تسنيم دراويش
في أزقة أبو ديس المتربعة على أبواب القدس، حملت الصيدلانية عفاف أبو هلال حُلمًا مختلفًا، يجمع بين الناس والطبيعة ويقدم لهم بدائل صحية مستندة إلى أصول البحث العلمي، فهي لم تقبل أن تقضي حياتها بين رفوف الأدوية التقليدية فأنشأت “صيدلية حاكورتنا للطب البديل”، لتقدم شايًا فلسطينيًا ليس مجرد مشروب، بل تجربة صحية متكاملة تحاكي نكهات الأرض الفلسطينية وتروي في كل رشفة قصة صمود وإبداع.
بدأت رحلة عفاف بعد تخرجها من كلية الصيدلة في جامعة القدس عام 2012، حيث عملت في صيدلية محلية ببلدتها، ومع مرور الوقت أصبح الروتين اليومي بين رفوف الأدوية عبئًا عليها خاصة بعد أن أصبحت أمًا مما جعل التوفيق بين العمل والأسرة أكثر صعوبة.
شعرت أبو هلال دومًا بأن هناك شيئًا مفقودًا لديها وخلال دراستها للماجستير في تكنولوجيا الصناعات الدوائية تعمق هذا الشعور، حتى بدأت تُدرِك أن شغفها الحقيقي لا يَكمُن في الأدوية التقليدية بل في الطب البديل، مبينة أنها كلما تعمقت في دراسة الأدوية، ازداد حبها للأعشاب والطب البديل حتى شعرت برغبة في تقديم شيئٍ مختلفٍ في هذا المجال مؤمنة بشعار ‘غذاؤك دواؤك’، ولذلك أرادت أن تشجع الناس على اتباع أساليب صحية.
ومن هنا انبثقت فكرة “حاكورتنا” التي كانت تهدف إلى تقديم منتجات صحية طبيعية دون آثار جانبية، مبينة أنها بدأت مشروعها بزراعة الأعشاب على سطح منزلها واستخدامه لصنع شاي صحي يعتمد على تقاليد الطب البديل، مؤكدة أن الفكرة تبلورت لديها بشكل أكبر عندما قامت بتصميم عبوات الشاي الخاصة بمنتجاتها في مطبعة بمدينة طولكرم، مبينة أنه وخلال جلسة واحدة قاموا بتصميم ثمانية تصاميم لمنتجاتها، لتشعر حينها بأنها على الطريق الصحيح وكأنها تصنع شيئًا ملموسًا للمرة الأولى.
تتبع أبو هلال عملية دقيقة لإنتاج شايها تبدأ بتوفير الأعشاب وفرزها بعناية لضمان جودتها، ومن ثم تُعبأ الأعشاب باستخدام ماكينات مخصصة ثم توضع في أكياس الفتائل، التي تُعَبأ في علب صُممت خصيصًا لتلائم هوية مشروع “حاكورتنا”، وتصل المنتجات النهائية إلى المستهلك بعد مرحلة تغليف دقيقة.
لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لها فقد واجهت العديد من التحديات في بداية مشروعها، بما في ذلك عدم معرفتها بكيفية الوصول إلى السوق، وإقناع الناس بفكرة الشاي العشبي المحلى، مبينة أن كل شيء كان جديدًا عليّها، وكان لديها تخوفات كبيرة بشأن السوق والمنافسة، والقدرة على إدارة المشروع، ولكن روحها القتالية لم تسمح لها بالاستسلام بل واصلت العمل بإصرار وعزيمة.
في بداية مشروعها أطلقت عفاف صفحة لبيع المنتجات عبر الإنترنت، مما ساعدها في توسيع نطاق مشروعها وزيادة وصول منتجاتها إلى الجمهور، موضحة أن رحلتها بدأت بفكرة صغيرة وثمانية منتجات فقط في مخزن صغير لعائلتها، التي كانت الداعم الأساسي لها، فقد أهداها والدها مخزنًا وأعدّه ليصبح مصنعًا متواضعًا لمنتجاتها، كما حصلت على دعم مادي من منظمة “الفاو” ضمن مشروع الوظائف الخضراء.
نجحت أبو هلال اليوم في تقديم 14 منتجًا مختلفًا تُباع في أكثر من 20 نقطة بيع بما في ذلك الصيدليات والمحلات التجارية في مختلف المدن الفلسطينية، كما نجحت بإيصال منتجاتها إلى الأردن وافتتحت نقطة بيع هناك لكنها تسعى للوصول إلى العالمية، ورغم محاولاتها بإيصال المنتجات عن طريق البريد الفلسطيني، إلا أن التحديات المرتبطة بارتفاع الأسعار تشكل عائقًا كبيرًا.
شاي “ستي” هو المنتج الأكثر طلبًا لديها، حيث مزجت به بين الزعتر والينسون والبابونج والنعناع، مؤكدة أنها أسمته شاي “ستي” نسبة إلى جدتها اللاجئة من يافا والتي أعطتها اسم “عفاف ” ومعه حب الأرض ولذلك منحت الشاي جزءًا من روحها، كما أنها وضعت صورة يد جدتها على الغلاف لتخليد ذكراها.
ومع مرور الوقت بدأت “حاكورتنا” تزرع جذورها في السوق، لتصبح أكثر من مجرد مشروع تجاري بل رمزًا للصمود الفلسطيني، مفيدة أنها تدعم من خلال مشروعها هذا المزارعين الفلسطينيين في مختلف أنحاء فلسطين حيث بدأت تتوسع ولا تكتفي بالأعشاب التي تزرعها على السطح، بل تأخذ الأعشاب من المزارعين في جميع أنحاء البلاد، مثل “المورينجا” من مزارع جنين و “الميرمية” من قرى رام الله، وبعض الأعشاب غير المتوفرة في فلسطين من الأردن.
تسعى أبو هلال إلى تمكين النساء في مجتمعها وتعزيز دورهن في سوق العمل ودعمهن، حيث توفر لبعض النساء فرص عمل بدوام جزئي للمشاركة في فحص وفرز ونخل الأعشاب، بالإضافة إلى المساعدة في تعبئتها.
كما وتحرص أبو هلال على أن تكون على اطلاع دائم على أحدث الدراسات والأبحاث والمنتجات في قطاع عملها، حيث تمكنت من صناعة شاي الشعير من خلال الإطلاع على الشاي الأصلي في اليابان، ونجحت في تطويره وبيعه في السوق الفلسطيني، كما أنها تتابع المنافسين وآخر إصداراتهم، مما يمكنها من معرفة الزبائن وتلبية احتياجاتهم.
“إيماني بذاتي هو الذي جعلني أستمر”، تلخص أبو هلال سر نجاحها بهذه العبارة، فبفضل عزيمتها وثقتها بنفسها تمكنت من تقديم منتجات ذات جودة عالية، واستطاعت الحصول على التراخيص اللازمة من المجلس المحلي ووزارات الاقتصاد والصحة الفلسطينية ومع هذا النجاح، تأكدت بأن مشروعها يسير في الاتجاه الصحيح.
تطمح أبو هلال أن تصبح منتجاتها جزءًا من حركة أوسع تدعم المنتجات المحلية، مبينة أنها تشعر بأن مقاطعة المنتجات التابعة للاحتلال دعمت مشروعها بشكل غير مباشر، مؤكدة أن المقاطعة جعلت الناس يرون بأن المنتج المحلي هو الأفضل والأكثر فائدة لهم، مما انعكس بشكل إيجابي على مبيعاتها.