هيئة التحرير
“مجرد من ملابسه بشكل كامل، ومقيد اليدين والقدمين، طوال الوقت، ونائمًا في العراء تحت المطر ويتعرض للضرب بشكل متواصل، إضافة لوضعه في غرفة ووضع سماعة بأغاني بأعلى صوت قرب أذنيه حتى نزفت أذنه الدم من قوة الصوت” بهذه الكلمات وصف الأسير المحرر من معتقل “سيدي تيمان” حالة التعذيب الشديد الذي تعرض له طيلة أربعين يوماً من الاعتقال، ولكن الشيء الذي رآه والذي لا يُقارن بحجم التعذيب الذي تعرض له هو مشاهدته تعرض أحد الأسرى للاغتصاب من قبل كلب بوليسي حتى فقد الوعي، واصفاً إياه بأنه أصعب مشهد شاهده
تضاف هذه الشهادة للأسير بكر لشهادات مئات الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرضون للتعذيب في سجون الاحتلال منذ بداية الحرب على غزة بصورة أشد من سابقتها وبصورة تسابق شهادات المعتقلين في سجن غوانتانامو الأمريكي، ولكن تعذيب الأسرى كان فصلاً أسياسيًا من فصول الاحتلال أي منذ سنوات طويلة خلت وما زالت تتواصل حتى الآن بل وتزداد إجرامًا وبشاعة مع مرور الوقت
وتتزامن شهادات الأسرى المفرج عنهم حول ما تعرضوا له من تعذيب، مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب الذي أقرته الأمم المتحدة إسنادًا لضحايا التعذيب وبهدف القضاء التام على التعذيب، ولكن الاحتلال الذي لا يأبه بأية قوانين أو أحكام دولية يواصل التعذيب بحق الفلسطينيين سواء في سجونه أو حتى خارج هذه السجون
مؤسسة الضمير الفلسطينية بينت أن الاحتلال يستخدم سياسة التعذيب بحق الأسرى والمعتقلين بكافة الأشكال والسبل بدءًا من لحظات الاعتقال الأولى، حيث ارتقى على مدار كل تلك السنوات المئات من الأسرى في السجون الإسرائيلية نتيجةً لاستخدام التعذيب بأشكاله المختلفة دون أدنى محاسبة أو مساءلة من قبل الجهات الدولية المعنية.
وبينت المؤسسة أنه ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ارتقى نحو 54 شهيدًا من كافة المحافظات الفلسطينية في سجون الاحتلال نتيجة التعذيب وظروف الاعتقال اللإنسانية والتعذيب والاعتداء الممنهج عليهم، منهم 36 أسيرًا من قطاع غزة و18 أسير في السجون التابعة لإدارة مصلحة السجون، مضيفة أن الاحتلال ما زال يخفي معلومات الشهداء الأسرى.
وأفادت المؤسسة أن هناك تقارير كشفت عن ارتقاء عشرات الشهداء داخل المعسكرات والسجون دون تمكن العائلات من معرفة مصير أبنائها، حيث لم يكشف الاحتلال عن أسماء الشهداء الذين ارتقوا داخل هذه المعسكرات، مؤكدة أن هذا يدلل علِى حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الأسرى داخل السجون، إذ أصبح الواقع داخل السجون والمعسكرات أكثر قسوة نتيجة لسياسات سلطات الاحتلال الانتقامية بحق الأسرى والمعتقلين، يذكر أن أعداد المعتقلين من قطاع غزة ومعلوماتهم لا زالت مجهولة حتى الآن، حيث يقدر عددهم بالآلاف.
