loading

يوسف أبو ربيع: قصة غرس وصمود 

تسنيم دراويش

جَسّد المهندس الزارعي يوسف أبو ربيع المعنيين الذي يحملهما الحديث الشريف “لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”، وهو الحث على الزراعة مهما كانت الظروف، والمعنى المجازي الذي يدعو الى السعي والعمل في أسوأ الأحوال وإلى أخر لحظة، وذلك من خلال مشروعه الزراعي في مدينة بيت لاهيا رغم الدمار والقصف المتواصل 

مع استمرار الحرب ولتعمير الأرض ورغم الدمار أسس أبو ربيع مشتله الخاص في أرض الذهب الأحمر ببيت لاهيا، بلسان حال يقول إن الحرب والدمار تتلاشى كزبد البحر ولا يبقى سوى ما ينفع الناس. 

منذ نعومة أظفاره يهوى أبو ربيع الزراعة، فهو مزارع أباً عن جد وكان حلمه أن يدرس  تخصص الهندسة الزراعية، لكن كان لوالده رأي آخر فهو كان يريد منه أن يصبح طبيباً، و أجبره على السفر لدراسة الطب إلا أن يوسف أصر على العودة ليدرس التخصص الذي يحب في الأرض التي يحب، فتخرج بدبلوم الزراعة عام 2022، وتوقف لفترة بسبب جائحة كورونا، ثم عاد ليُكمل البكالوريوس، ولكن الحرب حالت دون أن يكمل فصله الجامعي الأخير، كما أنه اضطر للنزوح من بيت لاهيا تاركاً بيته ومدينته وأرضه الزراعية.

في شهر نوفمبر الماضي وعندما أُعلِنَت الهدنة الإنسانية عاد يوسف إلى بيت لاهيا ليتفاجأ بحجم الدمار الذي حل بها، وفي اليوم الأول لم يدخلوا الأراضي الزراعية بسبب الخطر، فيما وباليوم الثاني وضع نُصبَ عينيه هدف الوصول للأرض ويرى ما الذي حل بها، واصفًا إياها بعد رؤيتها بأنها مشاهد صعبة فالأراضي التي كانت مليئة بالحياة أصبحت قاحلة  مهجورة ويابسة، سكنت الأعشاب الجافة المدينة الخضراء وبدأت الأشجار تجف، مؤكداً أنه وبالرغم من كل هذا الدمار وقصر فترة الهدنة، إلا أنهم استطاعوا الحصول على القليل من الخضراوات التي صمدت في الأرض.

وعقب انتهاء الهدنة عادت الحرب بوتيرة أشد وأعنف فنزح وعائلته لمحيط مستشفى الشفاء ما يقارب ال60 يوماً، مضيفاً أنه وبعد توغل الاحتلال للمرة الثانية على مستشفى الشفاء طُلِبَ منهم النزوح إلى دير البلح، فقاموا بانتهاز  الفرصة والعودة إلى بيوتهم في بيت لاهيا، متخذين قراراً عائليًا بالبقاء، رغم انعدام المقومات الأساسية للحياة، مبينًا أنهم عاشوا على الخبيزة والأعشاب، حيث يذهبون في رحلة طويلة يمكن أن تعيدك شهيداً، مستذكرًا مكوثهم 60 يوماً من ضمنهم شهر رمضان على الأعشاب، حيث كان يسأل أخيه الصغير: هل أنت جائع ؟  فيرد: لا، مرددًا “سبحان من ألهمنا  الصبر ووضعه في قلوبنا”.

ومع مرور شهر على عودتهم إلى بيتهم المدمر، أوضح أبو ربيع أنهم اعتادوا مشاهد الدمار والقصف، ووصل عدد العائلات العائدة إلى 100 عائلة، حيث بدأت الحياة تعود إلى المنطقة، وأصبحت المياه تتوفر كل 10 أيام وبدأت الإنزالات بالسقوط في الشمال، مفيداً أنه ذهب مرة واحدة وعندما شاهد كمية الدمار والقتل والمشاكل والتجريح قرر عدم العودة حتى لو ماتوا من الجوع، فهي ليست مساعدات بل هي مذلة لأهل العز حسب وصفه

وبحثًا عن إيجاد ما يأكلونه اقترح أبو ربيع على شقيقه وهو أيضاً مهندس زراعي أن يقوموا بالزراعة فوق السطح فاستخدموا بذوراً كانوا قد احتفظوا بها سابقا، وقاموا بتعبئة أكياس الرمل ونقلها يدوياً، مضيفاً أنه وبالرغم من أن الصعود إلى السطح والزراعة يمثل مخاطرة كبيرة إلا أنهم يريدون أن يأكلوا مما يزرعوا

أبو ربيع يؤكد أن الأرض كانت مزروعة بمحصولي الفلفل والباذنجان، في ظل الحرب والنزوح و بسبب عدم العناية وانعدام الري، جفت الثمار وتساقطت البذور على الأرض، ومع حلول الشتاء، وتساقط الأمطار، نبتت الكثير من الأشتال، مردفًا أنهم كعائلة فالزراعة تسري في دمائهم، فوالده أبى إلا أن يعود للأرض ويحضر 1000 شتلة ليقوموا بزراعتها.

 وبين أن التشتيل لم يكن سهلًا في ظل انعدام الأسمدة والمبيدات وشُح المياه، ففي البداية قام بتشتيل أكثر من 40 ألف شتلة، خسر نصفها، مؤكدا أنه مر بكل أنواع الخطأ والفشل ولكنه لم ييأس فقام بالبحث عبر الإنترنت عن حلول وبفضل الله أصبحت الامور تتجه نحو الأفضل ونجحوا بتشتيل ما يقارب 35 ألف شتلة، مشيرًا إلى أنه وبعد هذا النجاح أطلق يوسف اسم “المهندسين” على المشتل، مؤكداً نيته الاستمرار بنفس المشروع بعد انتهاء الحرب. 

قبل اندلاع الحرب كان أبو ربيع يسلط الضوء على المزارع المهنش عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عبر ڤيديوهات لإنجازاته ومشاكله، ولكن بعد اندلاع الحرب أصبح هذا العمل أكثر صعوبة، ولكنه أكثر أهمية والحاحاً، مفيدًا أنه حاول إيصال الصورة بطريقة مناسبة، فقطاع الزراعة مدمر كلياً، ويجب على كل جهة معنية أو مسؤولة أن تدعم هذا القطاع بما تستطيع، ومن خلال فيديوهاته هذه، تم التواصل مع مؤسسات قدمت لهم المساعدة، مؤكداً أنه وعلى الرغم من وجود تقصير من قبل المؤسسات الزراعية الفلسطينية إلا أن بعض المؤسسات تواصلت معهم مثل العربية لحماية الطبيعة التي قامت بتزويدهم بالبذور و الأشتال وما زال التعاون مستمراً.

تعرض أبو ربيع للاستهداف المباشر لأكثر من مرة خلال عمله كان آخرها خلال اليوم الرابع من عيد الأضحى ولكنه نجى بأعجوبة، مؤكداً أنه لم يعد يهتم فأضحى الاستهداف أمر روتيني، متمنياً إن كُتِب له الموت أو الشهادة أن تكون في هذه الأرض، وهو يعمل ويُنتج، مؤكداً فقدانه لخمسة من رفاقه الذين يعملون معه والذين جمعتهم به لحظات جميلة 

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة