محمد عبد الله
بعد أكثر من 72 ساعة من الاحتجاز في إسرائيل، عقب اعتراضها سفينة “أسطول الحرية – مادلين” بشكل غير قانوني، رحّلت سلطات الهجرة الإسرائيلية ستة من النشطاء إلى بلدانهم عبر مطار “بن غوريون” الدولي، علمًا بأنها رحّلت قبل يومين أربعة نشطاء آخرين، فيما بقي اثنان منهم في الحجز، وسيتم ترحيلهما يوم غد الجمعة.
وكانت البحرية الإسرائيلية قد اعتقلت، فجر الاثنين 9 حزيران، 12 ناشطًا دوليًا من على متن السفينة “مادلين” بعد الاستيلاء عليها في المياه الدولية، أثناء توجهها إلى غزة وهي تحمل مساعدات إنسانية.
محامية الدفاع لبنى توما من مركز عدالة، التي تابعت قضية السفينة “مادلين”، تروي في هذا الحوار الخاص مع موقع “بالغراف” ما جرى مع النشطاء منذ احتجازهم في المياه الدولية وحتى ترحيلهم.
تم اعتراض السفينة في المياه الدولية على بعد 169 كيلو متراً عن غزة
تقول توما إن القوات البحرية الإسرائيلية اعترضت السفينة “مادلين” حوالي الساعة الثالثة فجرًا، وتم احتجازها في المياه الدولية على بُعد 169 كيلومترًا عن شاطئ غزة.
وأضافت أن النشطاء فقدوا الاتصال بالعالم الخارجي منذ لحظة الاحتجاز، ولم نتمكن من التواصل معهم، ومنذ ساعات الصباح الباكر – بعد بدء دوام السلطات – بدأنا بالاتصال والتواصل وإرسال الرسائل لمختلف الجهات الحكومية لمعرفة مكان وجود النشطاء، وإلى أين سيُقتادون، وما هو وضعهم الصحي، لكننا لم نحصل على أي نتيجة.
وتابعت توما أن فريق الدفاع توجّه بعد ذلك إلى ميناء أسدود، بناءً على معلومات حول نقلهم إليه، وانتظرنا وصول الأسطول، حتى تلقينا عند الساعة 4:30 عصرًا جوابًا من المستشارة القانونية للقوة البحرية يفيد بأنه سيتم اقتيادهم إلى ميناء أسدود بالفعل. وعند الساعة 8 مساءً وصلت السفينة، أي أن النشطاء ظلّوا محتجزين في المياه وتحت أشعة الشمس لمدة حوالي 18 ساعة، دون معرفة ما يجري، في حالة من التعب والإرهاق، وغياب تام للوضوح.
وأردفت أنه بعد ذلك، انتقلت الصلاحيات إلى سلطة الهجرة، وشرع فريق الدفاع بالتواصل معها لمقابلة النشطاء بأسرع وقت. وعند الساعة 2 فجرًا، وصلنا جواب بأنه يمكننا مقابلتهم في مطار “بن غوريون” وتقديم استشارة قانونية لهم هناك. وبالفعل، في المطار شاهدنا جميع النشطاء، وكانوا مرهقين ومنهكين بعد مرور 24 ساعة على احتجازهم.
النشطاء: لم تكن إسرائيل وجهتنا وأجبرنا على الدخول إليها
وبيّنت توما أن فريق الدفاع قدّم لهم استشارات قانونية، وبعد الاستماع إليهم، طرحت السلطات سؤالًا على النشطاء: لماذا جئتم إلى إسرائيل؟ وكان ردّهم جميعًا، وبشكل متطابق، أنهم لم يدخلوا إسرائيل طوعًا وإنما أُجبروا على الدخول عنوة، وهو ما يُعدّ اختطافًا. وأوضحوا أن هدفهم كان الوصول إلى قطاع غزة لنقل مساعدات إنسانية في ظل المجاعة التي يعاني منها القطاع.
