د. أحمد شديد
منذ اليوم الأول لحرب الإبادة على قطاع غزة وشعار نتنياهو العريض (النصر المطلق) والذي عرفه بالقضاء على حماس ونزع سلاحها واستعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة، إضافة لهدف التهجير الذي عبر عنه أكثر من وزير في حكومته.
لكن الذي حصل ورغم ما حل في قطاع غزة من قتل وتشريد ودمار استحق عليه القطاع وصف منطقة منكوبة، فإن مشروع التهجير قد فشل وذهب إلى غير رجعه، ونتنياهو فاوض حماس ووقع وأستعاد أسراه بعملية تبادل معها.
بل أن نتنياهو قرر في مرحلة ما أن يستنسخ تجربة روابط القرى وأن يُسقطها على قطاع غزة من خلال مجاميع مسلحة اجتمع أفرادها على النهب والسطو وترويع النازحين، لكنها فكرة وُلدت ميته ومن يدير القطاع اليوم هي حركة حماس وبغطاء علني من الرئيس دونالد ترامب، (طبعاً هذا الدعم ليس بريئاً)، والمؤشرات على الأرض تشير اعلى أن حماس ستُفوِت هذه الفرصة وستخسرها داخلياً بسبب احتكامها لمنطق القوة بالتعامل مع كل من يختلف معها، فرادى كانوا أو جماعات، فمن غير المعقول أن تكون كل هذه العائلات خائنة وعميلة للاحتلال، وإن ثبت ذلك لا سمح الله، فالمسؤول الأول والأخير عن ذلك هي حماس التي صنعت بيئة عيش سيئة في القطاع واستَعدَت أهله الذين صبروا وتحملوا ويلات حروب كانت ستنهار نتيجتها دول كبيرة، وبالتالي فهي ملزمة بتحمل أبناء شعبنا.
وبعيدًا عن التواجد العسكري الإسرائيلي في أجزاء من القطاع، فإن مخطط إعادة احتلال القطاع أيضًا ولى بلا رجعه، هذا لا يعني أن بنود الاتفاق ستُنفذ كما بند الأسرى، فنتنياهو أعد للعالم ولغزة ألغام بدأت بالتلاعب بقوائم الأسرى، ولا أظنها ستنتهي عند التحكم بإدخال الصلب والأسمنت إلى القطاع، بل وأوعز لاستخباراته وأجهزته الأمنية أن تبدأ بجمع معلومات عن قيادات حماس المدنية والعسكرية المؤثرة في القطاع، وكما قال أحد كبار الصحفيين في إسرائيل: (تجربة لبنان حاضرة في عقل نتنياهو ونواياه).
أما سعيه المتعلق برفض مشاركة السلطة الوطنية الفلسطينية في أي حلول مستقبلية، فقد تبدد مع مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القمة، إضافة لما تناقلته وكالات أنباء عن استعداد قوات فلسطينية تابعة لحرس الرئيس التوجه لمعبر رفح.
إذاً السؤال كيف ذهب نتنياهو لهذا الاتفاق وماذا حقق من خلاله وما الذي أسكت الوزراء إيتمار بن جفير وبتسليل سمودريتش وأوريت ستروك؟
لقد شكلت المظاهرات التي عمت شوارع معظم دول العالم عنصر ضغط على حكوماتهم مما نتج عن ذلك سلوكاً دبلوماسياً غير مسبوق، تمثل في اعتراف دول وازنة كبريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا بالدولة الفلسطينية، ومقاطعة وفود العالم لكلمة نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة ما حذا بالدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدارك حقيقة وضع إسرائيل في المحافل الدولية خاصة بعد الموقف الإسباني الذي فاجأ الجميع، فتحركت الولايات المتحدة بمبادرة تهدف لوقف الحرب وإخراج إسرائيل من عزلتها وتخفيف وطأة السخط العالمي عليها.
لكن، هل ستمضي إسرائيل وأمريكا في تنفيذ بنود الاتفاق؟ وهل سيكتفي نتنياهو بما عاثه من دمار وقتل في الشرق الأوسط؟
هل غادر شبح الحروب منطقة الشرق الأوسط (لبنان، سوريا، إيران) بلا عودة؟
وهل ستنجو الضفة من أطماع اليمين الصهيوني الديني المتطرف؟
وهل سينهي رئيس الدولة هيرتسوغ معاناة نتنياهو مع القضاء الإسرائيلي بمنحه العفو الذي طلبه ترامب، وسبق لرئيس الدولة أن رفضه قبل حوالي نصف عام ويضمن لنتنياهو خروجًا آمنًا من السلطة؟