منجد أبو شرار
مما تميزت به السردية الأيديلوجية للمشروع الاستعماري الصهيوني أنها تأسست على آليات ونظريات استرجاعية. ليس فقط عبر تبني “العقيدة الاسترجاعية” المُتعلقة بالحُكم الألفي وعودة “المشيح أو المسيا” في اليهودية، والتحالف مع “الصهيونية ذات الديباجة المسيحية”، بل في إعادة استرجاع ما لحق بيهود أوروبا من أسى وتحويره كإطار تاريخي للتبرير المَرَضي للمذابح التي ارتكبتها العصابات نواة “جيش الدفاع الإسرائيلي” إبان فظائع النكبة بحق الفلسطينيين والمستمرة إلى الآن، وكذلك الحال في أدلجة مرويات أرض الميعاد وشعب الله المختار والقصص التوراتية في الخطاب الاستعماري الصهيوني، من أجل الاستدلال- عبثا- على أي حق للغزاة في أرض “الجند المحاربين” الفلسطينيين.
وإن كانت هذه السردية المُفتَراة قَدمت خدمة جلية للمشروع الصهيوني في بداياته، إلا إنها تحولت لاحقًا إلى مأزقٍ مُلازم للمستعمرة الصهيونية وسياساتها وساستها، خاصة مع الفشل الذريع الذي واجهته المستعمرة في الجمع بين ثنائية ديمقراطيتها اللازمة لتأكيد انتمائها إلى قوى الاستعمار الغربي والحضارة والنور من جهة، ويهوديتها المصطنعة في ظلال الصهيونية من جهة أخرى، وقد فَضحَت مؤخرًا عملية “طوفان الأقصى” هذا المأزق على الملأ، من خلال التمجيد والاحتفاء العَلني بممارسات دموية وحشية استمدت شرعيتها من نصوص واردة في أسفار التوراة، وكذلك بالنكوص المتدرج للساسة والعسكريين الإسرائيليين عقب فشل خططهم العسكرية في القطاع رغم المجازر التي ارتكبوها، وصولا إلى استجداء استرجاع اليوم السابق للسابع من أكتوبر.
الحرب التي تطحن النساء والأطفال في غزة الآن، جُل ما تريده تلك اللحظة التي سبقت احتشاد 70 مقاتلا من “نُخبة نُخبة القسام” وعبورهم إلى الأراضي المحتلة مع آلاف المقاتلين، استرجاع الأسرى، استرجاع الهدوء، استرجاع مستوطني الغلاف إلى منازلهم، استرجاع الحياة إلى المستعمرة المتوحشة، استرجاع الردع والهيبة والاستعلاء على الفلسطينيين ولو شكلا، وفي نفس الوقت تجريد الفلسطينيين من أي قيمة معنوية أو مادية أو سياسية لعملية “طوفان الأقصى”، وتجريدهم من إرادة القتال والصمود والبقاء في أرضهم وترسيخ قيم الذل والخنوع والاستسلام المهين، واستئناف تقويض أسس القضية الفلسطينية، وتدمير عناصر الكيانية الفلسطينية، ومواصلة التطبيع مع الاعراب، وصولا إلى عزل الفلسطينيين ونبذهم في محيطهم العربي والإسلامي والدولي.
إن خطة “اليوم التالي” التي اقترحها “وزير الدفاع” الإسرائيلي يوآف غالانت، وتطوف حولها المنطقة وفق طقوس الكاو بوي اليهودي بلينكن، هي خطة اليوم السابق، خطة مواصلة سحق الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، أما اليوم التالي فهو لا يُرعب الفلسطينيين، رغم أن العالم القَذر تَرك لحم أطفالهم ونسائهم ودمائهم وأحلامهم وقودًا لأبشع عقيدة متوحشة في التاريخ البشري.
اليوم التالي يُرعب المُستعمَرة المَنبوذَة التي استعانت بالقريب والبعيد من أجل حرق الفلسطينيين العُزل، يُرعب من لم يترك سلاحًا فتاكًا مُمَزقًا لأجسام الفلسطينيين إلا وصبّت نيرانه على مآوي الزينكو في غزة. اليوم التالي هو رعب من استنفذ خياراته الاستراتيجية حد فقدان أي سبيل كفيل بضمان البقاء، أي بقاء، اليوم التالي كابوس المنافقين المُرجفين.. أبدًا لن يُرعب من اكتشف قبضة يده التي صهرت الحديد، اليوم التالي يومك يا داود المعُظِّمُ لله. “وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا”.