محمد أبو علان/ خاص بالغراف
منطقة الأغوار الشمالية التابعة لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية، والتي تبدأ حدودها بعد قرابة (12) كم شرق مدينة طوباس مركز المحافظة، كانت تصنف سلة خضار فلسطين، وكانت حتى قبل عامين (قبل الحرب على غزة) منطقة استجمام خلال فصل الربيع يقصدها سكان طوباس والمناطق المجاورة.
بعد الحرب على غزة في أكتوبر 2023 شدد الاحتلال الإسرائيلي الخناق على الأغوار الشمالية عبر إشغال حواجز الحمرا وتياسير على مدار الساعة، وأطلق يد المستوطنين فيها لتهجير سكان الأرض الأصليين، والسيطرة على الأرض وعلى الموارد الطبيعية فيها، فلم تعد منطقة استجمام، ولا سلة خضار فلسطين بفعل المضايقات الاحتلالية على المزارعين ومنعهم من استثمار أراضيهم.
الاثنين 20-10-2025 كانت لي زيارة عمل لعدد من تجمعات الأغوار الشمالية، وكانت هذه زيارتي الثانية للأغوار خلال العامين الماضيين، مع إنني كنت من زوار تلك المنطقة بشكل دائم قبل الحرب، بسبب إغلاق حاجز تياسير الأقرب علينا جغرافياً، الزيارة كانت عبر حاجز الحمرا، ومنه عبر الطريق الواصل بين حاجز الحمراء ومفترق منطقة عين الحلوة، ومنه يساراً لبردلا وكردلا وعين البيضاء.
وفي طريق العودة كانت الزيارة لمنطقة المالح والمضارب البدوية، وبالتحديد لمدرسة التحدي فيها، والتي هي عبارة عن جيب صغير جداً في وسط منطقة عسكرية إسرائيلية، تعاني من اعتداءات المستوطنين الدائمة، وعلى الجهة الأخرى من الشارع المحاذي لها يقع معسكر ضخم لتدريب قوات الاحتلال الإسرائيلي.
على طول الجهة اليمنى من الطريق الموصل إلى الأغوار الشمالية تشاهد العديد من المستوطنات الإسرائيلية، التي تشكل مستوطنة “حمدات” نقطة البداية فيها، وتسيطر هذه المستوطنات على آلاف الدونمات من الأراضي الخصبة المملوكة في الأصل لسكان طوباس وطمون، مستوطنات وفر لها المستوى السياسي الإسرائيلي كل مقومات الحياة من مياه وكهرباء وطرقات ومدارس ومراكز صحية، وحرم سكان الأرض الأصليين حتى من شربة الماء قبل أن يحرمه من حبة الدواء، ويستمر المشهد الاستيطاني حتى مستوطنة “ميخولا” التي هي أول مستوطنة زراعية أقيمت في الضفة الغربية بعد الاحتلال مباشرة في العام 1967 المقامة على أراضي منطقة عين البيضاء.
إلى جانب المستوطنات الإسرائيلية التي تسيطر على آلاف الدونمات الزراعية، تسيطر معسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمناطق المخصصة للتدريب العسكري على جزء آخر ليس بقليل من أراضي لأغوار الشمالية، وللتضيق على مربي الثروة الحيوانية أعلنوا جزء من منطقة الأغوار محميات طبيعية لمنع الرعي فيها، في الوقت الذي تكون به متاحة للمستوطنين.
وعلى الجهة اليسرى من ذات الطريق الموصل للأغوار، أرض حمراء بور، وجبال قاحلة، وهي للفلسطيني صاحب الأرض الأصلي ومالك الموارد الطبيعية المحروم منها، الممنوع حتى من الحد الأدنى من الخدمات، ممنوع من الوصول لأرضه، ممنوع من الوصول لمصادر المياه، ممنوع من زراعتها، وممنوع من توفير أدنى سبل احتياجات الحياة هناك، في الوقت نفسه تشاهد المستوطنين الإسرائيليين تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي يقومون بتسييج مزيد من الأراضي في مناطق سمر ا والفارسية وغيرها من المناطق.
قبيل الانحدار نحو الأغوار أكثر، وعلى مفترق عين الحلوة ترى آثار تدمير جيش الاحتلال ومستوطنيه لعدد من خيم المواطنين في المكان، وترى مستوى الحرمان من كل مقومات الحياة التي يعاني منها سكان الخيام في منطقة عين الحلوة، فلا مياه ولا كهرباء ولا دواء، ولا حرية حركة للسكان ولا لقطعان أغنامهم وأبقارهم للرعي، ومقابل سياسة الهدم والمعاناة للفلسطيني، على تلة الجبل المقابلة لعين الحلوة مقامة مستوطنة “مسكيوت” التي تنعم بالمياه والكهرباء والشوارع والمدارس والمراكز الطبية والحماية الأمنية وحرية الحركة والتنقل على حساب سكان الأرض الأصليين.
في طريق العودة من الأغوار الشمالية، كانت محطتنا الأخيرة في تجمع المالح والمضارب البدوية، تجمع يحاول سكانه ومدرسة التحدي فيه، ومدرسيها تحدي كل ظروف الحياة القاسية هناك بفعل الاحتلال، والبقاء رغم أنف الاحتلال ورغم أنف مستوطنيه، لا مصادر للمياه في المنطقة، طاقة كهربائية تعتمد على الخلايا الشمسية، وإعاقة حركة بشكل يومي للمدرسين خلال الذهاب والإياب إلى ومن المدرسة.
المعاناة التي تعيشها مكونات المسيرة التعليمية في منطقة الأغوار الشمالية بفعل سياسة الاحتلال قضية قائمة بذاتها توازي بل تزيد عن معاناة بقية القطاعات في المنطقة، حيث يتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إعاقة حركة (126) معلمة ومعلم يعملون في سبع مدارس ورياض أطفال ، ويضطرون للمرور يومياً عبر حواجز الاحتلال، للوصول لمدارس بردلا وكردلا وعين البيضاء والمالح والمضارب البدوية، ويعيق الاحتلال بفعل ممارساته اليومية مسيرة تعليمية لحوالي (1023) طالبة وطالب في المدارس ورياض الأطفال في المنطقة، كما أن ممارسات الاحتلال ومضايقاته أدت لإغلاق روضة عين المالح التي كانت جزء من مدرسة التحدي العاملة هناك.
منطقة الأغوار الشمالية تحاصرها ثلاث نقاط، حاجز الحمرا وحاجز تياسير وبوابة عاطوف المغلقة كل الوقت، وهي جزء من حوالي (1000) حاجز وبوابة حديدية وسدة ترابية ومربعات اسمنتيه تقطع أوصال الضفة الغربية، الحواجز إلى منطقة الأغوار توصف وفق كلام من يمرون عبرها بأنها الأسوء في الضفة الغربية، تغلق في وجه المواطنين لساعات يومياً أكثر مما تفتح لتنقلهم، حواجز تعيق تنقل الموظف والعامل والمزارع والطبيب والمريض ليس لسبب إلا لجعل ظروف الحياة قاسية في تلك المنطقة على أمل تهجير سكانها لصالح المستوطنين والتوسع الاستيطاني.