loading

مرسوم الرئيس: بين جدل الهوية والمستحقات المالية

 محمد عبد الله

جدل كبير أثاره مرسوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوم الاثنين الماضي، والذي ألغى بموجبه قوانين وأنظمة تتعلق بدفع المخصصات المالية لعائلات الشهداء، والجرحى، والأسرى، ونقل برنامج المساعدات النقدية وقاعدة بياناتهم ومخصصاتهم المالية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي”.

وفيما لم تتضح الصورة بعد، إن كانت مؤسسة “تمكين” ستدفع كامل المستحقات المالية لهذه الفئة كما السابق، وحول وجود الضامن القانوني لها، ومصادر تمويل ثابته تغطي هذه النفقات الكبيرة والتي تقدر فاتورتها الشهرية بنحو 50 مليون شيقل، إلا أن ثمة نقاش آخر يدور حول إلغاء المرسوم للصفة النضالية للأسرى والشهداء والجرحى والتعامل معها كحالات معوزة للمساعدة الاجتماعية.

مناشدة لإلغاء المرسوم

وكان رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس قد ناشد الرئيس بضرورة إلغاء المرسوم معبراً عن رفضه القاطع له، وعلق خلال مؤتمر صحفي حول نقل هذا الملف إلى مؤسسة تمكين بالقول إن “تمكين هي مؤسسة أهلية وليست رسمية.. وستقوم بإرسال طواقم إلى منازل عائلات الأسرى للتأكد من صعوبة الحالية المادية للأسير قبل صرف 700 شيكل للعائلة، وهذا غير مقبول”.

ستصير أكثر وضوحاً

وفي تعقيب خاص لموقع “بال غراف” قال رئيس نادي الأسير عبد الله الزغاري إن الصورة حتى الآن ما زالت قيد الاستيضاح، ولكن العنوان العريض المتعلق بهذا الموضوع بأنه لا يوجد هناك أي مساس بحقوق الأسرى والجرحى والشهداء كاملة.

وأضاف الزغاري، أنه لا يوجد هناك في مرسوم الرئيس ما يتعلق بقطع رواتبهم، وإنما صرف كامل مستحقاتهم من خلال مؤسسة تابعة لمنظمة التحرير اسمها “تمكين”.

وفي تعقيبه المقتضب قال الزغاري، إن الجهات المسؤولة جلست مع بعضها البعض كجهات، وتم إبلاغها بأن القرار لا يوجد فيه أي مس بحقوق الأسرى والجرحى والشهداء، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى متابعة ولوائح تنفيذية تنظم كل الأمور.

صرف كامل الرواتب

وأكد الزغاري أنه في شهر شباط الجاري سوف يتم صرف كامل رواتبهم عند صرف الرواتب لكل الموظفين، وفي الشهر القادم سوف تكون الأمور أكثر وضوحاً.

وفي الوقت الذي قال فيه الزغاري أن الأمور سوف تتضح في قادم الأيام حول المستحقات المالية لهذه الفئة مؤكداً على عدم المساس بكامل مستحقاتهم، عبر عدد من الأسرى المحررين على رفضهم للقرار من منطلق المساس بقيمهم النضالية والوطنية والتعامل معهم بهذه الطريقة.

قرار مرفوض

عصمت منصور أسرى محرر وناشط سياسي أمضى أكثر من 20 عاماً في سجون الاحتلال، قال لموقع “بال غراف”، إن هذا القرار مرفوض لأن التعامل مع هذه القضية من منطلق مادي وحسابات وتجريدها من المفهوم الوطني والقيمي والسردية والحقوق التاريخية، “كأننا نقول للناس كل شخص يتدبر أموره وإذهب لمن يدفع أكثر”- وفق تعبيره.

وتابع أن “ارتباطنا في أرضنا وقضيتنا وعلاقتنا فيها وطريقة تعاملنا مع المناضلين ومن ضحوا يجب أن لا يكون من هذا الاعتبار، وهذه المسألة سوف تشكل صدع كبير وتمس بفئة ينظر لها دوماً بقدسية، ومساواتها- مع الاحترام للحالات الاجتماعية، والتعامل معها بهذه الطريقة، ضربة لنضالات شعبنا وقدرة شعبنا على الحفاظ على روابطه الداخلية والمعنوية التي تجعله يصمد”.

وأضاف منصور “كنا نواجه ولا يوجد لدينا شيء إلا الإيمان والقناعة وهذه المفاهيم، وعند نزعها منا كأننا نقول استسلموا وكل شخص يبحث على مصالحه”.

مساس بالمفاهيم الثقافية

لكن نعيم أبو الكعك وهو أسير محرر أيضاً أمضى أكثر من 16 عاماً في سجون الاحتلال دافع عن القرار من منطلق اخر، قائلاً إن “القضية الفلسطينية تواجه عاصفة ونحن الحلقة الأضعف في كل الأقليم، وعلى المستوى الدولي والهجوم الذي نتعرض له من ترامب نحن الأضعف فيه، وخصمنا العدو الإسرائيلي هو أكثر الشراسة من بين كل الخصوم، وبالتالي نحن في معادلة الأكثر عرضة للخطر وفي عين العاصفة، والرئيس بهذا القرار يحاول التخفيف من أو تجنيب مواجهة هذه العاصفة ونتمنى التخفيف من الأثار”.

