هيئة التحرير:
يجزم وليد الدجاني (٧٦ عاما) أنه يسمع أنين وبكاء حجارة مباني القدس والبلدة القديمة، التي تتهود شيئا فشيئا لصالح المستوطنين بطرق مختلفة.
تستأجر عائلة الدجاني فندق الإمبريال الذي بني خلال عام ١٨٩٣، والمكوّن من أربعين غرفة، منذ عام ١٩٤٩ من الكنيسة الأرثذوكسيّة، لكنه اليوم بات في مهب الاستيلاء والتهويد عقب رفض محكمة الاحتلال العليا قبل أيام الاستئناف المقدم من بطريركية الروم الأرثوذكس، مؤكدة أن فندقي الإمبريال وبترا وبيت المعظمية أملاكا لجمعية عطيرت كوهنيم، وأنه لا حاجة لإعادة المحاكمة.
يقع فندق الإمبريال على مساحة ١٨٠٠ متر مربّع، ويديره وليد الدجاني منذ عام ١٩٩٧، ويؤكد لـ”بال غراف” أن عائلته متمسّكة به نظراً إلى مكانته وعراقته وموقعه في قلب القدس القديمة، وهو لا يقلّ أهميّة عن الحرم القدسيّ وكنيسة القيامة.
ويستعد الدجاني للدخول في معركة قضائية ضد المستوطنين، قائلا “أصبحت حجارة فندق امبريال وفندق البترا وبيت العظمية بيد المستوطنين بشكل نهائي على ضوء قرار المحكمة”، منوها أن المستوطنين بعثوا له قبل شهرين بطلب لإخلاء الفندق، وقد تم الرد عليهم من قبل محامينا، وبالتالي نحن في طريقنا للتوجه للمحاكم”.
قرار المحكمة يعني أن حجارة مباني الفندقين وبيت المعظمية أصبحت في يد المستوطنين، وهم الآن يطالبون بخروجنا، لكن أرض الفندق ليست لهم بموجب القرار.
تعرض الدجاني خلال السنوات الماضية لمضايقات لا تعد ولا تحصى من المستوطنين، الذين ضغطوا بكل الوسائل المادية والنفسية لترحيله من الفندق، لكنه يتمسك بحقه في المبنى الذي تربى وكبر وعمل به طيلة حياته.
يعد قرار محكمة الاحتلال العليا خطوة إضافية في تهويد منطقة باب الخليل في القدس المحتلة، التي تعد أحد أهم المناطق الحيوية في البلدة القديمة في المدينة المقدسة، إذ يقول الدجاني ” مشكلة باب الخليل كبيرة تحتاج إلى تدخل دولي وإقليمي”.
يطل فندقي البترا والإمبريال على ساحة عمر بن الخطاب، التي تعد شريانا حيويا للبلدة القديمة، يقول الدجاني “إذا استولى المستوطنون على ساحة عمر بن الخطاب فهذا يعني أنهم استولوا عمليا على البلدة القديمة”، لافتا إلى أن ذلك يهدد الوجود المسيحي والإسلامي كون كل المؤسسات المهمة واقعة في تلك الساحة، وهي مدخل الحجيج الى كنيسة القيامة.
ولفت الدجاني أن مخطط الاستيلاء على عقارات باب الخليل حلم انتظروه المستوطنون منذ ألفي عام كما أعلنوا ذلك، وإذا ما تم لهم ذلك فهم سيسرقون روح القدس، فباب الخليل وساحة عمر بن الخطاب هما روح القدس والبلدة القديمة”.
تعود صفقة باب الخليل إلى عام ٢٠٠٤، وقد كشف أمرها الإعلام العبري عام ٢٠٠٥، وتتلخص بتأجير ثلاث أملاك تابعة للكنيسة الأرثوذكسية إلى الجمعيّة الاستيطانيّة عطيرت كوهانيم، وهي: فندقا البترا والإمبريال في ساحة عمر بن الخطّاب بمنطقة باب الخليل، أحد الأبواب الرئيسيّة لبلدة القدس القديمة، وقصر المعظميّة في باب حطّة – شمال المسجد الأقصى.
وتسبّبت الصفقة بعد الكشف عنها في عزل البطريرك ايرينيوس في السابع من أيّار/مايو من عام ٢٠٠٥ وتجريده من قبل محكمة الكنيسة في السادس عشر من أيّار/مايو من عام ذات العام من رتبته البطريركيّة وإعادته إلى رتبة راهب، بعد اتّهامه بتسريب أملاك الكنيسة إلى الإسرائيليّين، من خلال منحه وكالة عامّة إلى أمين الصندوق السابق في البطريركيّة نيكولاس باباديموس، الذي وقّع على صفقات التأجير.
قدّمت البطريركيّة الأرثوذكسيّة خلال عام 2017 استئنافاً إلى محكمة الاحتلال العليا في القدس، ضدّ قرار المحكمة المركزيّة بـ 31 تمّوز/يوليو من عام 2017، التي أقرّت بصحّة الاتفاقيّة في عام 2019 ورفضت استئناف البطريركيّة، وهو القرار الذي اتخذته مجددا في حزيران/يونيو 2022.
أثارت الصفقة عند الكشف عنها ردود فعل غاضبة في الطائفة الأرثوذكسيّة بفلسطين ضدّ البطريركيّة، والتي دعت إلى تشكيل لجنة تحقيق لمواجهة تداعيات صفقة باب الخليل ومخاطرها ومحاسبة المقصّرين، متهمين البطريرك الجديد ثيوفيلوس بعدم تقديم جميع الأدلة والمعلومات التي تثبت ما قيل إن أعمال فساد ورشوة هي سبب الصفقة.
وتشهد الطائفة الأرثوذكسيّة في فلسطين والأردن منذ سنوات حراكاً ضدّ ثيوفيلوس منذ عام 2015، لأسباب يقول القائمون على الحراك إنّها “عنصريّة وتفريطيّة”، واتهامه بـ”تسريب أوقاف الكنيسة إلى إسرائيل، واتّخاذ قرارات جائرة في حقّ الرهبان العرب”.
وقال عضو الحراك الأرثوذكسي أليف صباغ لـ”بال غراف”، إن ما قدمته البطريركية في استئنافها للمحكمة العليا لا يكفي لقبول الاستئناف، لأن تقديمها كل الدلائل التي لديها لتثبت أن الصفقة كانت مغشوشة ويشوبها الكثير من الغش والرشاوى فإنها ستدين نفسها.
وقال صباغ ” البطريرك ثيوفيلوس صرح أكثر من مرة أن البطريرك السابق ايرينيوس باع الأوقاف، وبناء على ذلك تم الانقلاب عليه، ولكن إذا جرت عملية البيع فعلا، فلماذا تقوم البطريركية بالاستئناف، كما أن البطريرك إذا كان يعلم أن الصفقة مغشوشة وغير قانونية، فلماذا قبض ثمنها”، لافتا أن المحامين نبهوا البطريركية لعدم قبض ثمن الصفقة لكنهم فعلوا.
ولفت صباغ أن البطريرك ثيوفيلوس منع البطريرك السابق ايرينيوس من القدوم للمحكمة والإدلاء بشهادته، لافتا إلى وجود بروتوكولات تدين مساعدي البطريرك والمقربين منه، وتؤكد أن الصفقة كانت خديعة ولذلك لم يستخدمها ويقدمها للمحكمة، مضيفا أن “كل ما يجري الآن وسابقا في محاكم باب الخليل هي مسرحيات”.
وتابع ” لو أرادوا منع الصفقة، لفعلوا ذلك منذ البداية”، وهناك صفقات أخرى تجري كل يوم ولا أحد يعلم عنها شيء.
ولفت صباغ إلى أنه جرى مطالبة السلطة الفلسطينية بمحاكمة البطريرك، وفق ما تقدم لها من وثائق وأوراق لكنها لم تحرك ساكنا، بل على العكس يتم تهديدنا في الأعياد المجيدة في حال تنظيمنا لأي فعاليات احتجاجية ضد البطريرك.
يذكر أنّ أكثر من٣٩٠ شخصيّة فلسطينيّة تقدّمت بشكوى جزائيّة ضدّ ثيوفيلوس مكوّنة من ٥٠٠ صفحة، تشمل وثائق ومستندات تثبّت تورّطه في تسريب أملاك الكنيسة إلى الشركات الإسرائيليّة في الثلاثين آب/أغسطس من عام ٢٠١٧ إلى النائب العام الفلسطينيّ (بعد شهر من قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية بصحة وسلامة صفقة باب الخليل)، لكن لم يتّم التعامل معها من قبل النائب العام.
وكان الحراك الأرثوذكسي قد عقد في تشرين الأول/أكتوبر بمشاركة الفصائل والأحزاب كافة، والفعاليات الشعبية الأردنية المؤتمر الوطنيّ لدعم القضية العربيّة الأرثوذكسيّة في مدينة بيت لحم، والذي أصدر مع ختام أعماله ١٤ قراراً وتوصية، أهمّها “اعتبار الملفّ الأرثوذكسيّ من الملفّات الاستراتيجيّة الوطنيّة لمنظّمة التحرير كملفّ القدس واللاجئين”، و”سحب الاعتراف بالبطريرك ثيوفيلوس تمهيداً إلى عزله ومحاسبته، وعدم استقباله في أيّ مناسبة دينيّة واعتباره وحاشيته وكلّ من يسير في فلكه خارجين عن الصفّ الوطنيّ”، وتشكيل لجنة متابعة من ١٧ عضواً من فصائل العمل السياسيّ الفلسطينيّ والأردنيّ، والمجلس المركزيّ الأرثوذكسيّ والشباب العربيّ الأرثوذكسيّ، لمتابعة قرارات المؤتمر على المستوى السياسيّ والقضائيّ والجماهيريّ، لكن بقيت تلك التوصيات حبرا على ورق.