محمد أبو علان/ خاص بالغراف
تقرير أصدره مركز الأبحاث الإسرائيلي “مركز القدس للاستراتيجية والأمن” عن الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية في الفترة الممتدة من عملية “السور الواقي” في العام 2002، وحتى عملية “السور الحديدية” التي بدأت في آذار 2025 ولازالت مستمرة في شمال الضفة الغربية بشكل خاص، التقرير ينطلق من فرضية أن الضفة الغربية تشكل تحدي أمني مركزي لإسرائيل، وإن هذا التحدي الأمني المركزي بدأ منذ توقيع اتفاقيات أوسلو مطلع سنوات ال 90.
حيث جاء في التقرير عن اتفاقيات أوسلو: اتفاقيات أوسلو التي وقعت في العام 1993 هدفت لخلق واقع أمني وسياسي جديد على الأرض، من خلال نقل صلاحيات أمنية ومدنية للسلطة الفلسطينية بالتدريج، وتم تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق “أ” و”ب “و”ج”، أعطت لإسرائيل السيطرة الأمنية والتنازل عن السلطة على السكان الفلسطينيين، مناطق “أ” تحت السيطرة الأمنية والمدنية الفلسطينية، مناطق “ب “سيطرة مدنية فلسطينية، وأمنية إسرائيلية، ومناطق “ج” سيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية، وشكلت مناطق “ج” حوالي 62% من مساحة الضفة الغربية.
التقرير اعتبر أن اتفاقيات أوسلو غيرت من شكل التهديد الأمني لإسرائيل من خلال الموافقة على دخول آلاف المسلحين التابعين للسلطة الفلسطينية، وخلقت حالة من الفراغ الأمني نتيجة تسليم مناطق للسلطة الفلسطينية، هذا الشكل من التهديد الأمني ظهر من خلال مشاركة عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في عمليات مقاومة ضد المستوطنين والجيش الإسرائيلي خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
في أعقاب عدم تمكن السلطة الفلسطينية من منع العمليات ضد الإسرائيليين، وانقلاب بعض الأسلحة التي أدخلتها إسرائيل وفق اتفاقيات أوسلو ضد الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي، وفشل سياسية الاحتواء الإسرائيلية التي سادت في تلك الفترة في منع استمرار العمليات دفعت إسرائيل للقيام بعملية عسكرية في الضفة الغربية حملت اسم “السور الواقي” في العام 2002، قبل العملية العسكرية جرت محاولات التوصل لاتفاقيات لوقف العمليات، منها “قمة باريس”، و “قمة شرم الشيخ”، و “اتفاقية تنت” رئيس ال CIA، كلها لم تنجح.
عملية “السور الواقي” هدفت لإعادة السيطرة العملياتية للجيش الإسرائيلي على الأرض، بعد سنوات من الاحتواء قادت للتصعيد، العملية شملت “تطهير مخيمات اللاجئين التي شكلت مواقع إرهاب مركزية”، وتفكيك بنية المنظمات مثل حركة حماس، وحركات الجهاد الإسلامي وحركة فتح، العملية أدت لتراجع في منسوب العمليات ضد الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي، وأثبتت أن السيطرة العملياتية على الأرض إلزامية لمحاربة المقاومة الفلسطينية.
عامل آخر اعتبره التقرير الصادر عن “مركز القدس للاستراتيجية والأمن” ساهم في تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية، وهو فك الارتباط وإزالة المستوطنات الإسرائيلية من شمال الضفة الغربية في العام 2005، حيث أدت الخطوة لحالة من الفراغ الأمني قاد لتعاظم قوة المنظمات الفلسطينية وتحولت المخيمات خاصة جنين وطولكرم إلى “دفيئات لصناعة الإرهاب/حسب وصف التقرير” وبشكل خاص لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، كما ساهم رفع الحصار عن المدن الفلسطينية والسماح بحرية الحركة للفلسطينيين إلى عودة عمليات إطلاق النار من المركبات المسرعة على الطرق التي يستخدمها المستوطنون خاصة طريق 5 وطريق 60.
