الاء العملة
اكتئاب ما بعد الولادة ذلك المرض الذي لا يُؤخذ على محمل الجد في الكثير من المجتمعات، لكنه في الواقع واحد من أكثر الأمراض خطورة التي قد يصيب النساء وقد يصل بهن إلى مرحلة القتل.
القاتل الصامت ذلك هو الإسم الذي يُطلق على اكتئاب ما بعد الولادة، ففي سنغافورة عام ٢٠٢١ بدأ التحقيق بوفاة إمرأة وطفلتها الرضيعة، حيث الكرسي الذي وُجد تحت شباك المطبخ والرسالة الصوتية التي قامت بإرسالها الزوجة لزوجها قبل وقوع الجريمة، وكلها إشارات تدل على انتحار الأم وهي تحمل طفلتها الرضيعة بعمر الخمسة أشهر، حيث قامت بإلقاء نفسها من الطابق العاشر في البناية السكنية التي تقطن بها وتركت وراءها ابنتها البكر وزوجها.
في الرسالة الصوتية قالت الأم أنها ام غير صالحة وأنها لا تستطيع الاعتناء بالأطفال وما كان يجب عليها أن تنجب بعد ابنتها الأولى، كان الزوج يلاحظ التغيرات النفسية على زوجته لم يكن يهتم بها كثيراً وظن أنها مجرد فترة وستمر ولكنها لم تُعدِ.
الاكتئاب مرض قد يفضي للقتل
واحدة من سبعة نساء يتعرضن لاكتئاب ما بعد الولادة بحسب آخر الإحصائيات، وهو يختلف كليًا عن الاضطرابات النفسية الأخرى، ففترة الحمل لا بد وأن تتعرض بها المرأة لضغوطات نفسية وجسدية وأيضاً اقتصادية، ولكن حتى ولو مرت فترة الحمل بأفضل ما يكون فمن الصعب أن تحمي المرأة نفسها من هذا النوع من الاكتئاب المرتبط بدرجة أولى بتقلبات هرمونية صعب السيطرة عليها
وتقول الأخصائية النفسية نهاية أبو ريان في حديث ل ” بالغراف” إن الاكتئاب يؤثر على الأم وعلى أطفالها اللذين من الممكن أن يظهر عليهم المرض لاحقاً في مرحلة الشباب على شكل مشاكل نفسية معقدة، مضيفة أن الكثير من المراهقين الذين يأتون للمتابعة النفسية وحتى الأهل أنفسهم، فإنها تكون مشاكل مرتبطة باكتئاب ما بعد الولادة، ويكونون قد مروا عن هذا المشاكل على أساس أنها فترة ضغط عادية وستمر ولكن هذا سبب لهم مشكلات نفسية بَقيوا عالقين بها هم وأطفالهم.
في العام ٢٠٢٠ وتحديداً في مخيم الجلزون برام الله طعنت أم طفلها بسكين فقتلته أمام والدتها وأشقاءها، حيث كانت مصابة بهذا المرض ورغم أن زوجها بعث بها لوالدتها للاعتناء بها، لكن وقعت الجريمة وحُبِسَت الأم ثم حُولت لمستشفى الأمراض العقلية والنفسية، ولكن ومع انتشار الخبر بدأت التعليقات السلبية التي من الممكن أن يكون سببها الجهل وقلة الوعي، التي تقلل من هذا المرض ولا تعتبر له وجود.
أعراض المرض
لا يختفي هذا المرض إلا بالعلاج وإلا من الممكن أن يزداد، وحتى وإن قل فإن فرصة عودته على شكل اكتئاب وارد جداً، فتقول الأخصائية نهاية أبو ريان إن كل الأعراض التي تكون في اكتئاب ما بعد الولادة هي “الحزن الشديد، وافتقاد الطاقة للعمل، إضافة للحزن الذي يسيطر على المرأة، وافتقادها للتركيز وكأنها في عالم آخر، وتكون أعينها خارج إطار السيطرة، إضافة إلى ضعف ثقتها بنفسها وانعدام الشهية أو زيادتها، وتصاب بالإنطواء، وقد يصل بها الحال لإيذاء نفسها أو طفلها المولود أو الأطفال الآخرين لديها”، مبينة أنه من المخيف للأم أن تراودها هذه الأفكار لأنها قد تقوم بالتنفيذ فعلاً.
العديد من الجرائم ارتُكِبت و يصعب حصرها بسبب هذا المرض، وبينت أبو ريان أنه لا نريد نسيان ما حصل علنيًا عندما قتلت الأم الطفل المولود وأطفالها الإثنين الآخرين في محافظة طوباس قبل عام، مضيفة أنها التقت معها شخصياً وخاضت معها جلسات علاجية قبل تحويلها لمركز إصلاح وتأهيل.
ولفتت إلى إنها إمرأة تاريخ سجلها من الطفولة وعلاقتها مع والدتها وزوجها وعائلتها مليئة ب “الإساءة، والعنف، وتدني تقدير الذات، وعدم احترام الذات، إضافة للعنف الاجتماعي، والشعور بعدم الكفاءة للإعالة، إضافة الضغط النفسي الشديد الذي كانت تتعرض له في حياتها اليومية من ولادة الطفل الأول لحين الطفل الثالث”، مبينة أنها قتلته وقتلت الإثنين الآخرين وبذلك تحققت مرحلة الإيذاء.
أهمية العلاج
وأكدت أبو ريان أن مرضى اكتئاب ما بعد الولادة يعالجون في المستشفيات من خلال الأدوية وأحياناً بجلسات الكهرباء، ولكن أحياناً بعد العلاج وعندما يتعافون من الأعراض الاكتئابية فإنهم يدخلون في صدمة الفقدان، حيث يدركون الفقد وما فعلوه بقتل أطفالهم، وهذا يعتبر صدمة جديدة بحاجة إلى مساندة ودعم بشكل مستمر.
وشددت على أنه من الضروري على الزوج أن يكون داعم ومحتوي للزوجة ويطمئن عليها، لأنه شريك في الإنجاب، مشيرة إلى أنه أصبح هناك الكثير من الأزواج الذين يشاركون زوجاتهم لحظات الإنجاب وهذا بمثابة الدعم لهم، إضافة إلى ضرورة اهتمامهم بطعام الزوجة وبالتوتر لديها ومتابعتها.
