loading

“هامش أخير” شهادة على الذاكرة والقدس

محمد عبد الله

صدر حديثًا عن دار نوفل/هاشيت أنطوان في بيروت، الجزء الثالث والأخير من السيرة الذاتية للأديب الفلسطيني محمود شقير بعنوان “هامش أخير”، ليكمل ثلاثيته السيرية التي سبقتها “تلك الأمكنة” (2000) و”تلك الأزمنة” (2022). وفي هذا الإصدار، قال شقير إنه أراد أن “يستوفي ما كان ناقصًا” في الأجزاء السابقة، مدفوعًا برغبته الدائمة: “أكتب لعلّ العالم يصبح أجمل، ولعلّ الشر يكون أقل”.

ويوضح الكاتب سبب اختياره العنوان بقوله: “أكتب للناس الذين أعرفهم وأعيش معهم، ولشعبي الذي يعاني منذ أكثر من مئة عام من أبشع غزوة صهيونية عدوانية استيطانية إقصائية… أكتب لكي أسهم في الدفاع عن قيم الحق والخير والجمال… وأكتب لكي لا تكون حياتي خاوية جوفاء، فالكتابة هي التي تعينني على مواصلة الحياة”. 

ويعتبر شقير أن هذه السيرة تتويج لمسيرته الأدبية التي امتدت لعقود، واستكمال لكتابَي السيرة السابقين، إذ يُقَدم فيها خلاصة تجاربه في الحياة والكتابة، من خلال عناوين قصيرة تشبه الفصول، وبأسلوب هادئ ولغة واضحة تمزج بين الإمتاع والتأمل والطرافة، وتكشف ذاته أمام القارئ بجرأة وصدق.

تحتل القدس مساحة مركزية في “هامش أخير”. فهي ليست مجرد مسقط رأس الكاتب، بل رمز ومعنى وهوية أدبية وإنسانية. إذ يستعرض صورتها الحضارية والثقافية قبل النكبة، ثم يتتبع تحوّلاتها مع النكسات المتلاحقة، ليجعل منها قلب السرد وذاكرته الحية.

كما يتوقف عند أسماء أدبية وأصدقاء تركوا أثرهم في مسيرته، ويحتفي بالمرأة الفلسطينية وأدوارها الاجتماعية والثقافية، مستعرضًا مدنًا وأمكنة زارها أو عاش فيها مثل بيروت ودمشق والجزائر وبلغاريا واسطنبول وبراغ. 

ويضم الكتاب في نهايته مُلحقًا يتضمن شهادات كتّاب ومعايدات بمناسبة بلوغه الثمانين عامًا، مما يضفي على العمل طابعًا توثيقيًا وإنسانيًا خاصًا.

الناشر وصف “هامش أخير” بأنه “تأريخ ثقافي وسياسي وتاريخي لمرحلة مهمة منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم”. 

أما الناقدة البحرينية بروين حبيب، فاعتبرت السيرة نصًا صادقًا مؤثرًا، يخلط المتعة بالتأمل، ويكشف عن كاتب نذر عمره للقلم رغم أحزانه الخاصة وجرح القدس الذي لا يندمل.

وبهذه الثلاثية، يقدم شقير ليس فقط سيرة ذاتية، بل شهادة أدبية وتاريخية على التحولات التي عصفت بفلسطين والقدس والعالم العربي، وعلى أثرها في كاتب ظل وفيًا لذاكرته وفنه وقضيته.

وكان الجزء الأول “تلك الأمكنة” قد صدر عام 2000، متناولًا عبر مشاهد ومقاطع ذاكرته مع المكان منذ الطفولة في القدس، مرورًا بتجربته النضالية واعتقاله ومنفاه في بيروت وبراغ وعمان، وصولًا إلى لقاءاته الثقافية مع أسماء بارزة فلسطينية وعربية. أما الجزء الثاني “تلك الأزمنة” الصادر عام 2022، فوقف عند محطات حياته حتى بلوغ الثمانين عامًا، متأملًا مرور الزمن بلغة وجدانية وإيقاع خاص.

محمود شقير، المولود في القدس عام 1941، يُعد من أبرز الأصوات الأدبية الفلسطينية المعاصرة. يكتب القصة والرواية للكبار والفتيان، وأصدر حتى اليوم 85 كتابًا، إضافة إلى ستة مسلسلات تلفزيونية وأربع مسرحيات، تُرجمت أعماله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. نال جوائز عدة بينها: جائزة محمود درويش للحرية والإبداع (2011)، جائزة القدس للثقافة والإبداع (2015)، جائزة دولة فلسطين في الآداب (2019)، وجائزة الشرف من اتحاد الكتّاب الأتراك (2023)، وجائزة فلسطين العالمية للآداب (2023).

اليوم، ومع “هامش أخير”، يضع شقير النقطة الأخيرة في مسار أدبي طويل بدأ قبل ربع قرن، مؤكدًا أن الكتابة بالنسبة له كانت وما زالت سبيلًا لمواجهة الفقد والألم، وللاحتفاء بالحياة والإنسان.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني