بشار عودة
في قلب الكارثة، حيث تتساقط القنابل وتخنق الأدخنة أنفاس الحياة، يقف جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة شامخًا رغم الحصار والإمكانات المحدودة، يخوض معركة إنسانية شرسة لإنقاذ الأرواح وسط حرب لا ترحم.
فمنذ أكثر من 17 عامًا، يواجه هذا الجهاز تحديات جسيمة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، والذي حرم طواقمه من أبسط مقومات العمل، بما في ذلك سيارات الإنقاذ، وأجهزة الاتصال، وقطع الغيار، والوقود.
ورغم الاستهداف المتعمد لمركباته وطواقمه، فإنهم يواصلون الليل بالنهار، بأدوات بدائية وإرادة لا تُكسر، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل حرب إبادة شاملة.
وأكد العميد رامي العايدي، مدير الدفاع المدني في دير البلح، في حديث خاص لـ”بالغراف”، أن الجهاز يعاني منذ سنوات من نقص حاد في الإمكانيات نتيجة رفض الاحتلال الإسرائيلي إدخال سيارات ومعدات إنقاذ، خاصة بعد استهداف سيارات الإنقاذ الخاصة بمحافظة الوسطى خلال حرب عام 2008، دون السماح بإدخال بدائل لها.
وأوضح العايدي أن العمر الافتراضي لأسطول سيارات الدفاع المدني انتهى فعليًا منذ العام 2007، ولم يتم تطويره أو تحديثه، ما زاد من تعقيد عمليات الإنقاذ، لا سيما في ظل الحرب الحالية التي تشهد استهدافًا مباشرًا للطواقم الميدانية.
وأشار إلى أن العدوان المستمر أدى إلى خروج أربع سيارات من الخدمة بالكامل في محافظة الوسطى، إلى جانب سيارات الإسعاف والإنقاذ التي تم استهدافها بشكل مباشر. ويجري حاليًا محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه داخل ورش محلية، رغم الصعوبات الكبيرة في الحصول على قطع الغيار، والتي إن توفرت تكون بأسعار باهظة.
ولم تقتصر الأزمة على ذلك، بل تفاقمت مع شح الوقود اللازم لتشغيل المركبات، إلى جانب خروج أجهزة الاتصال الرسمية عن الخدمة، واستبدالها بهواتف نقالة غير مستقرة تتوقف عن العمل كثيرًا، ما يعيق التواصل الفعّال مع المواطنين خلال الطوارئ.
وفيما يتعلق بالاستجابة للغارات والاستهدافات، أكد العايدي أن الطواقم تتجه إلى المناطق المنكوبة وفق الأولويات وحجم الكارثة، وتعمل على انتشال الشهداء وإنقاذ المصابين رغم شُحّ الإمكانيات. وفي بعض الحالات، قد تستغرق عملية الوصول إلى المواقع المستهدفة عدة أيام بسبب الحاجة إلى تنسيق مسبق مع منظمة “أوتشا”، والتي غالبًا ما تتأخر في الرد.
ومن بين المعدات التي يفتقر لها الجهاز في هذه المرحلة الحرجة، جهاز تعبئة أسطوانات الأكسجين الخاص بأجهزة التنفس الذاتي (SCBA)، التي يرتديها رجال الإطفاء أثناء دخول المناطق المليئة بالدخان والغازات السامة. غياب هذا الجهاز يُجبر الطواقم على العمل يدويًا ودون حماية كافية، مما يُعرض حياتهم للخطر.
وختم العميد العايدي حديثه بالقول لـ”بالغراف” :”نعيش حرب إبادة شاملة، ومع ذلك نواصل العمل بروحٍ عالية، رغم كل التحديات. طواقمنا تبذل جهدًا يعادل سنوات في أيام، وهدفنا إنقاذ الأرواح مهما كانت الظروف”.