محمد عبد الله
برائحة القهوة التي أُعِدّت سلفًا، والزينة التي عُلّقت على عجل في بيتٍ ينتظر لقاءً مؤجلاً منذ ربع قرن، جلست ابتسام عمران، شقيقة الأسير المحرر محمد عمران من مدينة دورا جنوبي الخليل، على رصيف الشارع قرب ساحة قصر رام الله الثقافي، والدموع تملأ عينيها وهي تراقب مشهد لقاء الأهالي بذويهم المحررين.
لكن بين تلك الوجوه المشتاقة، غاب وجه شقيقها محمد، الذي أُبعِد في اللحظات الأخيرة إلى الخارج، بعدما كانت العائلة تستعد لاحتضانه في الضفة الغربية.
تقول ابتسام بصوتٍ يختنق بالحزن، إن شقيقها اتصل بهم قبل يومين فقط من مكتب ضابط الشاباك الإسرائيلي، وأبلغهم بأنه سيكون من بين الأسرى المفرج عنهم في صفقة التبادل إلى الضفة الغربية.
ومنذ تلك اللحظة، دبت الحياة في البيت مجددًا، وبدأت العائلة التحضير لاستقباله بعد 25 عامًا من الاعتقال.
توجهت ابتسام وشقيقها الآخر إلى رام الله مُبكرًا تحسبًا لأي إغلاق على الحواجز، بينما داهمت قوات الاحتلال منزل العائلة في دورا، وحذّرتهم من أي مظاهر احتفال أو استقبال لمحمد، بل واعتدت على أفراد العائلة ومن بينهم والدتهم المسنة.
لكن كل تلك الترتيبات تلاشت حين غيّرت سلطات الاحتلال القوائم في اللحظات الأخيرة، وأبعدت محمد عمران إلى مصر بدل الإفراج عنه إلى الضفة.
ومثل محمد، أبعد الاحتلال 11 أسيرًا آخرين، كانوا من المقرر أن يعودوا إلى بيوتهم في الضفة الغربية، وفقًا لمعطيات نادي الأسير الفلسطيني، الذي أوضح أن القائمة الأولى تضمنت 142 أسيرًا يُفرج عنهم إلى الخارج، قبل أن يرفع الاحتلال العدد إلى 154 أسيرًا، مقابل 96 فقط أُفرج عنهم إلى الضفة.
عائلة الأسير جبر مليطات من بلدة بيت فوريك شرقي نابلس، عاشت ذات الخيبة.
يقول مراد إن شقيقه جبر، المحكوم بعدة مؤبدات، اتصل بالعائلة من مكتب ضابط المخابرات الإسرائيلي، وأبلغهم بأنه سيعود إلى الضفة الغربية، كما أبلغهم الأسير وسيم مليطات، ابن أخته، بخبر مشابه.
وبينما كانت العائلة تستعد بفرحٍ لا يوصف لاستقبالهما بعد أكثر من 20 عامًا في الأسر، اقتحمت قوات الاحتلال المنزل وأبلغتهم بمنع أي مظاهر احتفالية.
وفي صباح يوم الإثنين، تلقوا الصدمة: جبر ووسيم أُدرجا في قائمة الإبعاد إلى الخارج. يقول مراد بصوتٍ مبحوح: “كأنني فقدت جبر من جديد”.
رغم علمهم بالقرار، توجهت العائلة إلى رام الله على أمل أن يكون هناك خطأ ما. وقفوا لساعات طويلة قرب حافلات الأسرى، لكن الانتظار انتهى دون لقاء. علموا لاحقًا أن سلطات الاحتلال نقلت عددًا من الأسرى من سجن عوفر إلى سجن النقب تمهيدًا لإبعادهم.
ويضيف مراد أن جبر ووسيم تواصلا معهم عبر الفيديو من معبر رفح، ثم من القاهرة، حتى ساعة متأخرة من الليل، ليؤكد جبر أن ضابط المخابرات أبلغه بأن قضيته لا تسمح بالإفراج إلى الضفة، رغم إدراج اسمه سابقًا ضمن قائمتها.
في ساحة الاستقبال، اختلطت دموع الفرح بالخذلان. فبين كل عناقٍ تحقق، كان هناك عناق آخر مؤجل إلى أجلٍ غير مسمّى كما جرى أيضاً مع عائلة الأسير مراد أبو الرب من جنين.
عائلات تنتظر بين الأمل والخذلان، وأسرى يعيشون حريتهم بعيدًا عن بيوتهم، في منفى فُرض عليهم.