وأكدت توما أن رد فريق الدفاع على المزاعم الإسرائيلية كان بأن الحصار البحري المفروض على قطاع غزة غير قانوني ويخالف القانون الدولي. وأشارت إلى وجود قرار صادر عن محكمة العدل الدولية – بناءً على دعوى جنوب أفريقيا – يسمح بإدخال المساعدات إلى غزة، وأن منع إسرائيل للسفينة من الوصول يعمّق المجاعة ويزيد من احتمالات الإبادة.
أمر الإبعاد عن إسرائيل يصل لمدة 100 سنة
وقالت توما إن السلطات اقترحت على النشطاء التوقيع على مستند يتضمن تخليهم عن حق المثول أمام المحكمة والترحيل الفوري، وينص على أنهم دخلوا إسرائيل بصورة غير قانونية، لكن النشطاء رفضوا بشكل قاطع التوقيع، لأنهم يرفضون تعريف دخولهم على أنه “غير شرعي”.
وبيّنت أن هناك أمر إبعاد عن إسرائيل لمدة 100 سنة، وهو أمر يثير السخرية، ويقوم فريق الدفاع حاليًا بدراسة إمكانية الاستئناف على هذا القرار.
وتروي توما أنه في اليوم الأول في مطار “بن غوريون”، وقّع أربعة نشطاء على الوثيقة وتم ترحيلهم، بعد إضافة فقرة تنص على أنهم اختُطفوا من المياه الدولية.
أما بقية النشطاء – بحسب توما – فقد جرى نقلهم إلى سجن “جيفعون” في الرملة، وفي اليوم الثاني عُقدت جلسة محكمة، تلتها جلسة أخرى صادقت على أمر الاحتجاز الصادر عن لجنة الاستئناف، وجرى خلالها فحص قانونية القرار.
حصار غزة غير قانوني ويخالف قرار العدل الدولية
وبيّنت توما أنه في هذه الجلسة أُتيح للنشطاء وفريق الدفاع تقديم جميع الادعاءات، سواء ما يتعلق بعدم شرعية الحصار على غزة ومخالفته للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، أو بضرورة إلزام إسرائيل بتقديم المساعدات الإنسانية بناءً على قرار محكمة العدل الدولية، كما تم التأكيد على أن المحكمة لا تملك الصلاحية للبتّ في مسألة احتجازهم أو ترحيلهم، كونهم لم يدخلوا إسرائيل طوعًا بل خُطفوا من المياه الدولية.
النشطاء احتجزوا في سجن “جيفعون” بظروف صعبة
أما بشأن ظروف احتجازهم، فقالت توما إنه تم احتجاز امرأتين معًا، والرجال معًا، في ظروف لم تكن بسيطة، وكان واضحًا وجود مسّ متعمد بحقوقهم، ورفض قاطع لأي طلب تقدّمنا به، رغم أنها مطالب طبيعية تُقدَّم لأي معتقل، مثل إدخال لوازم شخصية وملابس، أو توفير مياه صالحة للشرب بدلًا من المياه غير الصالحة الموجودة في السجن. كما طالبنا بمنحهم مكالمات هاتفية مع عائلاتهم، لكن جميع هذه الطلبات قوبلت بالتجاهل، ولم تتم المصادقة على أي منها من قبل إدارة السجن.
جرى تحويل اثنين منهم للعزل الانفرادي
وأكدت توما أن ظروف الاحتجاز كانت قاسية، وأنهم توجهوا بالأمس لزيارة النشطاء وتفاجأوا بأن تياغو، وهو مواطن برازيلي، وعضو البرلمان الأوروبي ريما حسن، قد تم احتجازهما في العزل الانفرادي.
وأوضحت أن تياغو نُقل إلى العزل لأنه أعلن الإضراب عن الطعام والشراب منذ لحظة وصوله إلى مطار “بن غوريون”، تضامنًا مع أطفال غزة. وقد قررت سلطة السجون عزله انفراديًا. وأضافت أنه كان متعبًا ومنهكًا، لكنه بقي صامدًا وعنيدًا ومُصرًّا على مواصلة الإضراب وعدم التنازل عن مبادئه.
أما ريما حسن – بحسب ما تروي توما – فقد كتبت على جدار الزنزانة عبارة “فلسطين حرة” بالإنجليزية، وتم نقلها إلى العزل الانفرادي، وبسبب ظروف العزل أعلنت الإضراب عن الطعام.