وأوضحت أن أسرى قطاع غزة تحديدًا يعيشون ظروفًا في غاية القساوة والصعوبة، إذ تحتجزهم سلطات الاحتلال في معسكرات تابعة للجيش وغير مؤهلة لاستيعاب هذا العدد غير المسبوق من الأسرى، عرف منها معسكر “سديه تيمان” في بئر السبع ومعسكر “عناتوت” في القدس، ويستخدم الاحتلال بحق الأسرى أشكالًا مختلفة من التعذيب، منها تعريتهم بشكل متكرر ومقصود في محاولة لإذلالهم، وإبقائهم مكبلي الأيدي والأعين طوال الوقت، إضافة لاستخدام أساليب الشبح المختلفة بحقهم، وحرمانهم من العلاج، وتصويرهم بشكل مهين، وحرمانهم من النوم وإطلاق الكلاب البوليسية عليهم لتنهش لحمهم، إضافة للاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأسرى، وتقديم وجبات طعام لهم بنوعيات رديئة للغاية وبكميات قليلة جدًا، مفيدة أن الأسرى محرومين من أدنى حقوقهم الإنسانية كتوفير الملابس، والمنع من الاستحمام لفترات طويلة جدًا، والتعرض لدرجات الحرارة العالية، وسحب الفراشات منهم في ساعات الفجر الأولى وإرجاعها لهم بعد منتصف الليل.
واستعرضت المؤسسة رواية بعض الأسرى الذي قاموا بروايتها لمحامي عقب زيارتهم حيث يروي الأسير (ح، ن) أنه “تم اعتقاله من مدرسة في بيت لاهيا، حينها قام الجنود بتكبيله للخلف بمرابط بلاستيكية وعصبوا عيونه ثم اقتادوه بالضرب والقوة لمكان يدعى بال (البركس)، وهناك بدأت عملية التعذيب الشديد، على الرأس وكافة أنحاء الجسد دون أي رحمة، كما وأجبروه على الجلوس على ركبته طوال الوقت على أرض من الحصى مما كان يزيد من الألم، مضيفاً أنه كان يتعرض للشتم والإهانة طوال الوقت، مبينًا أنهم قاموا بنقله لمركز تحقيق (بيتح تيكفا) حيث مكث هناك نحو 130 يومًا تعرض فيها للشبح والضرب العنيف والتعذيب، واصفاً إياها بأصعب أيام عمره”
ولفتت المؤسسة أن أطفال قطاع غزة لم يسلموا من التعذيب الوحشي الممارس من قبل جنود الاحتلال، إذ يتحدث المعتقل الطفل (ع. ع) للمحامي عن ظروف اعتقاله قائلًا إنه عند اعتقاله قام الجنود بخلع ملابسه وإبقائه باللباس الداخلي فقط، ثم انهالوا عليه ضربًا بشكل عنيف للغاية، ثم قيدوه للخلف وقاموا بإغماء عيونه ثم بدأوا بالتحقيق الميداني معه، إضافة لإجباره على الركوع طوال الليل قبل نقله صباحًا إلى أحد البيوت المهدمة حيث بدأوا بضربه مرة أخرى، وقاموا بوضعه في ثلاجة باردة، بل ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بجلده بالأسلاك على ظهره، وقام الجنود بتمرير سكينة على جسده حتى شعر بالدماء تسيل منه، وعند وصوله إلى سجن عوفر كانت قدمه تنزف وبقي ثلاثة أيام دون علاج”.
مؤسسة الضمير أفادت بأن إفلات الاحتلال من المساءلة والمحاسبة، تعتبر أحد أبرز الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في استمرار ومنهجة ممارسة وتعميق جريمة التعذيب في السجون، حيث وصل الأمر حدّ ارتقاء عشرات الشهداء في السجون دون الإعلان عن أسمائهم أو مُلابسات استشهادهم، مؤكدة أنه ونتيجة لتمتع سلطات الاحتلال بثقافة الإفلات من العقاب، تُضاعِف ممارستها لجريمة التعذيب وسوء المعاملة وذلك في إطار الانتقام من المعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين دون الاكتراث للتبعات القانونية على المستوى الدولي.
وأكدت أن استمرار افلات معاقبة الاحتلال عن جرائم التعذيب التي يرتكبها دون محاسبة من قبل المجتمع الدولي يجعله متواطئاً في هذه الجريمة، ويتعين على المجتمع الدولي الضغط على الاحتلال لوقف هذه الجرائم بشكل فوري، وتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في محاسبتهم عن هذه الجرائم الفظيعة التي لا تسقط مع مرور الزمن.