تسنيم دراويش
من قلب الظلام وسط غزة سطع نور الأمل بمبادرة “صناع الأمل” للأخصائية آمنة الدحدوح، حيث تسعى لمعالجة الأطفال الذين أَسرت الحرب أصواتهم بداخلهم، فكانت اجتهادًا فرديًا لحل مشاكل النطق والتأتأة لدى الأطفال المتضررين من الحرب.
آمنة التي تمتلك خبرة تزيد عن عشر سنوات في مجال علاج النطق، أسست مركز “صناع الأمل” قبل أربعة أعوام في تل الهوا لكن المركز لم ينجُ من الاستهداف، حيث دُمِرَ في بداية الحرب لكنها لم تفقد الأمل واستمرت في تقديم خدماتها.
الدحدوح تبين في حديث لها ل “بالغراف” أنها وخلال نزوحها إلى مستشفى شهداء الأقصى، واجهت العديد من الأطفال الذين فقدوا القدرة على الكلام بسبب الحرب، فقامت بمساعدتهم لكن الحرب أجبرتها على النزوح مجددًا إلى رفح حيث استشهد أخاها وعدد من أفراد عائلتها، مما أثر عليها نفسيًا ومنعها من مواصلة عملها الإنساني، كما واضطرت للنزوح بعدها إلى منطقة الزوايدة، وعندها لاحظت عددًا كبيرًا من الأطفال الذين يعانون من التأتأة ويتعرضون للتنمر، مما دفعها لإطلاق مبادرة “صناع الأمل” لمساعدتهم.
من يشاهد الدحودح وهي تعمل مع الأطفال في الخيمة يعتقد أنها أم تلعب مع أبنائها، وليست أخصائية تقدم خدمات علاجية، حيث تؤكد أن تعلق الأطفال بهم كبير جدًا، لدرجة أنهم ينتظرونهم خارج الخيمة تحت الشمس قبل موعد الجلسة بـ10 دقائق، وذلك رغم قلة التعزيزات التي يقدمونها لهم، وبعض التمارين والتدليكات المؤلمة.
تمكنت الدحدوح من مساعدة حوالي 200 طفل، بينما ينتظر أكثر من 300 طفل آخرين على قائمة الانتظار، فمن بين كل عشرة أطفال في غزة يعاني ستة أو سبعة منهم من مشاكل نُطقية، والتي تفاقمت بسبب الخوف من الحرب وظروف الحياة الصعبة، وفق ما تقوله، مبينة أن تأجيل علاج هذه الحالات يجعلها أكثر تعقيداً ويُطيل فترة العلاج.
وتابعت الدحدوح بأن ما يمنحها القوة بجانب محبة الأطفال، هو النتائج الإيجابية التي تحققها الجلسات فمنذ بدء المبادرة في يوليو الماضي تمكنت من علاج أكثر من 50 طفلاً بشكل كامل، مستذكرة حالة فقد أحد الأطفال للنطق تمامًا بعد قصف الاحتلال لمنزلهم وارتقاء كافة أفراد عائلته ونجاته ووالده فقط، فحينما التقت به للمرة الأولى بدأ تدريجيًا في استعادة النطق، مما أثار فرحة والده الذي لم يتمالك دموعه، مؤكدة أن تلك الدموع دفعتها للاستمرار فبعد دموع الفقد، نحتاج إلى دموع الفرح، مفيدة أنه في كل حالة شفاء لطفل تشعر وكأنها تعيش ولادة جديدة.
قبل الحرب، كان فريق “صناع الأمل” يتألف من شاب وست فتيات لكن الظروف فرقتهم في مناطق مختلفة، ورغم عدم قدرة الدحدوح على توفير الرواتب أو المواصلات أصر الفريق على الاستمرار في دعم المبادرة.
تباينت ردود فعل الأهالي تجاه هذه المبادرة، فمنهم من رحب وشجع، ومنهم من كان يخشى إرسال أطفاله إلى خيمة مخصصة لعلاج النطق ولكن بعد رؤية النتائج الإيجابية على الأطفال الآخرين، ازداد الإقبال وأصبح الأهالي أكثر حماسًا للعلاج.
استطاعت الدحدوح بهذه المبادرة أن تخلق في الخيمة مساحة آمنة لأصوات الأطفال ونجحت في معالجة مشاكل النطق والتأتأة الناتجة عن الحرب، لكنها تطمح لعلاج أكبر عدد من الأطفال فهناك أكثر من 300 طفل على قائمة الانتظار بالإضافة إلى العديد من المناطق التي لم تتمكن من تقييم حالات أطفالها بسبب نقص الموارد،موجهة مناشدتها للجهات المعنية بضرورة تقديم الدعم اللازم لضمان استمرار وتوسيع هذه الخدمات الحيوية للأطفال المتضررين من الحرب.