد زواج استمر لعدة أشهر فقط. كان الشابان الفلسطينيان المتميزان مفعمان بالحب والأمل والحلم، كما وصفهما كثير من أصدقائهما على مواقع التواصل الاجتماعي.

ميسرة الريس وزوجته لورا الحايك، مثال للثنائي المتميز من مدينة غزة، حاصليّن على منحة تشيفننغ المقدمة للطلاب ذوي الصفات القيادية من أكثر من 160 دولة لإجراء دراسات عليا في جامعات المملكة المتحدة.

تخرج طبيباً من جامعة الأزهر في قطاع غزة، وفاز من خلال الانتخابات أثناء دراسته برئاسة الاتحاد العالمي لطلبة الطب، وأكمل دراسته في كلية كينجز في لندن.

كما أن ميسرة، أحد أعضاء حملة الإحسان التطوعيّة من سنواتها الأولى وبداياتها في قطاع غزة.

من بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ارتقى مئات المبدعين الفلسطينيين في كافة المجالات، بقصف منازلهم “الآمنة”، في مشاهد تجعل الأمر يقيناً بأن الاحتلال يستهدف المميزين من أهل غزة، حالهم في ذلك حال مليونين و375 ألف فلسطيني يعيشون في القطاع.

“كان من الطراز الهادئ الرصين”

المحاضر الطبيب د. جهاد حماد، كتب على صفحته على الفيس بوك: “أول مرة قابلته فيها عند أحد الجسور على نهر التايمز في قلب لندن وكالعادة مع صديقه الوفي بهزاد الأخرس. وآخر مرة قابلته فيها كان في أحد كافيهات حي الرمال في غزة. كان المقهى الفاخر في غزة أجمل وأرقى من مقاهي لندن التقليدية.. ميسرة الريس ماجستير إدارة صحية من جامعة لندن KCL، قابلته في لندن كثيرا ولكن اللقاءات في غزة كان لها إحساس آخر”.

يضيف حماد، “قلت لميسرة مازحا: أنا أتعامل معاك على إنك من الطبقة البرجوازية في غزة يا ميسرة”، فيبتسم الشاب الوسيم ضاحكا وهو يقول معترضا: لا يا دكتور إحنا ناس بسيطين مش زي ما إنت متصور”.

يقول حماد: “كان ميسرة وقتها يعمل في مؤسسة أطباء العالم فرع غزة، كان من الطراز الهادئ الرصين الذي تتمنى الكثير من الفتيات الزواج منه. مش ناوي تتجوز يا ميسرة؟، فيرد بتردد: شوية لسه لحد ما أستقر مهنيا وذهنيا”.

يكمل حماد: “بعد حوالي سنة عندما عدت للندن عرفت أن ميسرة تجوز لورا الحايك زميلته السابقة في منحة تشيفننج البريطانية. واليوم صباحا تواترت الأخبار بقصف منزل أهل ميسرة على رؤوس ساكنيه في غزة، وذاب ميسرة الريس وأهله جميعا تحت الركام، وأطفئ النور على قصة جميلة مشرقة واعدة..”.

فقد العالم عقلاً عظيماً

الطبيبة النرويجية هني لوسيوس كتبت: ” استيقظت على الأخبار المروعة التي تفيد بأن صديقي وزميلي ميسرة، قد قتل مع سبعة أفراد من عائلته. عملت مع ميسرة وزملائه الطلاب في تدريب طلاب طب غزة على الإسعافات الأولية المنقذ للحياة من 2016-2020. ميسرة تخرج من كلية الطب بغزة عام 2019 طبيب بارع، كان رئيسا للاتحاد الدولي لجمعيات طلاب الطب (IFMSA) بغزة لمدة عامين. حصل على درجة الماجستير في صحة المرأة والطفل من كلية كينغز في لندن عام 2021 وكان لديه الكثير من الأحلام للمستقبل. فقد العالم عقلاً عظيماً، سُلب لأنه كان فلسطيني..”.

طبيب فلسطيني مخلص

زميله فيغارد أندرسون من النرويج، كتب: “كان ميسرة طبيبا فلسطينيًا مخلصًا، لقد كان رجلاً جيداً. الآن تم قتله بقنابل إسرائيلية مع أمه وأبيه وإخوته. عشرة آلاف قتيل في غزة!. إنهم يقصفون كل شيء؛ أسواق الخضروات والمدارس ومخيمات اللاجئين ومباني الأمم المتحدة والمستشفيات وسيارات الإسعاف والغذاء والإمدادات المائية. لا توجد كهرباء، لا تغطية هاتف، لا إنترنت، لا مياه، لا أماكن آمنة”.

كان لديه أحلام وعاطفة عميقة

صديقه الطبيب غيث القدومي، كتب: ” في عام 2017، كان من المقرر أن نحضر الاجتماع الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات طلبة الطب معاً في لبنان. حصل ميسرة وزملائه الطلاب على تأشيرات، لكنهم لم يتمكنوا من السفر من غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي ظل قائما منذ أكثر من 17 عاما، مما يقيّد بشدة حرية تنقلهم”.

يضيف القدومي: “بعد التخرج، حصل ميسرة على جائزة تشيفينج، وكان محظوظًا للسماح له بمغادرة غزة. حصل على درجة الماجستير في صحة المرأة والطفل في كلية كينغز في لندن 2021. على الرغم من التحديات التي واجهها، عاد إلى غزة طموحًا لإحداث تأثير إيجابي على القطاع الصحي وبدأ العمل مع أطباء بلا حدود. اليوم قُتل ميسرة وجميع عائلته وأمه وأبيه وأخواته في غزة، ميسرة كان لديه أحلام وعاطفة عميقة”.

ميسرة ليس مجرد رقم

زميلته الطبيبة بتول وهداني، كتبت: “التقيت به عام 2020 في لندن عندما كان يحصل على الماجستير في صحة المرأة والطفل. عاد بعد ذلك إلى غزة للعمل مع أطباء بلا حدود. ميسرة كان طيباً وذكياً وطموحاً، كان لديه أمامه مستقبل عظيم، ميسرة ليس مجرد رقم!”.

رحل بعيداً عن حبيبته لورا

مسؤولة المنح الدراسية لبرنامج تشيفنينج لدى القنصلية البريطانية في القدس، ‎‏مي مرعي، كتبت: “قلبي يكتب وقد انفطر إلى نصفين عليك يا مَيسرة! خبر قصف منزلهم ووجوده تحت الأنقاض! ميسرة طبيب متميز حاصل على درجة الماجستير من جامعة كينجز لندن وخريج منح تشيفنينغ.

لا يزال تحت الانقاض منذ أكثر من ٢٠ ساعة، الدفاع المدني رفع ايده، لا أمل بانتشالهم، لا يتوفر معدات، لا يتوفر بنزين ولا سولار، لا جرافات لا شيء. التقطت صورة في شهر مارس عندما التقيت بميسرة ولورا، لأول مرة وجهاً لوجه، وهما من خريجينا المتميزين بمنحة تشيفنينج- وقد أجريت مقابلات معهما سابقاً ودعمتهما في حلمهما بالحصول على درجة الماجستير في بريطانيا. لقد التقيت ميسرة مرة أخرى في أيلول منذ شهرين، حيث أرسلت له دعوة خاصة للقاء وزير الخارجية البريطاني، كليفرلي ليحدثه وجهاً لوجه عن غزة. لعل وعسى…  ميسرة، أخصائي صحة في مجال الأم والطفل كان يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود، وجد شريكة روحه لورا، موظفة في مؤسسات الأمم المتحدة، خريجة متميزة من بريطانيا أيضاً.

في الشهر الماضي فقط، تواصلت مع ميسرة، وسألته عما إذا كانوا يرغبون بمشاركتي العمل على فيديو لمنح تشيفنينج قصة مصورة، تحكي قصة حبهم وتعليمهم وعملهم في غزة، لكن اليوم، قلبي مثقل متهالك بهذا الخبر… ميسرة تحت الأنقاض مع والده وأمه وأخواته وبنات أخيه بعيداً عن حبيبته لورا”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة