كتبت حلا خلايلة
كانت تغطي الأخبار فأصبحت هي الخبر، شاشة تلفزيون وتقرير صحفي من داخل زنزانة في سجون الاحتلال كان شعلة بداية حكاية أمل وحرية للصحفية داليا النمري والأسير المحكوم بالمؤبد تامر الريماوي.
حكاية بدأت من عتمات السجن وظلمه، نسجها الأسير تامر الريماوي وحقق الأمل فيها، كان يتابع قناة روسيا اليوم وهي من القنوات القليلة المسموح مشاهدتها داخل السجن، فلفت نظره تقارير الصحفية داليا النمري التي كانت تغطي أحداث للقدس باستمرار، واستمر بمتابعتها ومشاهدة تقاريرها، ولن ينتظر تامر لاتخاذ خطوة جريئة للارتباط في الصحفية النمري.
أرسل الريماوي رسائل عديدة عن طريق أشخاص للنمري يخبرها أنه أعجب بشخصيتها وأنه يفكر بالارتباط بها لتأسيس عائلة.
تضحية وأمل..
“قرار الارتباط بتامر كان شيء غير منطقي لكثير ناس وصعب ومستحيل” تقول داليا في حديثها عن بداية الحكاية التي أصبحت خبرا يعج في مواقع الأخبار.
وأضافت النمري:” تامر محكوم ٣ مؤبدات، كان يتابعني في السجن هو يعرفني من بعيد وأنا لا أعرفه، حينما وصلني خبر أنه معجب ويفكر الارتباط فكرت قليلا قبل أن اتخذ أي قرار، راودتني أفكار عدة كيف سيكون شريكي بعيدا عني شخص لم أعرفه”.
وتابعت:” بعد التفكير ملياً قابلت عائلته وذهبت للمنزل الذي كان يقطن فيه قبل الأسر، وهناك بدأ عقلي باتخاذ القرار حين رأيت تلك الأوسمة التي كانت تمجده وتلك اليافطات المعلقة باسمه وصوره”.
“انسان شجاع ضحى بعمره وضحى بالكثير سيكون السند لي” هكذا بدأت النمري حديثها عن بداية موافقتها على الارتباط،” كبر بعيني وصرت أبحث عنه بالانترنت، شاهدت له فيديو وهو يقاوم في الاحتلال بعد محاصرته في بناية عقب مطاردة دامت لعامين في الانتفاضة الثانية.
حينما رأيت مقاومته وقتاله لاخر رصاصة قبيل الاعتقال وهذا كان كافيا لاتخذ قراري وأضحي لمن ضحى”.
الأسير تامر المفعم بالحياة..
الأسير تامر راسم الريماوي، ٤٠ عاما من بلدة بيت ريما في مدينة رام الله، قيادي في كتائب شهداء الأقصى، يدرس الماجستير في العلوم السياسية داخل السجن، اعتقل عام ٢٠٠٣ عقب مطاردة استمرت عامين بتهمة قتل وجرح عدد من المستوطنين في الانتفاضة الثانية، يقبع الريماوي في سجن ريمون ويقضي حكما بثلاثة مؤبدات، أمضى منها حتى اليوم ١٩ عاما.
“شاهدت العديد من المقابلات لوالدته وهي تتحدث عنه وتكرر كثير بأنه انسان حنون، ما أثار الفضول لدي لأعرف عنه أكثر وأتعرف عليه عن قرب”، تقول النمري.
وأضافت:” لفتني في شخصيته أنه انسان محب للحياة، فعلى الرغم من أنه محكوم بالمؤبدات إلا أن ذلك لم يمنعه من التفكير بالارتباط وتأسيس عائلة بعد وفاة والده ووالدته”
“انسان ضحى لأجل هذه البلد يستحق أن يجد من يضحي لأجله في نفس الوقت”
الأسرى جزء لا يتجزأ منا، على الرغم من محاولة الاحتلال ابعادهم عنا بزجهم بين قضبانه وقطع أنفاسهم عن الحرية، الا أن هذا لا يمنع الدعم الدائم للأسرى وعائلاتهم واشعارهم بأنهم بالقرب منا وليس بعيدون.
بمشاعر جياشة تشرح النمري عن الشخصية الحقيقة للريماوي التي لن يعرفها الا لمن تعرف عليه أكثر:” تامر انسان روحاني مميز، كونه أسير فيلفته الروحانيات بعيدا عن الماديات، فمنفذه الوحيد داخل الأسر الكتابة”.
عن الرسالة التي وصلتها وجعلتها تعيش في أجواء لم تتوقعها تقول النمري:” حينما وصلتني رسالته كانت معبرة جدا، في هذا الوقت أن تصلك رسالة خطية على الورق تحمل مشاعر جياشة عديدة، شعرت وأنني أعيش بلحظات رومانسية في زمن ما مع تامر”.
قرار الارتباط وتبعاته..
أن تتخذ انسانة حرة قرارا بالارتباط بأسير لم يعرف مصيره هو بحد ذاته خطوة جريئة تتطلب تضحية كبيرة، قرار يحمل بطياته الاستغراب والرفض من البعض والقبول فيما بعد.
عن قرار الارتباط تحدثنا النمري:” كان لدي ايمان قوي وكبير أن الظلم لن يدوم، وقرار ارتباطي بتامر هو نوع من الايمان بقضيتنا العادلة، فتامر ليس مجرما زج بالسجن، هو انسان قاوم احتلال دخل على أرضه فعوقب اثر مقاومته، وأنا باتخاذي عذا القرار أردت أن أبين لتامر أنك أنت تستحق أن تُكرم لا تعاقب في السجون، الاحتلال يعاقبهم ونحن نكرمهم”.
في الثاني من تشرين الثاني لعام ٢٠٢١ كان خبرا صادما للبعض، يعج على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحة الصحفية داليا النمري:” الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أعلن أنه تمت خطوبتي على الأسير تامر الريماوي، اسأل الله أن يتمم لنا الخير والافراج القريب لكل الأسرى”.
هكذا أعلنت الصحفية داليا النمري ٣٨ عاما من مدينة القدس ارتباطها بالأسير تامر الريماوي، وعقدت قرانها على الاسير الريماوي في الثاني من كانون الأول لعام ٢٠٢١.
السادس والعشرون كانون الأول كانت تلك اللحظة الحاسمة، التي بدأ خفقان القلب فيها، مشاعر ممتزجة بين التوتر والقلق والحب، تلك اللحظة التي كانت الزيارة الأولى للنمري للسجن للقاء زوجها الأسير الريماوي.
“كنت خائفة ما يدخلوني بعد طريق ساعتين ونص، بس دخلوني أنا والدبلة كمان” عن اللقاء الأول تتحدث النمري، وتكمل:” كنت متوترة وأرجف، أول مرة أزور سجن وأول مرة أتفتش في هذه الطريقة، تم أخذ هويتي وقال لي أحدهم بأن أنتظر، بعدها نادوا أسماء الأسرى وكان اسم تامر من بينهم”.
خفقان قلب سريع وتوتر غير طبيعي ساد في شخص النمري، ” سيراني للمرة الأولى على الواقع ولن تكون خلف الشاشات فقط، كان خوف يحاصرني بأن لا يعرفني ولا أعرفه، دخل أول الأشخاص وكان يبحث عني بعينيه ثم لوحت بيدي فقد عرفته من ملامحه، لم يعرفني في البداية فتفاجئ ومن ثم كان هذا لقاؤنا الأول الذي فتح شعلة أمل جديدة في حياة الريماوي”
ساتر زجاجي وهاتف كانا حاضران في اللقاء الأول بين الأسير الريماوي والصحفية النمري، أربعون دقيقة كانت مدة اللقاء أربعون حكاية وأربعون قصة فكيف ستحكى في المرة الأولى.
” كنا كالأطفال الخجل سيد موقفنا، ضحكنا كثيرا في البداية، حدثته عن الطريق واستغراق الوقت فيه، عن انتظاري بلهفة في ساحة السجن، حتى بدأت بالزيارة الثانية والثالثة فأصبحت روتيني ومفضلتي الشهرية تلك الزيارة التي أنتظرها على أحر من الجمر”.
لم يكن لقرار الارتباط تأثير على حياة النمري، فعلى الرغم من الرفض في البداية من من هم حولها إلا أنها أصرت عنادا بأنها مقتنعة قناعة تامة بتلك الفكرة، فستضحي لأجل من ضحى لأجل الوطن، حتى قبلوا بالفكرة وأصبحوا من المشجعين لها.
لحظة تلقي الخبر..
كان تامر على أحر من الجمر ينتظر جواباً حلم به فترة داخل السجن، كانت نعم هي أكبر أحلامه في تلك اللحظة، إلى أن سمع الراديو ينقل خبرا عاجلاً هز المواقع:” الصحفية داليا النمري تعلن موافقتها على الارتباط بالأسير تامر الريماوي المحكوم بالسجن ٣ مؤبدات”.
كانت أحد الاذاعات تهنئه وقد وضعت له أغنية اهداء كانت زفة عرس، ما أضاء الأمل وسط العتمة، ورسم البهجة من رحم الوجع.
“ستبقى شهادة زواجي بك أغلى الشهادات على قلبي” هكذا رد الأسير الريماوي على خبر ارتباطه في رسالة للنمري.
وعن اللحظة الأولى تقول النمري:” أخبرني تامر بأنه فرح كثيرا، وأقاموا الأسرى في الغرفة معه حفلة احتفالاً بهذه المناسبة، وقام تامر بتوزيع الحلوى على الأسرى الموجودين برفقته في الغرفة”.
نيشان الشرف..
“زواجي من تامر الأسير المؤبد هو نيشان شرف برفعه على كتفي”، بقلب مليء بالأمل تكمل لنا حديثها النمري:” تامر انسان عنده أمل بالحياة، يفكر بالمستقبل ومبسوطة جدا أنني استطعت أن أغير الروتين اليومي لتامر في السجن وأن أصبح شعلة الأمل في حياته”
في كل مرة كانت تزور النمري الريماوي، كانت تتأكد بأن قرارها صائب ولن تندم عليه، ولو عاد الزمان بها ستتخذ نفس القرار، ” تامر انسان صلب وقوي وعنده معنويات عالية انسان رفع معنوياتي، فقبل معرفتي به كنت قد فقدت الأمل بالحياة ولم يكن لدي افق بالحياة، بعد مقابلتي لتامر شعرت أن الأفق أصبح أوسع بالنظر للحياة ومعانيها، هو انسان مرح يحب المزح، انسان متحضر يحب العلم، والثقافة، كما أنه يحب الطبخ فيستمتع حين يحضر الطعام لرفاقه في السجن”.
بفرط من المشاعر التي تشعرك بها وهي تتكلم تكمل النمري حديثها:” أنا ارتبطت بإنسان رائع بغض النظر عن حكمه وظرفه، الظرف ينتهي والمهم هو الانسان وجوهره وشخصيته، وأرى أن سعادتي معه تتحقق على الرغم من أن هذه السعادة منغصة بالسجن إلا أن لدينا أمل أن الظلم لن يدوم وأن صفقة قادمة ستفرج عن تامر قريبا، أنا أحببت هذا الإنسان واحترمته لتاريخه وهو جزء مني”
النمري ليست الوحيدة التي اتخذت قرار بالارتباط بأسير محكوم بالمؤبد، فهناك عشرات الفتيات اللواتي أعلنن الارتباط بأسرى محكومين مؤبدات وأحكام عالية، فقبلها كانت الفتاة منار خلاوي قد أعلنت ارتباطها بالأسير أسامة الاشقر المحكوم ثمانية مؤبدات، وهبة عياد أعلنت ارتباطها بالأسير منذر صنوبر المحكوم أربعة مؤبدات، والأسيرة منى قعدان التي ارتبطت بالأسير المحكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات ابراهيم اغبارية من أم الفحم.
وحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن عدد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد يبلغ 544 أسيراً، من مجموع نحو 4650 أسيراً يقبعون في سجون الاحتلال.