loading

ضمن جلسات لمة صحافة: الإعلام العبري والسردية الفلسطينية في ميزان النقاش

يزن حاج علي

منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي شنّها الاحتلال على قطاع غزة في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، شهدت الساحة الإعلامية الفلسطينية والعربية تزايدًا ملحوظًا في الاعتماد على وسائل الإعلام العبرية كمصدر للمعلومة، خاصة في ظل التعتيم والحصار المفروضين على القطاع، وصعوبة الوصول إلى مصادر مستقلة من قلب الحدث.

 هذا الاعتماد تَوسّع ليشمل ليس فقط التغطيات الخبرية، بل أيضًا تحليلات وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، التي باتت تُترجم وتُتداول بشكل يومي على منصات الإعلام ومواقع التواصل، ما أثار نقاشًا واسعًا حول مضامين هذه الترجمات، وأثرها على السردية الفلسطينية، وإمكانية تحوّلها إلى أدوات غير واعية في خدمة الرواية الصهيونية.

خلال ذلك، انعقدت جلسة حوارية بعنوان “الترجمات عن الصحافة العبرية والسردية الفلسطينية”، ضمن فعاليات ملتقى “لمة صحافة” الذي عقد في 30 أيلول 2025.

شارك في الجلسة كل من الصحفي نهرو جمهور، والباحث المختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، والصحفي أحمد دراوشة، والصحفية والباحثة شيرين يونس. وأدترها الصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي عبد القادر بدوي. وقد شهدت الجلسة نقاشًا معمّقًا حول طبيعة المحتوى الإعلامي الإسرائيلي، وتحديات الترجمة، والتأثيرات المحتملة لهذا النوع من التغطية على السردية الفلسطينية

الرواية هي أساس الصراع

استهل الصحفي نهرو جمهور مداخلته بالتأكيد على أن “الرواية هي جوهر الصراع”، وأن ما يجري في الإعلام العبري هو هجوم على العقل الفلسطيني وتفكيك للسردية الفلسطينية عبر تشتيت الانتباه وتغييب السياقات.

وأشار جمهور إلى أن كثيرًا من الإعلام الفلسطيني والعربي بات يتعامل مع ما يُنشر في الإعلام العبري كأنه مرجعية موثوقة، دون التحقق من مصدره أو فحص الغاية من نشره. وحذر من هذا النمط في التعامل مع الترجمات، معتبرًا أن نقل الرواية الإسرائيلية بشكل مجرد قد يفضي إلى إعادة إنتاجها بلسان فلسطيني، فيصبح الاحتلال هو من يضع الإطار الذي نتحرك داخله.

وأكد على أن الثقافة المهيمنة اليوم في الإعلام العبري هي ثقافة يمينية، وأن كثيرًا من الرسائل في القنوات العبرية موجهة بالأساس إلى الفلسطينيين، بهدف التأثير على وعيهم وتعزيز الرواية الإسرائيلية في عقولهم. لذلك شدد على أهمية أن تكون الترجمة واعية وموجّهة، تركّز على التحولات في المجتمع الإسرائيلي من الداخل، لا فقط ما يُقال على الشاشات.

الحاجة إلى ترجمة تحقيقية تواجه الإعلام العبري

من جانبه، تناول الباحث محمد هلسة البعد الأعمق للإعلام العبري، حيث شبّهه بأنه “يصنع في ذهن المتلقي عالمًا كاملاً، كما فعلت الروايات الصهيونية حول الهولوكوست”.

وأضاف أن الترجمة، كما تُمارس حاليًا في معظم وسائل الإعلام العربية، هي ترجمة حرفية تفتقر إلى التحليل النقدي. ودعا إلى تبنّي نموذج جديد لما سماه “الترجمة التحقيقية”، التي لا تكتفي بالنقل، بل تبحث في الخلفيات والدوافع والسياقات، وتُخضع المادة المترجمة للفحص والتأويل.

وتساءل هلسة: “لماذا لم تتطور أدوات السردية الفلسطينية لتواجه الرواية الإسرائيلية بشكل فعّال؟”، مشيرًا إلى أن الأزمة ليست فقط في المحتوى العبري، بل في ضعف التأسيس لخطاب فلسطيني نقدي بديل، قادر على المواجهة وليس فقط التفاعل أو الرد.

استحالة التعامل مع الرواية الإسرائيلية دون فهم السياق

في مداخلته، ركّز الصحفي أحمد دراوشة على أهمية السياق، مشيرًا إلى أن الباحث أو الصحفي حين يتعامل مع الإعلام العبري، عليه أن يمتلك القدرة على عزل وجهة نظره، والتحليل باتجاه فهم المسار الذي تتحرك فيه إسرائيل، وليس فقط ما يُقال آنياً.

وأكد  على وجود تضارب في الرواية الإسرائيلية نفسها، وأن هذا التضارب قد يكون فرصة لفهم الصراعات الداخلية في إسرائيل، لكن بشرط الانتباه إلى أن هذه “الشقوق” لا تكفي وحدها لكشف الحقيقة، إذا لم تُقرأ في سياقها التاريخي والسياسي.

وقال دراوشة: “لا يمكن التوقع إلى أين ستصل إسرائيل وماذا ستفعل، إن لم نقرأ التطورات ضمن مسارات تاريخية ممتدة”، مشيرًا إلى أن الإعلام العبري كثيرًا ما يُقصي السياقات أو يُخضعها لحسابات أمنية ودعائية، ما يجعل من الصعب على المتلقي الفلسطيني أن يفهم المضمون دون تأطير نقدي.

التوجه للإعلام العبري.. ضرورة في ظروف صعبة

سلطت الصحفية والباحثة شيرين يونس الضوء على التحديات الخاصة التي يواجهها الصحفي الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، قائلة إن هذا الصحفي هو “مواطن من الدرجة الخامسة”، يعمل ضمن بيئة إعلامية إسرائيلية تُضيق عليه وتحاصره سياسيًا وأمنيًا ومهنيًا.

وبيّنت يونس أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تعكس الرواية العربية في الداخل، ولا تمنحها مساحة حقيقية للحضور أو التعبير، ما يجعل الصحفي الفلسطيني مضطرًا في كثير من الأحيان للنقل عن الإعلام الإسرائيلي، لأنه المصدر المتاح الوحيد.

وأضافت أن هناك صعوبة كبيرة في الترجمة، ليس فقط على مستوى اللغة، بل على مستوى المصطلحات والسياقات، مشيرة إلى أن غياب صحافة الاختصاص بمختلف أشكالها في المشهد الفلسطيني (السياسية، العسكرية، الاقتصادية) يجعل من الصحفي الفلسطيني متلقيًا أكثر منه منتجًا للمعرفة.

وطرحت يونس تساؤلات عميقة حول ماذا ننقل؟ وكيف ننقل؟ وما السياق الذي يجب أن يُرافق الترجمة، مؤكدة أن المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل على المصطلح، على الخبر، على المعنى، وعلى العقل.

إشكاليات الترجمة: بين ضرورة المعلومة وخطورة التضليل

في التفاعل بين مداخلات الضيوف، أجمعت الجلسة على أن التعامل مع الإعلام العبري لا يجب أن يكون استهلاكيًا أو ارتجاليًا، بل يتطلب أدوات مهنية وتحليلية.

وأكد المشاركون أن الترجمة – كما أُشير مرارًا – ليست مجرد فعل تقني، بل هي ممارسة سياسية وثقافية، قد تُستخدم لإحداث وعي نقدي، أو لتكريس الهيمنة والهيمنة المضادة لا سيما في ظل حرب إبادة واسعة النطاق، شنها الاحتلال على مدار عامين داخل فلسطين المحتلة، وعلى لبنان واليمن وإيران.

كما وكشفت الجلسة أن الترجمة عن الإعلام العبري لم تعد مجرّد وسيلة لنقل الخبر، بل تحوّلت إلى ساحة مواجهة بين روايتين: رواية الاحتلال التي يحاول تصديرها بلغة الحداثة والديمقراطية، ورواية شعب يقاوم النسيان والحصار والتشويه، وعمليات كي الوعي.

وفي معركة السرديات، لا يكفي أن نعرف ما يُقال، بل يجب أن نعرف لماذا يُقال، ولمن، وفي أي سياق. ومن هنا، فإن وعي المترجم، وصحوة الصحفي، ودور المؤسسات الإعلامية، باتت اليوم ضرورة وجودية، لا فقط مهنية.

توصيات الجلسة: نحو خطاب فلسطيني متمكن من أدواته

اختُتمت الجلسة بجملة من التوصيات العملية التي اقترحها المشاركون والحضور، من بينها، إطلاق وحدات ترجمة فلسطينية متخصصة تعمل بمهنية عالية، وتُخضِع كل مادة مترجمة للتحليل والفحص.

كما أشار المشاركون إلى ضرورة بناء أجندة إعلامية فلسطينية مستقلة لا تعتمد فقط على التفاعل مع ما يُقال في الإعلام الإسرائيلي، مع أهمية تعزيز ثقافة صحافة الاختصاص لدى الصحفيين الفلسطينيين، لتقوية الخطاب المحلي مقابل الخطاب الإسرائيلي.

وأوصى المشاركون بإنتاج محتوى فلسطيني موجه للعالم، بلغات متعددة، بما في ذلك العبرية، ليكون الصوت الفلسطيني حاضرًا ومبادرًا لا مفعولًا به، مع ضرورة توفير برامج تدريبية للصحفيين في مجال الترجمة الإعلامية النقدية، مع التركيز على المصطلحات والمفاهيم.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني