تالا القاسم
على بعد 13 كم جنوب شرقي مدينة نابلس وعلى الخط الواصل بين رام الله ونابلس، تقع بلدة “بيتا”، حيث تقطن الحاجة زهرية أسعد في منزلها تسترجع ذكريات قطعة أرض سلبها الاحتلال منها بالقوة.
سبعون عامًا هو عمر الحاجة زهرية، لم تعشها بسهولة بل مرت بصعوبات جمة، فقد عاشت النكسة وهي طفلة تبلغ من العمر 12 عامًا، فيما عاشت والدتها النكبة وهُجِرَت كبقية الفلسطينين من حيفا إلى أن حطت رحالها في بلدة بيتا، وفق وصفها. مؤكدة أنها طيلة حياتها كانت تحب الأرض وبيتا فقد كانت بيتها وملجأها.
تسترجع زهرية ذكرياتها قائلة ” كان عند أبوي أرض مليانة بساتين حوالي 2 دونم بعيدة عن بيت أهلي كيلو ونصف تقريبًا، كنت أحبها كثير وأنا صغيرة وكنت أنزل معه عليها” مضيفة أنها كانت في كل مرة تذهب إليها تشتم رائحتها وتتذوق ثِمارها، فيما تمر نسمات الهواء بخفة على قلبها.
لم تكن هجرة والدتها الهجرة الأخيرة في حياتها، فاضطرت للهجرة إلى الإمارات وتزوجت وأنجبت ستة أبناء وبنات. هجرة زهرية كانت للبحث عن الأمان لكنها لم تحظى به ولم تحظى بالترابط العائلي كما هو متواجد في فلسطين فقررت العودة بعد 40 عامًا لوطنها.
عقب عودتها لأرض الوطن بأربع سنوات توفي والدها لتعيش صدمة الفقدان، وليكون آخر شيء يتبقى لها منه هو أرضه التي لطالما كانت ملاذها الآمن، فتعهدت لنفسها بالحفاظ عليها وفق تعبيرها، مؤكدة أنها داومت وأشقائها في الاهتمام بها وبمزروعاتها بمختلفها حتى شجر الزيتون التي كانت تحصده واصفة حب الأرض قائلة “حب الأرض بتورث لأولادنا زي المال لأنها بتضل عزيزة على صاحبها.”
حلم زهرية الطويل برؤية الأرض مُعمَرَة ومُزهرة لم يدم طويلًا، ففي أحد أيام عام 2017 تفاجئت بمجموعة من الجيران يخبرونها بأن الأرض ذهبت، إلا أنها لم تُصدق ما يقولون ففرت راكضة تجاه أرضها لتراهم يجرفون شجر الزيتون الذي تعبت به كثيرًا. شعور القهر وحده يصف لحظة رؤيتها لهذا المنظر وفق تعبيرها، مبينة أنهم عقب تجريفهم للأرض بمزروعاتها قاموا ببناء جسر استيطاني يربط بين مستوطنة يتسهار وحاجز زعترة. مؤكدة أنها شعرت في حينها أنها فقدت والدها مجددًا.
تقول زهرية أنها سمعت من الجيران أنها تستطيع المُطالبة بتعويضات بسبب مصادرتهم لأرضها، إلا أنها تؤكد رفضها المساومة بأرض أبيها مقابل الفلوس وبيعها لمحتل صادرها بالقوة.
زهرية التي تشبثت بأرضها منذ صغرها وكانت مكانها الآمن حتى صادرها الاحتلال منها بالقوة، وجهت دعوة لشبان فلسطين بالاهتمام بالأرض وزراعتها لأنها ستبقى ذكرى للأجيال القادمة حتى لو كانت مهددة بالمُصادرة في أية لحظة، مفيدة بأنهم لو قلعوا شجرة فسنزرع ألف شجرة مكانها حتى تبقى ذكرى لصاحبها. مشددة على عدم مساومة الشبان على أراضيهم والحفاظ على كرامتهم قائلة “صح خسرت أرض أبوي بس ربحت كرامتي”
لا ينفك الثوب الفلسطيني عن جسد زهرية، فهي تحب كل ما يذكرها في بيتا وفلسطين، مؤكدة أنه من عاش مرارة الغربة يدرك عمق البلاد. كما أنها تسعى دائمًا للحفاظ على تراث البلاد من خلال استمرارها في صنع الصابون النابلسي وحرصها على قص حكايا التراث الفلسطيني لأحفادها وفق ما تقوله.