ووفق ذات التقرير، أحداث السابع من أكتوبر غيرت الديناميكية الأمنية للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، حيث اضطر الجيش لنقل القوات النظامية للمشاركة في الحرب في غزة، وجاء بقوات الاحتياط بدلاً منهم، عملت قوات الاحتياط بشكل أكثر قساوة، وأقل استيعاب لما سماه “أحداث عنف”.
وادعى التقرير أن البنية التحتية الاستخبارية التي بناها جهازي الشاباك والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” منذ “عملية السور الواقي” في العام 2002، مكنت من إحباط عمليات كبيرة للمقاومة، من خلال عمليات الاعتقال والاغتيال، ونشاطات أمنية مانعة بشكل مسبق، ولكن ارتفاع وتيرة العمليات وبشكل خاص شمال الضفة الغربية أثبت أن عمليات المقاومة لم تختفي مما دفع الجيش الإسرائيلي تنفيذ عدة عمليات عسكرية في مخيمات شمال الضفة الغربية، خلال العمليات العسكرية الهجومية تم استخدام معدات هندسية من أجل هدم المباني، وهجمات من الجو من أجل اغتيال منفذي عمليات، وموجات اعتقال لمتهمين.
من نقاط التحول في ارتفاع مستوى عمليات المقاومة في الضفة الغربية حسب التقرير الإسرائيلي كانت عملية “حارس الأسوار” على قطاع غزة في العام 2021، تميزت هذه المرحلة بتجنيد النشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وظهور تشكيلات مقاومة محلية غير مرتبطة بأي جهات تنظيمية.
واعتبر التقرير أن الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية من منطلق أن الضفة الغربية ساحة يمكن تعزيز المقاومة فيها، شكل عامل مهم في رفع وتيرتها، حيث ادعى التقرير بأن إيران نقلت الأموال والسلاح وخبرة التصنيع للفصائل خاصة حركة الجهاد الإسلامي، ومكنت الفصائل من القدرات العسكرية مثل تصنيع العبوات، ولجأت لتهريب الأسلحة النوعية والمتقدمة عبر الحدود الأردنية.
كما أن الحرب على غزة بعد السابع من أكتوبر 2023 قادت لحالة من التوتر في الضفة الغربية، وتم تنفيذ عدد من العمليات على خلفية الحرب، وسجلت عمليات بارزة مثل تفجير الحافلات في حولون وبات يام، وعمليات إطلاق نار على مركبات إسرائيلية على شارع 55 وشارع 5.
في شمال الضفة الغربية وخاصة مخيمات جنين وطولكرم تحولت لمراكز لنشاط لعناصر حركة حماس والجهاد الإسلامي مستغلين غياب السيطرة العملياتية في تلك المناطق، والذي نتج عن الانفصال عن المنطقة في العام 2005، والقرار في آذار 2023 منح السلطة الفلسطينية مسؤولية أمنية شمال الضفة الغربية وفق اقتراح المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، المنظمات المسلحة عززت قوتها من جديد.
كما اعتبر التقرير ما وصفها بانتهاك السلطة الفلسطينية لاتفاقيات أوسلو تعزيز لبعض الظواهر منها السيطرة الفلسطينية على مناطق “ج”، وقيامها بعلميات تلويث للبيئة، والسيطرة على الطرقات من طريق القدس – تقوع عبر البناء غير المرخص في محيطها، وشارع 5 الرابط بين أرئيل ووسط البلاد، وكلها خطوات ضد الأمن الإسرائيلي حسب وصف التقرير.
كما أن انتهاك اتفاقيات أوسلو تؤثر على الاقتصاد المحلي، السلطة الفلسطينية تنفذ مشاريع بمساعدة منظمات دولية كغطاء “لعمليات إرهابية “،وللسيطرة على مناطق “ج”، وهي مناطق تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية، بالإضافة لمنظومة الدعوة التابعة لحركة حماس بما فيها الجمعيات الخيرية في مناطق السلطة وخارجها تحول الأموال “للإرهاب” تحت عنوان مساعدات اجتماعية، ويعزز سيطرة الحركة على السكان ويعيق السيطرة الأمنية، وهذا التمويل يستخدم احياناً في دعم البناء غير المرخص في مناطق “ج” وفي المحميات الطبيعية، كما يؤدي ذلك للحد من تطوير البنى التحتية والمناطق الصناعية في المستوطنات.
من أجل الحفاظ على الهدوء الأمني امتنعت إسرائيل أحياناً من العمل ضد هذه الظواهر، جهات أمنية إسرائيلية سمحت أحياناً بالبناء في مناطق “ج” من أجل الحفاظ على العلاقة مع السلطة، لكنهم بهذا تسببوا بأضرار أمنية، وكانت المساعدات الدولية تحت غطاء إنساني تستغل في صراع السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل، وتسمح ببناء غير مرخص، لمواجهة ذلك يتطلب تطبيق مشدد للإجراءات، وتنسيق دولي، ومعالجة جذرية للأضرار الأمنية والبيئية.
بعد الاستعراض للواقع في الضفة الغربية قدم المركز في دراسته رؤية لمواجهة مختلف التهديدات وخاصة المتعلقة بالمقاومة الفلسطينية، وقال إن ذلك يجب أن يكون على 3 مستويات، الأول هو السيطرة العملياتية على الأرض، لا ضرورة للاحتفاظ بقوات كبيرة في كل الميدان، تطهيره من “البنية الإرهابية التحتية”، ومن ثم الحفاظ على قدرة العمل فيه بأي لحظة وبقوات مقلصة.
المستوى الثاني، التعامل مع القضايا الاقتصادية والمدنية: حركة حماس بنت قوتها في الضفة الغربية من خلال منظومة الدعوة، ومن خلال الجمعيات الخيرية التي نقلت أموال “للجماعات الإرهابية” تحت غطاء اجتماعي، العمل ضد مصادر التمويل، والحسابات البنكية ولأشخاص ذوي العلاقة في العمليات الحرجة.
كما يجب التعامل مع البناء غير المرخص، والسيطرة على المناطق المفتوحة والتلوث البيئي، التي تشكل جزء من صراع السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل، على سبيل المثال السيطرة على مناطق “ج” وعلى المحميات الطبيعية، وتسريب مياه المجاري للأودية، كل هذه الخطوات من طرف السلطة يضر بالأمن والبيئة.
المستوى الثالث: العمل على رفع مستوى دائرة الردع: هدم منازل عائلات منفذي العمليات، طرد العائلات، والحد من التصاريح الاقتصادية هي أدوات مجدية، شرط أن تنفذ بسرعة وقطعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التوجه للمحكمة العليا وإغلاق الغرف كحل وسط غير مجدية، يجب سن قوانين تعطي الأولوية لحق الإسرائيليين في الحياة على حق عائلات منفذي العمليات تزيد من دائرة الردع.
تحقيق المستويات الأمنية الثلاثة تحتاج لمجموعة من العوامل منها، تعزيز السيطرة العملياتية للجيش الإسرائيلي على الأرض، وإنفاذ القانون وتطبيق بنود اتفاقيات أوسلو المتعلقة بالسيطرة الإسرائيلية على مناطق “ج”، وسن قوانين تحقق نظرية الردع الإسرائيلية خاصة تلك المتعلقة بهدم منازل عائلات منفذي العمليات وطرد عائلاتهم، وقوانين تلاحق الأموال المخصصة للمنظمات الفلسطينية وكل الجهات والشخصيات ذات العلاقة مع المقاومة.
وتابع التقرير سرد عوامل نجاح العمليات العسكرية في الضفة الغربية، التعاون مع المجتمع الدولي للضغط على المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من أجل عدم تمويل أي جهات فلسطينية لها علاقة بعمليات المقاومة، ومنع السلطة من استخدام تلك الأموال لدفع رواتب الأسرى وتمويل مدارس ومؤسسات تحرض على المقاومة.
كما يجب على الجيش الإسرائيلي الاستثمار في البنية التحتية الأمنية مثل إقامة الجدران الذكية وتركيب الكاميرات والمجسات لرصد التحركات في المواقع ذات الحساسية الأمنية العالية، وتأهيل الشوارع التي يتحرك عليها المستوطنين، مثل تركيب الإنارات والكاميرات عليها، وتعزيز الرقابة على الحدود مع الأردن، إلى جانب حملات دعاية إعلام على المستوى المحلي والدولي لشرح أهمية وجدوى العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية سواء للمجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي.