هيئة التحرير
ليس بعيداً عن مقاعد دراستهما، يجلس جدار الفصل العنصري جاثماً فوق أراضي جامعتهم، فكروا في مشروع تخرج، سرحوا في المدى بعيداً، فاصطدمت أحلامهم بعلو الجدار، الذي يفصل جامعة القدس عن مدينة سميت باسمها، ويسرق من أرضها، ويكبد طلابها عناء البحث عن طرق طويلة للوصول إليها، فكان الجدار مشروعهما.
كرمل مزهر وخالد السويطي، فككا جدار الفصل العنصري، وحولوه إلى مطلة ترصد القدس العاصمة، وتحافظ على إرث القدس الجامعة، خطوة يراها الجمعُ بعيدة، ويرونها قريبة، مشروع تخرج حول تفكيك الجدار المقام على أراضي جامعة القدس أبو ديس وتحويله إلى سكن طلابي ومطلة على قبة الصخرة، كخطوة نحو الحلم، بإزالة هذا الجدار.
بداية المشوار فكرة…
خالد السويطي (٢٦ عاما) من مدينة الخليل، خريج هندسة معمارية من جامعة القدس أبو ديس، صاحب فكرة مشروع تفكيك الجدار وزميلته مزهر يقول لموقع “بالغراف” عن بداية الفكرة:” عند الحديث عن فكرة المشروع ونشأتها فيجب أن نتطرق إلى بداية مشوارنا الجامعي، حيث كان علينا أن نبدأ بالتفكير في ماهية المشروع الذي سنطرحه في تخرجنا لكي يكون حافز لنا على مر السنين الدراسية، وعند البحث بشكل أولي ومع تنقلاتنا ذهاباً واياباً بين مدننا وجامعتنا، كان هنالك المارد البائس يقف صامتاً وممزقاً لبلادنا دون أن ينبس ببنت شفه، وفي لحظة سرحان لمعت فكرة المشروع كالبرق في داخلنا الجدار، ومن هنا كانت البداية”.
أمل وحلم…
كرمل رائد مزهر (٢٤ عاما)، خريجة هندسة معمارية من جامعة القدس تقول عن مصدر الفكرة وكيف خطرت على بالهم: “”نبعت الفكرة من صُلب المعاناة والأثر النفسي السيء الذي يتركه فينا وجود هذا الجدار أثناء مرورنا وتنقلنا من والى الجامعة، طوال سنوات الدراسة فهذه الكتل الاسمنتية قسّمت أرضنا وحجبت عنا الشمس وأثرت سلبا ًعلى مسار حياتنا وقطعت شوارعنا وسرقت وقطعت أراضينا و ومنازلنا”
وتكمل مزهر :” بشكل خاص فقد كان للجدار المحاذي للجامعة أثراً نفسياً سيئاً علينا كطلاب عانينا منه طوال هذه السنوات من مواجهات واعتقالات وحتى حرق أراضي وممتلكات للجامعة والتي كان لنا فيها الكثير من الذكريات”.
من هنا نبع حلم ازالة الجدار، وفكر الطالبان ماذا سيفعلون في هذه الكمية الكبيرة من الاسمنت خاصة وأن التخلص منه بيئيا ضار جداً ايضاً هنا جاءت الفكرة، فكان حلم ومن ثم اصبحت فكرة.
وعن تأثرهم في هذا الجدار وكيف عكس على تنفيذ الفكرة تقول مزهر:” كطلاب جامعة متأثرة بوجود الجدار وهي الجامعة الوحيدة التي اقتطع الجدار جزء من أراضيها وتعاني حالياً من مشاكل في التوسع، فكانت الخطوة نحو الحلم هي بناء سكن للطلبة من وحدات الباطون التي تشكل جدار الفصل العنصري”.
وحول الرسالة التي حاولوا إيصالها من خلال هذا المشروع، تروي لنا مزهر:” نحن كجيل نؤمن بحتمية النصر والتحرير بإزالة الاحتلال بكل تبعاته والتي منها هذا الجدار الذي يفصل أرضَنا عن أرضِنا واثقين بعزيمتنا وفكرنا وعلمنا الذي سيحول هذا الجدار الى شيء يكون شاهداً على نصرنا، ونطوعه لخدمتنا ببناء وحدات سكنية، وكنموذج منها سكن طلابي على أراضي جامعة القدس المصادرة لصالح جدار الفصل العنصري”.
وعن رغبتهم بالاستمرارية فيما بعد هذا المشروع تبين مزهر:” كانت هذه الفكرة كمشروع تخرج ونحن سنعمل على تطوير هذه الفكرة لتكون مخططات معمارية بشكل أوسع قابلة للتنفيذ على أرض الواقع في حال زوال الاحتلال، ونحلم بأن يكون مشروعنا بداية لسلسلة مشاريع تعيد استخدام مخلفات الاحتلال لبناء فلسطيننا الجديدة ولتكون شاهداً على زوالها”.
ومن جهته يقول السويطي:” بالنسبة لرسالة المشروع فهي رسالة تحدي وصمود فبعد أن كان هذا المارد الشاحب (الجدار) يحجب عنا رؤية الجزء الاخر من بلادنا ولا سيما درة القدس وهي قبة الصخرة، فقد ركزنا في مشروعنا أن يكون مطلاً عليها وعززنا هذه الفكرة باستخدامنا لاحد الأبراج العسكرية كمطلة تتيح للناس رؤية المسجد الأقصى وقبة الصخرة من خلاله، بعد أن كنا محرومين منها فنحن من مخلفات هذا الاحتلال نبني سكناً للطلاب ليكون شاهداً على نصرنا”.
ويتابع:” كما أننا نتمنى أن نستمر في تطوير هذا المشروع ليكون بداية للتفكير المستقبلي ما بعد الاحتلال كمحاولة لنفض الاتربة عنا ومحاولة للنهوض بأمتنا”.
وحول الصعوبات والعقبات التي واجهتهم في المشروع تقول مزهر:” في البداية حتى ننجز ونتقن أي عمل علينا أن نكون مقتنعين في الفكرة وقناعتنا أنه بيوم من الأيام سنتحرر وإيماننا بحتمية الوصول حفزنا أن نكمل للنهاية”.
وتضيف مزهر:” لكن طبعاً كانت ولازالت تواجهنا من بعض الناس المحبطين وفاقدي الأمل بأننا سنتحرر يوماً ما، حاول البعض يثنينا عن فكرة المشروع كونها فكرة كبيرة ولكن ايماننا العميق بأنفسنا وقدرتنا على تجسيد خيالنا وحلمنا الى مشروع قابل للتنفيذ جعلنا نصرّ ونكمل للنهاية حتى من لم يكن مقتنع من بعض الاساتذة لمرحلة ما اقتنعوا وشجعونا أن نكمل”.
ومن ناحيته يقول السويطي:” واجهنا منذ البداية عقبات، فالعبارة السلبية والمحبطة كانت لها أثر نفسي سلبي علينا مثل متى سيحدث مثل هكذا مشروع ؛ إنها أحلام يقظة ؛ يستحيل ازاحة هذا الجدار ؛ وإلى اخره من الجمل المثبطة ولكن ايماننا بفكرتنا قوى عزيمتنا ولم نأبه بهذه التعليقات وواصلنا حتى عرضنا النهائي له، هذا جزء من العقبات النفسية التي واجهتنا”.
ويكمل السويطي:” كما واجهنا المشاكل الهندسية التي أرقتنا وتطلبت منا أن نقضي العديد من ساعات البحث والدراسة والتجربة ولتعديل حتى وصلنا في النهاية الي ما كنا نصبوا اليه”.