أما حول ما تطرق له منصور، فقد أكد أبو الكعك أن “القرار لا يمس بالراتب صحيح بقدر ما هو يمس بالمفاهيم الثقافية المتعلقة بالمقاومة والنضال الوطني الفلسطيني، لذا فإن الإشكالية في هذا الجانب المتعلق بمفهوم الهوية الوطنية الفلسطينية والنضالية والمقاومة والكفاح المسلح وكل هذه المفاهيم الوطنية، حيث أن كل هذه المواضيع لن تبقى مرتبطة برمزية الأسير والشهيد والجريح”.

وتابع “أما على الموضوع المعيشي والراتب أعتقد أن القانون يضمن لهم ذلك، حتى لو كان الترتيب سيجري من خلال مؤسسة أهلية وهي تمكين إلا أنها مؤسسة وطنية ومرتبطة بمنظمة التحرير، حيث سبق وأن كانت الأمور بيد نادي الأسير وهو مؤسسة أهلية أيضاً وكان يقوم بدوره”.

نقاش وطني

ورداً على ما تقدم به أبو الكعك في دفاعه عن القرار أولا بأن الرئيس يحاول أن يخفف من ما وصفها بالعاصفة، قال عصمت منصور “كان بالإمكان تخريج الموضوع بشكل مختلف وعقد نقاش وطني ومجتمعي مع الأسرى ومؤسساتهم وحقوقيين والبحث عن مخارج، وكان من الممكن البحث عن حلول أخرى لحل مشكلة المقاصة، وإما إن كانت المسألة مواجهة مع إسرائيل فأنت في هذه المواجهة بحاجة إلى هذه الفئة بالذات وليس إلى تنفيرهم”.

رأي القانون

ولدى النظر إلى مرسوم الرئيس من الناحية القانونية، قال الباحث القانوني عمار جاموس في منشور له عبر “فيسبوك” إن المادة 22 من القانون الأساسي لسنة 2003 وتعديلاته (الدستور) تنص على أن: رعاية أسر الشهداء والأسرى ورعاية الجرحى والمتضررين والمعاقين واجب ينظم القانون أحكامه، وتكفل السلطة الوطنية لهم خدمات التعليم والتأمين الصحي والاجتماعي.

وأضاف جاموس أن قانون الأسرى والمحررون رقم 19 لسنة 2004 الصادر عن المجلس التشريعي لا سيما المادتين 2 و3 و7، هي المصادر القانونية الرئيسية والمستقرة لحقوق الأسرى والأسرى المحررين وأسر الشهداء، وهي ترتب لهم حقوقاً تلقائيا بثبوت الصفة.

بينما في القرار الجديد- وفق جاموس، فإن المصدر القانوني هو قرارات رئيس السلطة والأنظمة التي يضعها المجلس أي مجلس أمناء مؤسسة التمكين الاقتصادي، وهي تشريعات أدنى مرتبة من القانون وأقل استقراراً منه، ولا ترتب حقوقاً تلقائية بثبوت الصفة.

وتابع جاموس أن السبب الرئيسي لتكريس رعاية هذه الفئات مالياً وغيرها من أشكال الرعاية في الدستور والقانون هو من جملة أسباب أخرى، أولها “الصفة”، أي لأنهم أسرى وأسرى محررون وأسر شهداء، وذلك اعترافاً واحتراماً من الشعب الفلسطيني في أهم وثيقة دستورية صدرت باسمه بتضحيات أولئك الأشخاص في سبيل الوطن والحرية. وبالتالي، لا يجب أن يكون لحالتهم المادية أو مهنتهم أو تميزهم المهني أو إبداعهم أو ريادتهم أي صلة في استحقاق تلك الرعاية التي يجب أن تكون مستدامة ومتوارثة وتلقائية، تستحق بتوفر الصفة مباشرة وغير خاضعة للتقدير.

أما في القرار الجديد، فإن الدفع لهم بصفة رئيسية سيكون بحسب حالتهم المادية المتغيرة لا بسبب الصفة، وبالتالي لن يستفيد منه الجميع، ولن تكون مستدامة وبالتاكيد غير متوارثة ولن تكون تلقائية بل بناء على طلب يدرس ويخضع للموافقة أو الرفض وفقا لمعايير تضعها المؤسسة نفسها المسؤولة عن الدفع.

أموال المقاصة

ومنذ عام 2019، تقتطع إسرائيل من أموال المقاصّة الفلسطينية مبلغ مالي يتراوح بين 50-55 مليون شيقل أي ما يعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى.

ونتيجة ضغوط إسرائيلية ودولية سابقة تشكلت هيئة شؤون الأسرى والمحررين كوريث رسمي وقانوني لوزارة شؤون الأسرى والمحررين، التي كانت تأسست بمرسوم رئاسي عام 1998، ومرجع سياسي واجتماعي وقانوني رسمي لقضية الأسرى والأسيرات.

كما أغلقت البنوك حسابات الأسرى في عام 2020، ما اضطر السلطة لدفع مخصصاتهم من خلال البريد الفلسطيني.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة