بشار عودة
في قلب معاناة النزوح والحرب، تعيش وفاء الحاج، أم لخمسة أطفال، واحدة من أقسى التجارب التي يمكن أن تمرّ بها أي أم في أي مكان بالعالم. فابنتها الصغرى “رزان”، ذات الوجه البريء والعينين اللامعتين، تعاني من استسقاء دماغي، وهو مرض يحتاج إلى رعاية خاصة ومستمرة.
خضعت “رزان” في وقتٍ سابق لتدخلٍ جراحي ساعد في تحسن حالتها الصحية، حيث بدأت بالنمو وزاد وزنها بشكل طبيعي، مثل باقي الأطفال في عمرها، وكانت هذه اللحظة بارقة أمل في حياة وفاء، قبل أن تعصف بها ظروف الحرب المأساوية في غزة.
ومع اشتداد العدوان على غزة، واستمرار إغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين، انقلبت حياة وفاء وطفلتها رأسًا على عقب. فاختفى الغذاء والدواء، وأصبح الوضع كارثيًا بكل المقاييس.
بدأت حالة “رزان” الصحية في التدهور، وأصيبت بـسوء تغذية حاد، وهبط وزنها بشكل كبير من حوالي 15 كيلوجرامًا إلى ما دون الحد الطبيعي، في وقت يُفترض فيه أن تكون تلعب وتجري كغيرها من الأطفال.
وتقول أم الطفلة لـ “بالغراف”بصوت مكسور:”بنتي ما تأكل المعلبات، تحتاج أكل خاص، ولما صارت تتحسن، بدأت المجاعة، وانهار كل شيء، صحّتها تراجعت، والدواء غير متوفر، والغذاء مفقود، والطفلة كل يوم أضعف من اللي قبله”.
وتضيف بحرقة:”بنتي ما بتقدر تتحمل الجوع، بتبكي طول اليوم، وحياتنا في الخيام لا تناسب حالتها، محتاجة بيئة نظيفة وغذاء مناسب ودواء، وإلا رح نخسرها”.
وتشير الى أن المعابر مغلقة منذ أكثر من شهرين، والوضع يزداد سوءًا، لا غذاء ولا دواء ولا حتى مياه نظيفة، والناس يعيشون على ما تيسر من المعلبات، والتي لم تعد متوفرة بكفاءة. حتى الخضروات، إن وجدت، أسعارها باهظة.
تختتم أم الطفلة وفاء حديثها وهي تحبس دموعها لـ”بالغراف”:”أكلت بنتي أكل صحي آخر مرة قبل إغلاق المعبر، بتشوف ابنك بيموت قدامك وما فيش بيدك حاجة تسويها.”
وفاء، وآلاف الأمهات مثلها، يوجّهن نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي، للمنظمات الإنسانية، ولكل من يملك ضميرًا، بضرورة التحرك الفوري لإنقاذ أطفال غزة من المجاعة التي تجاوزت حدود المعقول.
من جهتها، حذرت حكومة غزة من خطر المجاعة التي تهدد حياة أكثر من 65 ألف طفل في القطاع، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال المساعدات والمواد الأساسية منذ أكثر من شهرين.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة -في بيان- إن الاحتلال الإسرائيلي يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين، ويواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني، من خلال إغلاق المعابر ومنع دخول 39 ألف شاحنة مساعدات ووقود ودواء، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وأضاف أن جميع المخابز في قطاع غزة توقفت عن العمل منذ 40 يومًا، ما أدى إلى حرمان السكان من الخبز، الغذاء الأساسي، وتفاقم المجاعة وسوء التغذية، لا سيما بين الأطفال والمرضى وكبار السن.
وأشار إلى أن آلاف الأطفال أصبحوا مهددون بالموت بسبب سوء التغذية وانعدام الغذاء، نتيجة استخدام إسرائيل سياسة التجويع سلاحًا ضد المدنيين.
وتواصل إسرائيل حرب إبادة جماعية واسعة ضد فلسطيني قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بما يشمل القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.